الخبر بالصوت

شربل بو كرم

تعتبر الصحافة من أصعب المهن في العالم، وذلك لأنَّ على الصحافي الجيد والمتمرّس أن يواظب متابعته لكل ما يحصل من حوله، أليس هو Google عصره كما وصفه الصحافي الراحل روبير غانم؟ لذلك، ليس كل شخص أراد أن يمارس الصحافة أو الإعلام يكون “قدّا”. وهذا ما قاله الصحافي الشهيد جبران تويني: “اذا كنت تخاف على حياتك ولا تجرؤ على قول الحقيقة كما هي فلا أنصحك بأن تكمل في طريق الصحافة. إخترْ مهنةً أخرى، فإما أن تكون حراً حتى آخر رمق من حياتك، او أن تكون متلوّناً وفق مصلحتك، عندها لن تكون صحافياً حقيقياً“.

الصحافة هي كشف المستور وإزالة الإبهام وإيصال صوت الشعب إلى السلطات الثلاث الأولى، ودورها يكمن في مراقبة هذه السلطات، ووضع النقاط على الحروف في زمن أصبح الإعلام هو السلطة الثانية أي التنفيذية!

يقوم بعملها: من إبقاء الناس في بيوتها طوال فترة جائحة كورونا، مراقبة القانون ومحاسبة الفاسدين على عينك يا تاجر والحكومة، فايق يا هوا…

الصحافي ليس رئيس دولة، ولا يجلس على كرسي من ذهب، لكنه يستطيع أن يهزّ بكلمةٍ الأرضَ تحت زعيم أو رئيس، وبكلمةٍ قد يكشف فساداً مرعباً.

لذلك اعتاد الإعلاميون والصحافيون أن يكتبوا وصاياهم قبل نشر مقالاتهم أو بدء النشرة او البرنامج السياسي، لأننا          -وللأسف- في جمهورية، كل من أراد وضع النقاط على الحروف، توضع له آخر نقطة في حياته فيصبح مجرّدَ صورة على الحائط، لا صوت لها ولا نفس، كل هذا ونحن في بلد الديمقراطية الذي كل ما علا صوتُ الحق على الباطل، يُقتل صاحب الصوت أو يُنفى. وليس عجباً أن تقول منظمة حقوق الإنسان الدولية غير الحكومية إنَّ الصحافة هي أكسجين الديمقراطية، فعند تقييد حرية الصحفيين أنتم تخنقون ديمقراطيتكم الذين تفتخرون بها.

أعطِني الحرية كي أعرفَ وأتحدثَ وأجادلَ وفقاً لضميري، وهذه الحرية تفوقُ كل الحريات الأخرى” –مِلتون

حريةٌ؟ وعن أيِّ حريةٍ تتكلمون في بلد القمع والذل؟! بأيِّ حريةٍ تتباهون وهناك من يسفك دماؤه فداء الكلمة؟ قد يعتبر البعض أنَّ موضوع حرية الاعلام مبتذلٌ، ولكن، سيبقى هذا الموضوع صوت الضمير الذي يؤنّبكم.

أمكتوبٌ علينا أن تُصفى دماؤنا كلما سلّطنا الضوء على أخطائكم وخلافاتكم وتقسيمكم للبلد؟

أمكتوبٌ أن تنكّسَ أعلامُ حياتنا وتُرمّل ترتدي نساؤنا الأسود، ويتيتّم أطفالُنا كلما صدرت من أفواهنا كلماتُ الحقّ؟

عندما تتكلم إحدى الإعلاميات عن حزب معين، تنهال عليها الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمسُّها بالشرف والأخلاق، فاي ثقافة تتباهون بها، يا عديمي الثقافة؟

اعتدنا ان نكتب بدمائنا حتى أصبح حبرَ قلمنا دمُنا، لأن كل مقال او مقدمة نشرة تصب في طرف دون سواه، إما يعلّق نشر المقال أو تنتفضُ أمةٌ تحت الإذاعة، هذا ان لم يهدد رئيس التحرير او الصحافي بالقتل…

ماذا عن نسيب المتني وكامل مروة وفؤاد حداد (أبو الحن) وسليم اللوزي ورياض طه، وشهيدَي ثورة الأرز جبران تويني وسمير قصير، ومن فترة لقمان سليم… وجميعهم استهدفوا بالاغتيال، عقاباً على تشبثهم بحرية التعبير.

ولا ننسى من نالوا من يد الغدر نفسها أمثال الوزير السابق الصحافي مروان حمادة والإعلامية الدكتورة مي شدياق، التي لم تزل نصبَ أعينهم، يخافونها لكنهم لا يعترفون.

حرية الصحافة، تبدأ عندما نعرف من قتل حلم لبنان بشبابه وبناته، ولكن، أتعرفون، من قتلَهم هو الذي مات قهراً ولكنَّ شهداءَنا الأبطال، كالألف منتصبون فوق رؤوس قتلتهم، وكالياء ممدودون في حنايا الوطن، هم الذين سقَوا ارزنا بدمائهم.

عسى أن تُحفظ حرية الإعلام ويعطى كلَُ صحافي حقه، احتراماً لعلمه وتعبه وسهره.

كلمةٌ أخيرة، ليست سلطتنا هي من تسكت، صوتنا من صوت الشعب، وصوت الشعب هو صوت ضمير لكل من لا ضميرَ له، لذلك، ستبقى أصواتنا ترنُّ، وستبقى أصواتُكم نحاساً يطنُّ وصنجاً يرنُّ. بئس الزمن الذي أصبح فيه القاتل مسؤولاً كبيراً مقيّداً من الخارج ميتاً لا حياة فيه، والحرّ المثقف تحت التراب حياً بروحه وكلماته ونضالاته يخيف الأحياء بالجسد.

خاص موقع “ML”

اترك تعليقًا