الخبر بالصوت

 

وفقًا لتوقعات مصرف لبنان، كان من المفترض أن تهدأ عاصفة الطلب على الدولار من خلال منصّة صيرفة بحلول منتصف شهر شباط، بعد شهر كامل من بدء تدخّله في سوق القطع، وبيعه الدولارات لمن يشاء بسعر المنصّة من خلال الفروع المصرفيّة، ومن دون سقف محدد. فحسب الخطّة الأساسيّة، توقّع حاكم مصرف لبنان أن يشتد الطلب على الدولارات عبر المنصّة في أولى مراحل هذا التدخّل، لإشباع حاجة السوق وخفض سعر صرف السوق الموازية، على أن يتم لاحقًا خفض حجم الدولارات التي يجري ضخّها عبر المنصّة، ليتقصر تدخّل المصرف المركزي على الحفاظ على توازن سوق القطع عند سعر صرف معيّن.

لكن يبدو أن رياح سوق القطع لم تجرِ بعد كما تشتهي سفن سلامة. إذ تظهر أرقام الأسبوع الماضي أن ضغط الطلب على دولارات المنصّة لم يتراجع بعد، ما يعني أن مصرف لبنان مستمر بضخ الدولارات بالوتيرة نفسها حتّى إشعارٍ آخر. مع الإشارة إلى أن أرقام التداول على المنصّة، وإن شملت بعض العمليّات المحدودة التي لا تحتاج إلى ضخ الدولار من قبل مصرف لبنان، مازالت تعبّر عن حجم استنزاف دولارات المصرف المركزي. فارتفاع أرقام التداول عبر المنصّة في مطلع العام الحالي، لم يتم إلّا بالتوازي مع بدء مصرف لبنان ببيع الدولار بسعر المنصّة من دون قيود، ما يعني أن هذا الارتفاع يرتبط تحديدًا بتدخّل مصرف لبنان الأخير.

 

45.25 مليون دولار كمعدّل يومي

قراءة سريعة في حصيلة عمل منصّة مصرف لبنان خلال الأسبوع الماضي، تظهر أن إجمالي عمليّات بيع الدولار عبر المنصّة بلغ حدود 181 مليون دولار، ما يعني بلوغه نحو 45.25 مليون دولار كمعدّل يومي (مع الأخذ بالاعتبار أن الأسبوع الماضي اقتصر على أربعة أيّام عمل فقط). وتجدر الإشارة هنا إلى أن معدّل عمليّات المنصّة اليومي لم يتجاوز حدود 4.5 مليون دولار فقط خلال شهر تشرين الثاني الماضي، قبل أن يصدر مصرف لبنان التعميم 161، الذي نص على تحويل المبالغ المسحوبة نقدًا من المصارف إلى الدولار الأميركي بسعر المنصّة في منتصف شهر كانون الأوّل، وقبل أن يصدر الحاكم قرار بيع الدولار من دون قيود بسعر المنصّة في منتصف شهر كانون الثاني.

بمعنى آخر، ارتفع متوسّط العمليّات اليوميّة لمنصّة مصرف لبنان بنحو 40.75 مليون دولار بفعل تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع. وهي قيمة تعكس حجم استنزاف دولارات المصرف المركزي اليومي نتيجة هذا التدخّل. وعلى أي حال، وبمراجعة ميزانيّات مصرف لبنان، يتبيّن أنّ ما يقارب نصف مليار دولار من هذه السيولة قد تم تأمينها خلال الشهر الماضي، من خلال السحب من احتياطات العملات الأجنبيّة المتوفّرة لدى المصرف، فيما تم تأمين القيمة المتبقية من هذه السيولة من مصادر أخرى، كالدولارات التي يشتريها مصرف لبنان من عملاء شركات تحويل الأموال.

 

انخفاضات 100 ليرة اليوميّة
خلال الأسبوع الماضي، قرر مصرف لبنان الانتفال إلى سياسات الانخفاضات اليوميّة المحدودة في سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانيّة، بعد أن شهد سعر صرف المنصّة انخفاضات سريعة ومتواصلة خلال المرحلة الأولى من تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع. فبين يوم الإثنين 7 شباط ويوم الجمعة 11 شباط استمر سعر صرف الدولار مقابل الليرة بالانخفاض بنحو 100 ليرة يوميًّا، ليتراجع من 20,900 ليرة مقابل الدولار قبل افتتاح سوق القطع يوم الإثنين، إلى 20,500 ليرة مقابل الدولار عند نهاية الأسبوع. وبهذه الوتيرة، من المحتمل أن ينخفض سعر صرف الدولار إلى ما دون 20 ألف ليرة في نهاية الأسبوع، إذا قرر مصرف لبنان مواصلة خفض سعر الصرف بهذه الوتيرة اليوميّة.

الإشكاليّة الأساسيّة بالنسبة إلى سلامة ستكمن في محدوديّة الاحتياطات التي يمكن استخدامها في إطار هذه العمليّات، خصوصًا أن ميزانيّات المصرف المركزي تظهر أن حجم الاحتياطات لامس الخطوط الحمر، فيما بات الحاكم بحاجة إلى غطاء تشريعي أو سياسي قبل الاستمرار بالإنفاق من الاحتياطات الإلزاميّة. أمّا الدولارات التي ينجح مصرف لبنان بامتصاصها يوميًّا من خلال شركات تحويل الأموال، وخصوصًا “أو. أم. تي”، فلا تتيح وحدها –بالنظر إلى حجمها المتواضع- الاستمرار بهذا التدخّل الواسع في سوق القطع على المدى القصير. ولهذا السبب تحديدًا، قد يحتاج مصرف لبنان قريبًا إلى تحجيم نطاق تدخّله في سوق القطع، إلا إذا تم اتخاذ قرار سياسي يفتح باب المس بالاحتياطات الإلزاميّة.

في كل الحالات، أخطر ما في الموضوع حتّى اللحظة، هو أن وزير الماليّة لم يبادر حتّى الآن إلى إيضاح علاقة هذه العمليّات بمسألة أموال حقوق السحب الخاصّة التي منحها صندوق النقد إلى لبنان، والتي يفترض أن تكون في الوقت الراهن بإمرة الحكومة اللبنانيّة لا مصرف لبنان. مع العلم أن مصرف لبنان ضم في ميزانيّته هذه الأموال إلى احتياطات العملات الأجنبيّة التي يملكها، ما يمنع تقفّي أثر هذه الأموال ومعرفة مصيرها، أو حتّى تمييزها عن الاحتياطات الإلزاميّة التي أودعتها المصارف لدى مصرف لبنان.

اترك تعليقًا