الخبر بالصوت

 اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون خصص كلمته الغاضبة المفاجئة الى اللبنانيين مساء امس بملف التدقيق الجنائي دون سواه ظاهرياً، فإن الخلفية المتصلة بتطورات الملف الحكومي وسط تصاعد الضغط الفرنسي – المصري المنسق الى ذروته على الفريق المعطل لتأليف الحكومة الجديدة، بدا ماثلاً بقوة وراء توقيت الكلمة وتلميحها الى الغطاء السياسي لمن اتهمهم عون بتعطيل التدقيق الجنائي. بذلك حوّل عون مسألة التدقيق الجنائي شرطاً أساسياً من شروط إقلاع المبادرة الفرنسية وتأليف الحكومة وتدفق المساعدات الدولية، متجاهلاً العلة الأساسية التي باتت الدول تحمّله إياها مع فريقه السياسي، أي تعطيل تاليف الحكومة الى حدود كاد معها الفرنسيون يسمون الفريق المعطل فيما هم يلوحون باقتراب بدء فرض الإجراءات المتعلقة بعقوبات محتملة على المعطلين. ولكن توقيت كلمة عون بدا لافتاً لجهة ربطه ضمنا بالزيارة المثيرة للجدل التي قام بها امس وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت والتي شكلت ظاهرة دبيبلوماسية لافتة لجهة استثنائه من برنامج لقاءاته رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل و”حزب الله” في رسالة تعد الأكثر وضوحاً لجهة كشف المعطلين لتأليف الحكومة في مقابل دعم الرئيس المكلف سعد الحريري في مهمته. كما ان الجولة جاءت غداة فشل المحاولة التي أجريت لعقد لقاءات في باريس، اذ بدا ثابتاً ان السيناريو الذي جرى تداوله في هذا السياق قد طوي تماما. وعاد الملف الحكومي الى دائرة الشكوك بقوة في ظل الاتجاهات التي بدأت تكشفها الضغوط الفرنسية حول احتمال اضاءة الأضواء الخضراء امام عقوبات يتردد ان أوانها قد حان. 

جولة شكري واتصالاته التي شملت الرؤساء عون ونبيه بري وسعد الحريري الى بكركي ورؤساء أحزاب الاشتراكي والكتائب والقوات اللبنانية والمردة اتخذت دلالات قوية للغاية لجهة الرسالة المصرية المنسقة مع فرنسا في تصعيد الضغوط المشتركة للدولتين الأكثر اضطلاعا بدور حيوي حيال الازمة اللبنانية منذ انفجار مرفأ بيروت قبل ثمانية اشهر. وبرزت معالم تصاعد الضغط المنسق والمشترك بوضوح، اذ انه فيما كان شكري يكمل جولته في بيروت، صدر موقف متشدد جديد لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان امام مجلس الشيوخ الفرنسي امس معلنا فيه “أن بلاده ستتخذ إجراءات بحق من عرقلوا حل الأزمة في لبنان والأيام المقبلة ستكون مصيرية”. وشدد لودريان على “أن الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية بل عن مسؤولين سياسيين معروفين”. وتابع قائلاً: “القوى السياسية اللبنانية عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد على الرغم من تعهداتها، وهي تتعنت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة” . 

رسائل شكري
في المقابل كان شكري يشدد امام المسؤولين والزعماء الذين التقاهم على ضرورة قيام حكومة اختصاصيين ليصل الدعم الدولي الى لبنان. وفيما وصف لقاؤه برئيس الجمهورية بانه كان بروتوكوليا وباردا اعرب عون في المعلومات الرسمية التي وزعت عن اللقاء عن “شكره للدور الذي تقوم به جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمساعدة لبنان في مواجهة الازمات المختلفة التي يعاني منها، ولاسيما منها الازمة الحكومية”، متمنيا ان “تثمر هذه الجهود عن نتائج إيجابية لاسيما اذا ما توافرت إرادة حقيقية للخروج من هذه الازمة من خلال اعتماد القواعد الدستورية والميثاقية التي يقوم عليها النظام اللبناني وبالتعاون مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون اقصاء او تمييز”. 

اما شكري فقال”للأسف بعد ثمانية اشهر، لا يزال هناك انسداد سياسي ولا تزال الجهود تبذل لتشكيل حكومة من الاختصاصيين القادرين على الوفاء بحاجات الشعب اللبناني الشقيق وتحقيق الاستقرار المهم ليس فقط للبنان بل للمنطقة ومصر للارتباط الوثيق القائم على المستوى السياسي والشعبي بين لبنان ومصر”. وأوضح ان الرسالة التي ينقلها تتعلق “بتضامن مصر وتوفيرها كل الدعم للخروج من هذه الازمة لتشكيل الحكومة بما يفتح الباب للدعم الإقليمي والدولي ويؤدي الى تحقيق المصلحة المشتركة لدول المنطقة ولكن في المقام الأول للشعب اللبناني الشقيق. وبالتأكيد، فان الاطار السياسي يحكمه الدستور واتفاق الطائف واهمية الالتزام الكامل بهذه الدعائم الرئيسية للاستقرار، ومصر لن تدخر جهدا في مواصلة دعمها للبنان خلال هذه المرحلة الدقيقة”.
وكان اللقاء الأبرز لشكري مع الرئيس المكلف سعد الحريري في”بيت الوسط”، اذ اعلن بعد اللقاء أنه أكّد للحريري “دعم مصر تشكيل حكومة مهمّة بعيدة عن التجاذبات السياسية، لاستعادة لبنان موقعه الطبيعي كمنارة في المنطقة”. وأضاف ان “مصر حريصة على أمن واستقرار لبنان، وذلك يقتضي إنهاء حالة الجمود الراهنة”، مشيراً إلى أنه “يتطلّع لاستمرار الحوار الوثيق مع الحريري والأطراف كافة من أجل الخروج من الأزمة وستبقى مصر داعمة للبنان” . 

وقبيل إلقاء عون كلمته مساء كتب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عبر صفحته على تويتر: “أبديت وما زلتُ أبدي كل التجاوب مع أي رغبة فرنسية بزيارة باريس، او بلقاء في اي مكان ومع ايٍّ كان، بلا عِقد أو حجج، ومن دون المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية أو التعرّض لدوره شكلاً ومضموناً. فالهم واحد أوحد هو تنفيذ الاصلاحات بدءاً بتأليف الحكومة. لكن رغم كل ذلك، ورغم قرار التيّار عدم المشاركة في الحكومة مع تقديم كل تسهيل لتشكيلها وازالة كل العقبات امامها، ورغم تحديد أكثر من موعد وفرصة، جاء من يعطّل كل محاولة فيها أمل . سنبقى نتجاوب، ضمن الأصول، مع كلِّ مسعى خارجي أو داخلي، ولن نيأس إلى ان يبصر الحل النور”. 

عون والمعركة !
اما كلمة الرئيس عون الى اللبنانيين عن التدقيق الجنائي فحمل فيها بعنف بالغ على ممثلي وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان في ما وصفه بالمماطلة المؤكدة في المفاوضات مع شركة “الفاريز ومارسال” ما يدل على عدم وجود إرادة بإجراء التدقيق الجنائي، وقدم عرضا مسهبا للوقائع السابقة المتصلة بهذا الملف معتبرا ان “الشكوك كانت تتأكد يوماً بعد يوم بان حسابات المصرف المركزي غير شفافة ولم يكن يعرف حجم النقص في الاحتياط بالعملات الأجنبية وهو نقص كانت تتم تغطيته من أموال المودعين خلافا للقانون”. ورأى “ان هدف المماطلة هو دفع الشركة الى اليأس لتغادر لبنان وتوقف بالتالي التدقيق الجنائي ويفلت المجرمون من العقاب”. 

وقال “ان سقوط التدقيق الجنائي يعني ضرب المبادرة الفرنسية لأن من دونه لا مساعدات دولية ولا مؤتمر سيدر ولا دعم عربي وخليجي ولا صندوق دولي. 

ان التدقيق الجنائي هو المدخل لمعرفة من تسبب بوقوع جريمة الانهيار المالي”. واضاف “أيها اللبنانيون أقول لكم بإمكانكم ان تختلفوا معي سياسيا لكنكم تجدونني دائما الى جانبكم بالحق. اتقدمكم في معركة كشف اكبر عملية نهب بتاريخ لبنان فكونوا معي. ضعوا خلافاتكم السياسية جانبا وثقوا باننا لن ندعهم يسرقون الشعب ويقهرون أمّاً ويذلّون أباً ويهينون مريضاً. لن ندعهم يسقطون التدقيق الجنائي او يقضون على الدولة والشعب والتاريخ والمستقبل. وللقيادات السياسية وغير السياسية أقول: مسؤوليتكم كبيرة امام الله والشعب والقانون، وما كان ليحصل ما حصل لو لم توفّروا انتم بالحد الأدنى الغطاء للمصرف المركزي والمصارف الخاصة ووزارة المال. 

للمصرف المركزي أقول: إنك تتحمل المسؤولية الأساسية لأنك خالفت قانون النقد والتسليف، وكان لزاما عليك ان تنظم العمل المصرفي وتأخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف وتفرض معايير الملاءة والسيولة. 

للمصارف أقول: مسؤوليتكم واضحة ولا يمكن لكم ان تهربوا من الحقيقة؛ فالناس اودعوكم أموالهم، وانتم تصرفتم بها بعدم مسؤولية طمعا بالربح السريع ومن دون ” توزيع مخاطر” على ما تقتضيه أصول المهنة … إن اسقاط التدقيق الجنائي هو ضرب لقرار الحكومة التي أدعوها لعقد جلسة استثنائية لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس، وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق. 

انا ميشال عون رئيس الجمهورية والجنرال الذي تعرفونه، اناديكم، لا لتكونوا معي، بل لتكونوا مع أنفسكم ومع مستقبل اولادكم،’ودعونا نكشف معاً الحقائق لنسترجع الحقوق ولاحقين نختلف على السياسة ” .

“النهار”

اترك تعليقًا