الخبر بالصوت

خالد أبو شقرا

تبلغ كلفة إنتاج كل كيلواط ساعة من وحدات الطاقة الشمسية الفردية حوالى 8.5 سنتات
سيوضع اللبنانيون في القريب العاجل أمام خيارين أحلاهما مرّ: العتمة، مع ما يرافقها من تعطيل كل أشكال الحياة المدنية، أو تأمين الكهرباء بالحد الأدنى، بكلفة خيالية. فالأمل بإصلاح الكهرباء كـ”أمل ابليس بالجنة”، فيما انهيار سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أسعارها محلياً وعالمياً، ستجعل من المولدات، إن تم تشغيلها، ترفاً، لا قدرة لثلثي الشعب اللبناني على تحمله.

طوال السنوات العشر الأخيرة أُهمل عمداً الخيار الثالث المتمثل بالطاقة البديلة. فخطط وزارة الطاقة المتدرجة من العام 2010 أيام الوزير جبران باسيل، مروراً بخطة 2017 للوزير سيزار أبي خليل، ووصولاً إلى خطة الوزيرة ندى البستاني لم تولِ مشاريع الطاقة الشمسية والهوائية أي اهتمام يذكر. فبقيت الطاقة المنتجة من الشمس بحدود 56 ميغاواط فقط، ولم يتم إنجاز مشاريع طواحين عكار الثلاث على الهواء، وذلك على الرغم من تلزيمها كما يرغبون وبأسعار باهظة. وعليه لم تتجاوز مجمل الكمية المنتجة من الطاقة البديلة 2 في المئة من أصل 12 في المئة، كانت الوزارة قد وعدت بها قبل نهاية العام 2020.

لا مفر من الطاقة البديلة

الفشل على الصعيد العام بانتاج الطاقة من المصادر النظيفة، والحاجة الماسة إلى بديل سريع يؤمن الكهرباء بكلفة مقبولة، دفعا الخبراء إلى تشجيع المواطنين على إنتاج حاجتهم من الكهرباء بأنفسهم. فـ”لا مفر من الإنتقال إلى الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في ظل كل التوقعات التي تشير إلى حتمية ارتفاع سعر الكيلواط ساعة المنتجة من كهرباء لبنان والمولدات على حد سواء”، يقول رجل الأعمال مارون شراباتي. “فلبنان قد يكون من أكثر الدول التي تتمتع بامكانيات هائلة وغير محدودة لإنتاج الكهرباء. فعدد الأيام المشمسة، ونسبة الإشعاع المرتفعة، ونظافة الجو من الغبار، والمناخ المعتدل… ترفع كفاءة الألواح الشمسية”. هذا بالاضافة إلى عنصر بالغ الأهمية يتمثل في تكوّن معظم المنازل ابتداءً من ارتفاع 300 متر وما فوق من طابقين أو ثلاثة. الأمر الذي يسمح بنشر الألواح الشمسية على أوسع نطاق.

“المشكلة الوحيدة التي سنواجهها تبقى بكلفة التجهيزات المرتفعة على الصعيد الفردي”، يقول شراباتي. “وهي تشكل عائقاً أمام أكثرية محدودي الدخل من الاستثمار بها”. إلا ان تذليل هذه العقبة برأيه ليس أمراً مستحيلاً، فـ”بالإمكان تأمين التمويل من خلال إعادة تفعيل القروض والتسهيلات وتأمين المنح الدولية والمساعدات الخارجية لتحفيز استعمالها على نطاق واسع”.

كلفة وحدة الطاقة الشمسية

تبدأ كلفة تركيب وحدة طاقة شمسية بقوة 5 أمبير بـ 2500 دولار، وهي تتطلب، بحسب ماريا برو من شركة “Dawtec “4، مرايا وبطاريتين وعاكساً inverter بقوة 3 كيلواط. ويبلغ متوسط العمر الإفتراضي للمرايا 25 سنة، و5 سنوات للبطاريات. وهي تتأثر بشكل كبير بنسبة استهلاكها، ومدى استعمالها والطاقة التحميلية. وبحسب برو “إذا أخذنا بعين الإعتبار كلفة الإستثمار لشراء هذا النظام، مع ما يرافقه من أعمال صيانة وتبديل للبطاريات، تصبح كلفة إنتاج كل كيلواط/ ساعة بشكل فردي بحدود 8.5 سنتات فقط”. ومن الممكن تركيب هذه الوحدات الخاصة في ظرف يوم واحد في كل المناطق، وعلى مختلف أشكال العمارة سواء كانت منازل جبلية أو بنايات ساحلية او “فلل”… أو خلافه. وبرأيها فان “الطلب على هذه الوحدات قد ارتفع بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة نتيجة تخوف المواطنين من انقطاع الكهرباء وتوقف المولدات. كما يلاحظ طلب المشاريع الجديدة لأنظمة الطاقة الشمسية بشكل متزايد”.

بدوره يعتبر المهندس زياد ضو من شركة “Sun Island” إن كلفة وحدة الطاقة الشمسية تختلف باختلاف حجمها وساعات التغذية المطلوب منها تأمينها. وقد يصل سعرها إلى 5 آلاف دولار في حال كان الهدف الحصول على 10 ساعات تغذية متواصلة في اليوم الواحد. كما انها لا تشكل بديلاً كلياً عن الكهرباء، خصوصاً في أيام الشتاء غير المشمسة. إلا انها تبقى على الأكيد برأيه “بديلاً جدياً يؤمن نصف الحاجة على الأقل بكلفة مقبولة”.

إنخفاض الكلفة مع زيادة الإنتاج

بالإضافة إلى أكلاف الإستثمار فان كلفة انتاج الكهرباء من الوحدات الفردية تبقى مرتفعة نسبياً في البداية، إذا ما قورنت مع كلفة الإنتاج من المزارع الكبيرة التي لا تتجاوز 2.5 سنت لكل كيلواط. وكما هو معروف من تجارب الدول، فان ازدياد الإعتماد على الطاقة المتجددة يخفض الكلفة بظرف سنوات قليلة. ففي الأردن على سبيل المثال انخفض سعر الكيلواط/ ساعة المنتج من الطاقة الشمسية من 10 سنتات في العام 2014 إلى 2.5 سنت مؤخراً، وذلك بعدما ارتفعت الطاقة المنتجة من الشمس إلى 1400 ميغاواط.

زيادة الانتاج لتخفيض الكلفة يتطلب، بحسب الخبيرة في مجال الطاقة جيسكا عبيد، “تعديل القوانين وإتاحة الفرصة أمام المنتجين إعادة وضع الطاقة الفائضة عن الحاجة على الشبكة، حيث يصبح بامكان المواطنين بيع وشراء الكهرباء في ما بينهم”. وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال تعديل القانون 465/2002 المتعلّق بانشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ووضعه حيز التنفيذ في القريب العاجل.

الدعم الدولي

مسيرة دعم المشاريع الطاقوية البيئية التي بدأت مع إصدار مصرف لبنان في العام 2011 تعاميم تشجع البنوك على الإقراض بفائدة صفر في المئة، لم تعد ممكنة. إلا ان هذا لا يعني بحسب الخبراء استحالة الإنتقال إلى الطاقة البديلة، فهناك عدة حلول منطقية وعلمية ومنها: التمويل الفردي، فهناك الكثير من شركات الطاقة الشمسية تقبل بتسديد جزء من المبلغ عبر الشيكات المصرفية. إنشاء المزارع الصغيرة في القرى والأحياء ودمجها مع المولدات الخاصة. ما يمكّن المستثمرين من استعمال شبكة المولدات. تأمين التمويل والدعم الدوليين لمشاريع الطاقة النظيفة عبر مؤسسات مثل المشروع الأخضر أو كفالات أو مؤسسة تشجيع الاستثمار وغيرها من المؤسسات الموثوقة.

إذا كان “وراء كل مشكلة فرصة للنجاح”، فان أزمة الكهرباء المتوالدة فصولاً قد تكون المسبب الرئيسي للإنتقال التدريجي نحو الطاقة المتجددة. الأمر الذي يوفر على الموازنة العامة عجزاً سنوياً يفوق 2.5 مليار دولار، ويؤمن للمواطنين طاقة نظيفة مستدامة لمرة واحدة ونهائية 24 على 24.

“نداء الوطن”

اترك تعليقًا