الخبر بالصوت

الحكومة مكانك راوح. لا شيء يمكن أن يفرج عنها حالياً. الأهم بالنسبة إلى ‏المعنيين هو تسجيل النقاط. معركة إعلامية تُخاض لتحميل الآخر مسؤولية ‏التعطيل. بعد سعد الحريري حان وقت جبران باسيل. أمس حمّله مسؤولية ‏الاعتداء على حقوق المسيحيين، وأنكر أن يكون قد طالب بالثلث المعطل. ‏كذلك طرح “مبادرة” من شقين لحل الأزمة الحكومية. لكنّ ردّ “تيار ‏المستقبل” لم يتأخر، وفيه تأكيد أن الأزمة لا تزال مستعصية 

العقد الحكومية لم تفك ولن تُفك قريباً. في الأساس لا يبدو أن تشكيلها يشكل هاجساً لأحد. أما الإنقاذ، إن كان لا يزال ‏ممكناً، فليس على أجندة أحد. ببساطة، لأنه لا أحد يملك تصوراً واضحاً للوسيلة. حتى الدعم الدولي المرتجى لم يعد ‏يُتوقع أن ينتشل البلد من القاع. ومع ذلك، كل من يُسأل من السياسيين عن الإصلاح، يجيب: لا خيار أمامنا سوى ‏تشكيل الحكومة ثم تنفيذ مطالب المجتمع الدولي. إلى ذلك الحين، لا أحد مستعد للقيام بواجبه. السلطة التشريعية التي ‏يفترض أن تكون شعلة لا تهدأ في هذه الظروف، خاصة أنها الوحيدة القادرة حالياً على العمل، لا تتحرك. كل ذلك ‏يؤشر إلى أن الجميع إما طبّع مع الوضع الراهن أو يستفيد منه. لكن اليوم ليس كالغد ولا كالأمس. كل يوم يمر هو ‏بمثابة خطوة إضافية نحو الانهيار الشامل، إن كان على صعيد سعر الدولار أو على صعيد قيمة الاحتياطي من ‏العملات الأجنبية أو على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. عندما تداعت حكومة حساب دياب إلى الاستنفار وإعداد ‏خطة التعافي، كانت الدنيا بألف خير بالمقارنة مع اليوم. كانت الخطط متفائلة وكان الدولار يفترض أن يحرر باتجاه ‏سعر أكثر واقعية، حينها، يراوح بين 3500 ليرة و4297 خلال السنوات الأربع المقبلة. حتى الرقم الأعلى يبدو حلماً ‏اليوم، مع وصول سعر الدولار إلى ما يقارب عشرة آلاف ليرة‎. 

كل ما تضمنته خطة التعافي الاقتصادي التي قضت عليها المصارف بالتعاون مع زعماء الطوائف صار لم يعد ‏صالحاً اليوم، لكن لا خطط بديلة واضحة. الرئيس المكلّف لا يزال يصرّ على أنه يملك العصا السحرية. أعطوني ‏ستة أشهر، وإذا فشلت حاسبوني. قالها سعد الحريري يوماً ثم انكفأ. لا شيء يوحي بأنه مستعجل التشكيل. إن كان ‏في بيروت فهو لا يغادر بيته ولا يتواصل مع الأفرقاء السياسيين. لكن مع ذلك يطيب لنوابه أو المحسوبين عليه أن ‏يكبّروا حجر سفراته. يقولون إنه يستثمر علاقاته الخارجية لطلب مساعدة لبنان. إن صح ذلك، فإن الخطوة الأولى ‏لا تبدأ إلا بتشكيل الحكومة، لكنه لا يحمل معه أي رؤية لحل الأزمة الحكومية المستعصية. لو كان يريد تشكيل ‏الحكومة فعلاً لكان داوم في بعبدا إلى حين الاتفاق‎. 

رئيس الجمهورية في المقابل ينتظر. يرفض التراجع عن لاءاته. ولذلك تحوّل اللقاء بينهما إلى حدث عابر، أو ‏هدنة. لكن ما ان يخرج الحريري من بعبدا حتى يُستأنف التراشق الإعلامي، ورمي المسؤوليات. بدا لافتاً في اللقاء ‏الأخير أن البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية حرص على التأكيد أن اللقاء حصل بناءً على طلب من الحريري، ‏وعلى التأكيد أنه لم يحمل معه شيئاً جديداً. ببساطة ولّى زمن البروتوكول. حتى الإشارة إلى “استمرار التواصل” ‏لبث الأمل، كما كان يحصل دائماً، لم يعد مهماً‎. 

النائب جبران باسيل خرج في مؤتمره المتلفز أمس ليؤكد كل ما سبق. لا جديد يحمله، ولذلك لا يمكن تصنيف ‏المؤتمر إلا في إطار معركة الرأي العام. بعد أن أسهب الحريري في تحميل مسؤولية التعطيل لرئاسة الجمهورية ‏ومن خلفها رئاسة التيار الوطني الحر، كان لا بد من “التوازن الإعلامي”. ولذلك، ردّ باسيل على الحريري في ‏كل النقاط التي تحدّث فيها، ولا سيما مسألة العدّ والمناصفة وخلاف الحقائب والثلث المعطل. وأعاد تأكيد موقفه ‏وموقف تياره وموقف رئيس الجمهورية. لكن الخلاصة أن الأزمة الحكومية طويلة‎. 
قال باسيل: نحن متعاونون إلى أقصى درجة، على قاعدة الحفاظ على الدستور والميثاق، وعلى شرط احترام ‏المعايير الموحدة. واتهم الحريري بإعادة البلد إلى زمن الوصاية وممارسة الفوقية والمس بحقوق الآخرين ‏وكرامتهم‎. 
وأكد باسيل التالي: أولاً، إننا نريد حكومة، إذ من غير المعقول أن يريد العهد ترك نفسه من دون حكومة. ثانياً، ‏نريد حكومة بسرعة، إذ من غير المعقول أن يريد العهد خسارة الوقت المتبقي له. ثالثاً، صرنا نريد حكومة برئاسة ‏الحريري، على الرغم من اقتناعنا بأنه لا يقدر أن يكون عنواناً للإصلاح، ولذلك لم نسمّه. أضاف: فليتفضّل ‏ويتحمّل مسؤولية. هو المكلّف لا نحن، وليشكّل حكومة من دوننا، وليتوقف عن تضييع الوقت ويرمي الحجج على ‏الغير. وبعدما سبق أن أعلن سابقاً أن الحريري سياسي ولا ينطبق عليه شرط الاختصاص، ولذلك لا بد من تشكيل ‏حكومة سياسيين. قال أمس: ليشكّلها من اختصاصيين أصحاب قدرة، وعلى أسس العدالة والدستور، لا على هوى ‏البعض‎.‎
‎ 
وفي ما يتعلق بالثلث المعطل، بالرغم من إشارته إلى أن هذا الثلث هو حق من حقوق رئيس الجمهورية بحسب ‏محادثات الطائف، وبالرغم من سؤاله عن سبب منع المسيحيين من الحصول على الثلث الضامن، فيما كل ‏الطوائف الأخرى تملك بشكل أو بآخر إمكانية إسقاط الحكومة، قال: نحن في هذه الحكومة بالذات لا نحتاج إلى ‏الثلث. من جهة، هذه آخر حكومة في العهد، وأكيد لا نريدها أن تستقيل. ومن جهة ثانية، لأن الرئيس القوي عندما ‏يريد أن يمارس دوره عن حق في جلسات مجلس الوزراء، لا يحتاج إلى الثلث في عدد من الأمور. ومن جهة ‏ثالثة، لأن في بعض الأمور الأخرى، نعرف أننا وحزب الله لدينا الثلث نظرياً، أضاف: رابعاً والأهم، لا الرئيس ‏ولا نحن طالبنا بالثلث زائداً واحداً، ونحن لا نكذب ولا نخبّئ، ولو أردنا نقولها على رأس السطح ونعمل معركة ‏عليها تشرفنا لأنها حقنا. واعتبر أن “قصة الثلث زائداً واحداً هي قصة نظرية ومختلقة لتسمية وزراء مسيحيين ‏إضافيين، وهنا بيت القصيد والمشكلة الحقيقية‎”. 
وأعلن باسيل عن مبادرة “لا دخل للرئيس بها” يمكن للتيار الوطني الحر أن يعطي الثقة على أساسها‎: 

أولاً، رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20، ليس لنأخذ وزيراً مسيحياً إضافياً للرئيس، نحن نقبل بأن يأخذ المردة ‏الإضافي، ولكن ليس رئيس الحكومة‎. 

ثانياً، بالنسبة إلى الحقائب، نحن في التيار إصرارنا فقط على العدالة والتوازن في توزيع الحقائب بكل فئاتها‎. 

ثالثاً، بالنسبة إلى التسمية، نريد مبدأً واحداً يطبّق على الكل. اعتمدوا المبدأ الذي تريدونه. نحن نقبل بما يقبل حزب ‏الله بأن يطبَّق عليه. عندما يقول الرئيس المكلف إن تسمية الوزراء السنّة من حقه حصراً، ويأخذ من الاشتراكي ‏اسم وزيره، وينتظر من الثنائي الشيعي أن يعطيه وزراءه، فيجب أن ينطبق على المسيحيين، من رئيس ‏الجمهورية لكل كتلة ترغب في أن تشارك. واذا كان يطرح رئيس الحكومة أن يصير اتفاق على أسماء وزراء ‏مسيحيين على قاعدة وزير ملك، فلا مانع، ولكن هذا الأمر يطبق كذلك على وزراء مسلمين‎.‎

وقال “إذا لم توافقوا أيضاً على هذا الطرح، لدينا طرح ثان أسهل وأفعل. أبعدونا عن كل شيء له علاقة بتشكيل ‏الحكومة، وخذوا الثقة منا في المجلس النيابي، مقابل شروطنا بالإصلاح. أمّنوا لنا الإصلاحات ونقبل، ولكن لا ‏نريد وعوداً وضمانات، نريد الدفع سلفاً. شروطنا سهلة وتتحقق بأسبوع واحد قبل تأليف الحكومة، إذا وجدت ‏إرادة سياسية: أولاً إقرار قانون الكابيتول كونترول وضبط التحويلات إلى الخارج، ثانياً إقرار قانون استعادة ‏الأموال المنهوبة والمحولة، ثالثاً إقرار قانون كشف حسابات وأملاك القائمين بخدمة عامة. وهذه كلها موجودة في ‏مجلس النواب ومدروسة، وإذا كان هناك قرار سياسي، في جلسة واحدة تقرّ كلها. نريد خلال الأسبوع عينه، أن ‏يعطى أمر المباشرة لشركة‎ Alvarez ‎لتبدأ بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان من دون أي توقف أو عودة إلى ‏الوراء، وهكذا مع تشكيل الحكومة، تنطلق بالتوازي عملية التدقيق في كل الوزارات والإدارات والمجالس‎”.

‎”‎المستقبل”: فالج لا تعالج‎
الردود على باسيل لم تتأخر، لكن أبرزها أتى من صاحب العلاقة، الذي كان طلب منه الإجابة على مبادرته. ‏فاعتبر “تيار المستقبل”، في بيان، أن “مطالعة الوزير السابق جبران باسيل تضمنت كل ما ينطبق عليه جملة ‏وتفصيلاً، فرمى ما عنده وفيه من أسباب الفشل والعرقلة وتعليق العمل بالدستور والكلام عن الغدر والطعن بالظهر ‏وقلة الوفاء على الرئيس سعد الحريري، لتحميله مسؤولية الخلل الذي يعانيه العهد وفريقه السياسي”. وجاء في ‏البيان: “الشخص ما زال يقيم في لالا لاند، ويفرض على رئاسة الجمهورية الإقامة الجبرية في الإنكار للمتغيرات ‏التي نشأت بعد 17 تشرين، ويعتبر استقالة الرئيس سعد الحريري وتجاوبه مع الحراك الشعبي ضرباً من ضروب ‏الغدر السياسي‎”.
أضاف: “من المؤسف أن يشهد اللبنانيون من خلال الطحن الكلامي لباسيل، انتقال قرار رئاسة الجمهورية من ‏قصر بعبدا الى سنتر ميرنا الشالوحي، وأن يستمعوا لرئيس الحزب الحاكم كما لو كان الناطق الحصري باسم ‏العهد القوي. لكن المختصر المفيد لكل ما قيل من عجن: مع جبران فالج لا تعالج. بكل الاحوال، ما يعني الرئيس ‏الحريري هو ما يصدر عن رئيس الجمهورية بالمباشر وليس بالواسطة، وما قيل يبقى أضغاث أحلام، مع ‏الاشارة الى أن أحداً لم يعرض على الوزير جبران باسيل الاشتراك بالحكومة، ومحاولته إيهام اللبنانيين بوجود ‏ضغوط عليه للمشاركة، مجرد رواية تثير الضحك‎”.
وختم البيان بالإشارة إلى أن “المحاولة الجارية لتأجيج العصبيات الطائفية لن تنجح يا جبران، مهما سعيت الى دق ‏الأسافين بين المسلمين والمسيحيين‎”.‎

“الأخبار”

اترك تعليقًا