الخبر بالصوت

IMG_8956

منذ تموز الماضي ورئيس الحكومة تمام سلام يحمل بيده كرة نار النفايات ، يضعها حيناً على طاولة مجلس الوزراء فلا يجد الا قرارات متردّدة تحتاج من يحسم بشأنها، وتارة يستريح بها في لجنة وزارية تمثّلت بها كل القوى السياسية، دون ان تجتمع على غطاء واحد لتنفيذ قراراتها، وطوراً وضعها على طاولة الحوار، مستنجداً بأقطابها مساعدته في اطفائها… وفي النتيجة ، انه الدوران في الحلقة المفرغة من اي مسؤولية جماعية، والعودة دائماً الى النقطة الصفر في المعالجة، والى تراكم المزيد من النفايات والتلوٰث البيئي والاجتماعي والسياسي، في مشهد سوريالي يعكس صورة تحلٰل الدولة ، وصولاً الى آخر مؤسساتها التي تلفظ انفاسها: حكومة الوحدة الوطنية تختنق ولم تعد اي إسعافات سياسية تنفع في إعادتها الى الحياة وتحميلها عبئاً يتفوٌق يومياً على قدرتها المتهالكة.

تعب الرئيس سلام من يأسه ومن صبره النافد منذ اليوم الاول على مواجهة آفة النفايات: لم يشأ ان تكون نهاية حكومته سقوطاً امام أزمة النفايات، وبقي يتحمٰل ويعضٰ على جرحه الذي يكبر يوماً من ضربة الشارع واياماً لا بل شهوراً من ضربات السياسيين الذي يقفون وراءه كلامياً في مواجهة هذه الآفة، فيما يتنصٌلون بالجملة وبالمفرّق من تبعات أي قرار. ما فهمه منذ اليوم الأول لانفجار الازمة في وجه حكومته، يفهمه اليوم أكثر من أي يوم مضى: لا حلّ الا بالفرض وبالقوة ، وأي حلّ من هذا النوع يحتاج إجماعاً سياسياً غير مضمون، لا بل يتحوّل مستعصياً كلما اقترب موعد استحقاق الانتخابات البلدية. ومن لم يكن قادراً على فرض المطمر في الصيف الماضي كيف يمكنه فرضه مع دخوله بمعاركه الصغيرة الاستنفادية مع كل فرد وعائلة على مختار هنا او عضو بلدي هنا وهناك؟

اللجنة الوزارية المكلفة معالجة ملف النفايات عقدت اجتماعات لا تحصى ولا تعدٰ، دارت على كل الخيارات واستنفدت التنظير بكل منها، وكل العثرات التي حالت دون الوصول الى تنفيذها، والمفاجأة انها في اجتماعاتها الاخيرة عادت الى الخيار الاول ،الى المطامر التي كانت طُمرَت موقعاً وراء الآخر تحت ضغط الشارع والرفض الشعبي والأهلي. كيف يمكن لسياسي عجز في السابق عن فرض المطمر بالترغيب بحوافز حيناً وبالضغط حيناً آخر، ان يقُنِع به اليوم عشية الانتخابات البلدية التي عادةً يسترضي فيها الأهالي ويقف على خاطر الكبير والصغير منهم، ليكون شريكاً في حصد نتائج انتخاباتهم المحلية؟! وكيف يمكن للعائلات ان تتنافس وتكسب التأييد الشعبي اذا كانت الانتخابات ستأتي على صهوة مطمر وبحوافز مالية سيتم تقاسمها بين القوى السياسية العاجزة أصلاً عن تمويل معاركها الانتخابية النيابية لتخوض بأموال المطامر معاركها البلدية؟! حتى الاجتماع ما قبل الأخير للجنة، كان الضغط على الرئيس سلام من اجل ان يبادر وحكومته الى اتخاذ القرار بفرض المطامر بمؤازرة القوى الأمنية. وهو متيقٰن لخطورة الخطوة منذ اللحظة الاولى، ولذلك رفض مراراً وتكراراً اللجوء الى القوة لأن الانكفاء بالنسبة اليه يبقى اهون من إقامة المطامر على الدم. والسؤال المطروح منذ الصيف الماضي،: هل يمكن وضع مواكبة أمنية لكل شاحنة تنقل النفايات؟ وماذا لو سقطت نقطة دم واحدة؟ هل يمكن بعد ذلك ضبط الشارع؟ وكم تصمد الحكومة بعد انفلات الشارع وتدحرج كرة النار ؟ وفق المعلومات، ان الرئيس سلام وفي كل الاجتماعات كما في الاتصالات على هامش اعمال اللجنة، طالب بإجماع سياسي وبغطاء من كل القوى السياسية في كل منطقة يُرسَم فيها لإقامة مطمر، تجنٰباً للدخول في المحظور ومواجهته وحيداً. تريّث وبحذر لاسيما عندما رأى ان الرئيس نبيه بري ينأى بنفسه، وان حزب الله سلٰم لرفض النائب طلال إرسلان في إقامة مطمر في منطقة الكوستابرافا مع العلم انها امتلأت وبطريقة عشوائية بنفايات الضاحية، وان النائب وليد جنبلاط رفع يده عن اي مسؤولية في ايجاد موقع لمطمر في منطقة اقليم الخروب، وان الرئيس سعد الحريري، لم يسعٓ من جهته للمونة على مؤيّديه في قبول هذا المطمر، وان الجميع يطالبه باتخاذ قرار الحسم، وكأنه يدفع وحكومته الى الهاوية.

ما الذي تغيٰر بين الأمس واليوم كي يعود الجميع الى خيار المطامر؟ هل هم السياسيون ام القوى الأهلية والمحلية؟ ولماذا يُقبَل اليوم ما رُفض بالأمس؟ واذا اتخذ القرار اليوم، ورضيت البلديات بالحوافز المالية والمادية ، من هي الشركات التي ستنقل النفايات؟ سوكلين ام غيرها؟ وكم من الوقت تحتاج مناقصة جديدة لتلزيم شركات جديدة؟ ولماذا تصمد المناقصة الجديدة بعدما أسقطت المناقصة السابقة؟ تفاصيل وأسئلة كثيرة ما زالت مبهمة، والقرار وان اتخذ اليوم فليس معناه ان ترجمته العملية غداً او بعد غد. الأكيد ان الحكومة وقعت اسيرة قرار الحسم، فإما انها تشتري بحوافز البلديات وانتخاباتها عمراً جديداً، وإما انها تسقط بالضربة القاضية وبنيران صديقة ليقوم على أنقاضها مشروع التسوية المنتظر، بدءاً من الانتخابات الرئاسية التي يضرب لها بعض الأقطاب السياسيين موعداً في نيسان المقبل، وعسى ان تأتي هذه التسوية على البارد وليس على الساخن.

“هدى شديد” – “النهار”

اترك تعليقًا