لم يفقد رئيس الجمهورية ميشال عون الأمل في إعادة تعويم وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتأمين الاستمرارية لإرثه السياسي، وهو يستخدم حالياً ما تبقّى لديه من أوراق لتحسين شروطه في الانتخابات النيابية، وإن كان همّه الأول يكمن، كما يقول مرجع حكومي سابق لـ«الشرق الأوسط»، في رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، برغم أنه يدرك بأن رفعها دونه صعوبات، لأن القرار لا يعود إلى الإدارة الأميركية وإنما إلى وزارة الخزانة، وهذا ما يطرح سؤالاً حول الانقلاب في الموقف اللبناني حيال ترسيم الحدود البحرية جنوباً بتخلّيه عن الخط 29 الذي يشكّل الحدود البحرية للبنان وتراجعه إلى الخط 23 بذريعة افتقاده إلى الأفق القانونية والبراهين لتثبيت الحقوق اللبنانية فيه.
وأبدى المرجع الحكومي السابق، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، تخوّفه من أن يكون الهدف لتراجع لبنان عن الخط 29 الدخول في مقايضة مع واشنطن لتسهيل مهمة الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في مقابل رفع العقوبات المفروضة على باسيل، خصوصاً أن رفعها كان طُرح سابقاً بين مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل قبل أن يترك منصبه مع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة وبين عدد من النواب المنتمين إلى تكتّل «لبنان القوي» برئاسة باسيل.
وأكد أن التسهيلات التي عرضها الوفد النيابي على هيل بتجميد تعديله للمرسوم 6433 الذي يحفظ حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجهة صرف النظر عن تمسّكه بالخط 29 لم تؤدّ إلى انتزاع موافقته على رفع العقوبات عن باسيل بحجة أن رفعها يستدعي منه التقدُّم بشكوى ضد وزارة الخزانة الأميركية من خلال توكيله لمحامٍ يتولى ملاحقتها.
وسأل المرجع الحكومي السابق عن الأسباب التي كانت وراء مبادرة عون إلى توجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي بواسطة سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة آمال مدلّلي استبق فيها وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت، مع أن رسالته تتعارض مع إصراره على تعديل المرسوم 6433 الذي يتوقّف تعديله على توقيع رئيس الجمهورية الذي لا يزال يحتفظ به في أدراج مكتبه في بعبدا، وقال: هل أن عون يتوخّى من امتناعه عن التوقيع على تعديل المرسوم تجديده للعرض الذي كان تقدّم به نواب في كتلة باسيل إلى هيل في محاولة لإحياء العرض الذي يراد منه مقايضة صرف النظر عن التمسُّك بالخط 29 برفع العقوبات؟
كما سأل لماذا يبادر لبنان إلى التنازل مجاناً عن حقوقه في الخط 29 من دون حصوله على أي ثمن، وهل أراد من تلويحه بلسان رئيس الجمهورية بتعديل المرسوم الالتفاف على الدور الذي لعبه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في توصّله إلى تفاهم مع الجانب الأميركي عُرف باتفاق الإطار لبدء التفاوض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة.
ورأى أن عون أدار مفاوضات موازية للمفاوضات البحرية التي تولاّها الوفد اللبناني الرسمي برئاسة العميد بسام ياسين وذهب بعيداً في مزايداته الشعبوية على الرئيس بري، مع أن اتفاق الإطار لم يتطرّق إلى الخطوط البحرية، وإنما إلى وضع آلية لبدء المفاوضات غير المباشرة، وقال إن رئيس الجمهورية يتحمّل مسؤولية حيال هدر الوقت بتأخير انطلاقتها، وكان وراء الإصرار على الوفد اللبناني المفاوض بضرورة التمسُّك بالخط 29، مع أن المرسوم 6433 غير المعدّل قد أودع عام 2011 لدى الأمم المتحدة.
وكشف المرجع نفسه أن الوسيط الأميركي الأسبق فريدريك هوف كان التقى الرئيس السوري بشار الأسد الذي أكّد له أن ملكية مزارع شبعا المحتلة تعود إلى سوريا، وذلك بخلاف مطالبة لبنان بضرورة التلازم بين ترسيم الحدود البحرية وبين الحدود البرية، وقال إن الجانب اللبناني كان تبلغ بالموقف السوري، لكنه آثر الصمت وفضّل عدم التعليق، مع أن دمشق كانت تدّعي بأن المزارع لبنانية من دون أن تتوصّل إلى تفاهم مع بيروت لتشريع هذا الادعاء والتقدُّم به من الأمم المتحدة لإلحاق المزارع بالقرار 425، وبالتالي إخراجها من القرارين 242 و388.
لذلك، فإن عون من وجهة نظر المرجع الحكومي السابق هو من أعاق تزخيم المفاوضات البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، خصوصا أنه كان تذرّع بامتناعه عن التوقيع على تعديل المرسوم 6433 بوجود حكومة مستقيلة برئاسة حسان دياب، أما وقد شكّلت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي فإنه قرر صرف النظر عن طرح تعديله على مجلس الوزراء، وهذا ما يعزّز الاعتقاد السائد لدى المعارضة بالتكافل والتضامن مع بعض القوى في الموالاة بأن هناك «قطبة مخفيّة» وراء عزوف عون عن تعديل المرسوم 6433 يراد منها استخدام ترسيم الحدود لرفع العقوبات عن باسيل كممر إجباري لترشّحه لرئاسة الجمهورية خلفاً لعمّه الرئيس عون.
كما وأن لعون صلاحية في التفاوض وعقد المعاهدات، فإنه من غير الجائز أن يتصرّف من دون العودة إلى مجلس النواب للتصويت على ما ستؤدّي إليه المفاوضات لأنها تتعلق، بحسب المرجع نفسه، بترسيم الحدود البحرية للبنان، وإن كانت المفاوضات غير المباشرة تتطلب من الطرفين تقديم تنازلات متبادلة بدلاً من أن تأتي من جانب واحد، أي لبنان، وهذا يشكّل اختباراً للوسيط الأميركي.
وعليه، فإن عون يستخدم ما لديه من أوراق لإعادة تعويم باسيل، وهذا ما يظهر جلياً، كما يقول أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، من خلال خطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء التي أعدها وزير الطاقة وليد فياض ولحظ فيها بناء معمل ثالث لتوليد الكهرباء في سلعاتا في البترون مسقط رأس باسيل.
وأكد الوزير، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، بأنه فوجئ بإيداعه الخطة باللغة الإنكليزية بدلاً من أن تكون باللغة العربية، ما اضطرنا للتفاهم مع عدد من الوزراء إلى الطلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بأن تُترجم إلى العربية لقطع الطريق على سوء التفسير، وصولاً لإغراق مجلس الوزراء في اجتهاد ناجم عن التباين في تفسير بعض ما ورد فيها وصولاً إلى الالتباس حول اعتماد بعض ما تضمّنته من نصوص تتعارض مع ترجمتها إلى العربية.
ولفت إلى ضرورة ترحيل البحث في خطة الكهرباء المُدرجة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت أمس إلى الأسبوع المقبل، ريثما نتسلم النص النهائي للخطة باللغة العربية، وقال إن لا مبرر على الأقل في المدى المنظور لبناء معمل لتوليد الكهرباء في سلعاتا، وإن الجهود يجب أن تبقى محصورة بإعادة تأهيل معملي دير عمار والزهراني، وأكد أن خطة الوزير فياض ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن الخطة الموضوعة من قبل وزراء الطاقة السابقين المنتمين إلى التيار الوطني وأن دوره اقتصر على تبنّيها بالكامل.
واعتبر أن الإصرار على معمل سلعاتا بخلاف الموقف الفرنسي الذي عبّرت عنه باريس لدى استضافتها لمؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته، الذي كان أُسقط بالضربة القاضية من قبل عون وفريقه السياسي، يأتي في سياق تمكين باسيل من تقديم رشاوى انتخابية لعله يستطيع تحسين شروطه في الانتخابات، ولفت إلى أن الأمر نفسه ينسحب على مطالبته من خلال عون بإصدار دفعة واسعة من التعيينات الإدارية التي لن تمر وسترحّل إلى ما بعد إجراء الانتخابات لئلا تتحوّل إلى محاصصة ومحسوبية يكون لباسيل الحصة الكبرى فيها، وهذا ما لا يوافق عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
ورأى أن «الثنائي الشيعي» اعترض على التعيينات الأمنية لقطع الطريق على إصدار التعيينات الإدارية على دفعات وبالمفرّق، وهذا ما يتطلع إليه باسيل بإدراجه التعيينات في صلب برنامجه الانتخابي.
الشرق الأوسط – محمد شقير