الخبر بالصوت

ودّعت الرهبانية الباسيلية الشويرية عميدها الأرشمندريت سمعان عبد الأحد في مأتم رسمي وشعبي مهيب في كنيسة دير مار الياس الطوق زحلة حيث ترأس الصلاة لراحة نفسه المطران ادوار جاورجيوس ضاهر ممثلاً غبطة البطريرك يوسف العبسي بمشاركة المطران عصام يوحنا درويش، رئيس عام الرهبانية الشويرية الأرشمندريت برنار توما ولفيف الكهنة.
حضر الجناز النائب سليم عون ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، دولة الرئيس ايلي الفرزلي ممثلاً رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، محافظ البقاع القاضي كمال ابو جودة ممثلاً رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، النائب ادغار معلوف ممثلاً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الوزير السابق ملحم رياشي ممثلاً رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، النائب الاول للأمين العام لحزب الكتائب اللبنانية ورئيس إقليم زحلة الكتائبي ايلي لوقا ممثلاً رئيس الحزب الشيخ سامي الجميل، كابي لبّس ممثلاً رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية، فارس شمعون ممثلاً رئيس حزب الوطنيين الأحرار كميل شمعون، غسان بحرصافي ممثلاً رئيس حزب الوعد جو حبيقة، رئيس التجمع الزحلي العام المحامي منير البقاعي على رأس وفد من التجمع، المحامي الياس اسطفان، منسق القوات اللبنانية في زحلة الدكتور ميشال فتوش، مفتش عام قوى الأمن الداخلي العقيد فادي صليبا ونائب رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل الأستاذ انطوان الأشقر.
كما حضر الجناز راعي ابرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت انطونيوس الصوري، النائب البطريركي لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك ورئيس اللجنة الأسقفية للحوار الإسلامي المسيحي المطران شارل ماتياس مراد، المعتمد البطريركي الأنطاكي للروم الأرثوذكس في ريو دي جانيرو المطران تيودور الغندور، النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم والعديد من الكهنة والراهبات والوجوه الزحلية والبقاعية وعائلة الراحل.
بعد الإنجيل المقدس الذي تلاه المتروبوليت الصوري كانت كلمة لرئيس دير مار الياس الطوق الأرشمندريت سابا سعد شكر فيها الحضور على مشاركتهم الحزن واعطي لمحة مفصلن عن سيرة الأرشمندريت سمعان عبد الأحد والمناصب التي تولاها في الرهبنة والحياة الوطنية اللبنانية خاصة وانه كان عضواً في الجبهة اللبنانية والتجمع الزحلي العام، وتولى لفترة طويلة مهام النيابة الأسقفية العامة في ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع.
المطران ضاهر تلا كلمة البطريرك يوسف العبسي الموجود خارج لبنان، وعدد فيها مزايا المرحوم الكاهن الورع والمحبوب من الجميع، وقدم التعازي للرهبنة الشويرية واهل الفقيد وكل محبيه.
رئيس عام الرهبانية الباسيلية الشويرية الأرشمندريت برنار تتوما رثا الأرشمندريت عبد الأحد بكلمات مؤثرة فقال:
” عندما يرحل العظماء تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعاتِ خيرها ونورها في ربوع العالم. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الدنيا وركنها الركين، وصمام أمن قيمِها ومبادئها، وعظمة راحلنا أنَّه واحد من أولئك الذين غابوا لتحضر الكلمة، ودفنوا لتثمر الرسالة ووضعوا لترتفع الكنيسة، مقتفين في كلّ ذلك آثار معلمهم الإلهي، الذي على كونه غنيّاً افتقر لنستغني نحن بفقره، إنَّه من جيلِ من جاهدوا الجهاد الحسن، والذين تعبوا وزرعوا في عهودٍ تكرّست للخدمة وما عرفت إلّا البناء في الإنسان ولأجل الإيمان. إنَّه مَشيبٌ على شباب، تمكّنت منه الشيخوخة ولم تتمكّن من رغبته في الحياة وعيشها، ولا من إيمانِه بربّه ودعوته، ولا من حبِّه لكنيسته ورسالتها، ولا من تعلّقه برهبانيّته وقلقه عليها، نالت من جسده لكنها لم تنل من رجاحة عقله، وصفاء ذهنه، ووقارِ حضوره، وبهاء سيرته، إنَّه ذاك الذي تنسَّك الكلمة، وصلّى المواقف، وبشَّر بالسيرة، إنَّه من العظماء الذين دافعوا عن الإيمان، والتزموا قضيّة الإنسان كلّ إنسان وكلّ الإنسان، فأنْجَلوا السياسة، وروحنوا العمل الاجتماعي بإتقانهم لغة الحبّ والتضحية، إنَّه مِن زُمرة الذين إن وعدوا وفوا وصدقوا، وإنْ فكروا نفذّوا وحقّقوا، إنَّه الأرشمندريت سمعان عبد الأحد، كبيرُ الرهبانيّةِ وكبيرٌ في الرهبانيةِ، كبيرٌ في خدمتِهِ الرسوليَةِ، وكبيرٌ ببساطتِهِ العميقة، وبنقائه المنذورِ للصدقِ والمودة، عميقٌ كالسنديان، عاطرٌ كالصنوبر، شامخٌ كالرهبانيّة التي فداها بسني حياته، وطيِّبٌ كالدوالي المتدلية في كروم دير الطُّوَق، راسخٌ كالحبر في مطبعة دير الصابغ على الورق، وصافٍ صفاء الزيت في خوابي دير القرقفي إذا ما عبق، إنَّه المصطبغُ بماءِ النواعير، والمقدَّسُ بميرونِ الأرز، إنَّه المالكُ زمام الحروف والـمُجيدُ صناعة الكلمة، هو تلك الطاقة التي تخفي خلف كلماتها ثورةً ألسنتُها من نار، إنه ذاك الذهبي القلم واللسان، إنَّه الرجل المغلوب بحبه، تطغى عليه العاطفة وهو أُولى ضحاياها: حب الحياة، حبّ الخدمة، حب الناس، حب المطالعة حب الكتابة وحب الإقدام، لقد نبض بالحب حتى أتعب القلب، إنَّه يُظهر من خلال تقواه وعمله عمقَ إيمانِه، ونبل معدنه وطيب محبته التي تدفعه لأن يقف ساعةً إلى جانب صديق، لا بل ساعتين ويوماً ويومين، ويسيرَ مع مُسائله خطوةً لا بل خطوتين وميلاً وميلين، وذلك على حساب راحته ومصلحته، يزيدُه التعب عزماً وعزيمةً بلذَّةٍ واندفاع. هو الذي غمس ريشتَه بحبر قلبه، حتى تجاوز بالحب نفسَه من أجل المحبوبين. حتى تصحُّ فيه مقولة الشاعر:
صورةٌ تصاغ على جبين الدهر معناها ومغزاها الحضور
ترمي إلى ما نرنو اليه كلنا فاحت من سر جمالها الزهور
ننظر كلما شاء وشاء بنا الهوى فنحصد رياحين على مقام العشق تثور
أبونا سمعان، نشيّعُكَ وأنت ترقُدُ بسلام القدّيسين، بعد أن جاهدتَ الجهاد الحسن في التضحية والسهر والتعب، وتحمُّل المشقات أمام الجميع. اجتمعنا نتعلَّمُ منك كيف تكونُ النفوسُ الكبيرة، وكيف تعصِفُ الرياحُ العاتية بتلك الأشجار المتجذرة فتهويها لكنها لا تسقطُها، اجتمعنا نستذكر تلك الابتسامة العفوية وهذا الفرحُ الطفولي، على الرغم من أنَّه تصُحَّ فيكَ كلماتُ بولس الرسول عن نفسِه: “أنا في الأتعاب أكثر، في السهر أكثر، في الاحتمال أكثر، في الأخطارِ والشدّةِ أكثر، في الأسفار والضيقات مِرارًا…” لقد انحفرت فيك كلمات الرسول القائل: “من يضعف ولا أضعف أنا، من يعثر ولا أحترق أنا، لقد صرتُ كلاً للكل لأربح الأكثرين” أليس هذا هو حالُكَ: تلاعب الأطفال وتُدللُهم، تهذّب الشبابَ وتنصحُهم، تحاكي الكبارَ وترافقُهم تجالسُ الشيوخَ وتسامرُهم؛ للصغار أنت الاهتمامُ واللباقة، وللكبار أنت الإقدامُ والشجاعةٍ، في الحزن أنت الدمعة وفي الفرح أنت البسمة. إنَّك ذاك الفولاذيُّ الصلب، الذي لم ينكسر ولم ينحني إلا لضعف الجسد ولم ينطفئ إلا بالموت” .
وفي نهاية الجناز القى النائب سليم عون كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عدد فيها مزايا وصفات الراحل الكبير وقدم التعزية للرهبانية وعائلته وقلّده لإسم فخامة الرئيس وسام الإستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف تقديراً لعطاءاته وتخليداً لذكراه.
وحمل النعش على اكتاف الرهبان والكهنة الذين طافوا به في اروقة وساحة الدير ووري الجثمان في مدافن الدير.

اترك تعليقًا