ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، قداس الاحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، في حضور حشد من المؤمنين.
وبعد الانجيل المقدس، ألقى المطران عوده عظة قال فيها: “ أَحِــبَّــائـي سَــمــعْــنــا فــي إنـجــيــلِ الــيَــوم عـن أعــمــى كــانَ يَــطْــلُــبُ صَـدَقَــةً مِــنْ جَــمـيـعِ عــابِـري الــسَّـبــيـلِ خـارِجَ أَريـحـا. لــمــا سَـمِــعَ الــجــمــعَ مــجــتــازاً ســأل مــا هــذا فــأُخــبــرَ بــأنَّ يــســوعَ الــنــاصــريّ عــابــرٌ فــصــرخَ قــائِــلًا: «يــا يَـسـوعُ ابـنَ داودَ ارْحَـمـنـي». لَــمْ يُــثْــنِــهِ عَــنْ إِلْــحـاحِــهِ الــتَّــعَــقُّــلُ الــمَــزعـوم، الَّــذي أَبْــداهُ الــمُـجْــتَــمَـعُ حَــوْلَــهُ، بــل ازدادَ صُــراخــاً: يــا ابْـنَ داودَ ارْحَــمْــنـي! عَــدَمُ إِذْعــانِــهِ لِــلــضُّـغــوطِ مِــنْ حَــولِهِ، وتَـــوَسُّــلُــهُ الــمُــلِــحُّ فــي آن، جَــعَــلا يــســوعَ يــطــلــبُ أنْ يُـــقَــدَّمَ إلــيــه، وســألَــه: «مــاذا تُــريــدُ أَنْ أَصْــنَــعَ لَــكَ؟». سُــؤالُ الــمَــسـيــحِ هَـــذا، الَّــذي يَــبــدو غَــريــبًــا لِــلــوَهْــلَــةِ الأُولــى، يــحــمِــلُ مَــضــمــوناً عَــمـيــقاً. هَـــلْ يَــحْــتـاجُ أَحَـــدٌ أَنْ يَــسـأَلَ الأَعــمـى عَــمَّــا يُــريــد؟ طَــبـعًـا يــريــدُ أَنْ يَــعـودَ نــورُ عَــيــنَــيـهِ. هــكــذا تَــمـامًــا أَجــابَ الأَعــمــى: «أَنْ أُبــصِــر».
مِــنَ الــمُـهِـــمِّ أَنْ يَــعْــرِفَ الإِنــسـانُ مُــشـكِــلَــتَــهُ الأَســاسِــيَّــةَ الَّــتــي تُــعَــذِّبُ وُجــودَهُ فِــعـلًا، بِــحَــيْــثُ يَــصـيــرُ الــشِّــفـاءُ مِــنْـهـا هَــمَّــهُ الأَوَّل. هَــذا الــهَــمُّ يُــعَــبِّـــرُ عَــنْــهُ الإِنــسـانُ فــي حِــوارِهِ مَــعَ الــمَـسـيـحِ مِــنْ خِــلالِ الـصَّـلاة. إِنَّ عُــقْـــمَ صَــلاتِـــنـا يَــعــودُ، بِــدَرَجَــةٍ كَــبـيــرَة، إِلــى عَـــدَمِ مَـعْــرِفَــتِــنــا مــا يَــجِــبُ أَنْ نَــطْــلُــبَــه، أو كَــيــفَ نَـطــلُــبُـه. مِــنْ هُــنــا أَهَــمِّــيَّــةُ الــتَّـــأَمُّــلِ فــي الــمَـعــنــى الَّــذي يُــخْــفــيــهِ سُــؤالُ الــمَــسـيـح.
إِنَّ مــا طَــلَــبَـهُ الأَعــمـى مِــنَ الــمَــسـيـحِ هُـــوَ الــرَّحـمَــة. قــال: «ارحَــمــنـي». أَيْ إِنَــهُ أَرادَ مِــنَ الــمَـسـيـحِ أَنْ يَــعـطِــفَ عَــلَــيْــهِ ويُــسـاعِــدَه. هَـــذا الـــدُّعــاءُ، أيْ طَــلَــبُ الــرَّحْــمَــةِ، هُــوَ صَــلاةُ الــكَــنــيـسَــةِ الـــدَّائِــمَـةُ والــمُـسـتَــمِــرَّة. ومــا الــرَّحْــمَــةُ الَّــتـي نَــطْـــلُـــبُـهــا فــي قَـــولِــنـا «يــا رَبُّ ارحَــم» أَوْ «رَبِّـي يَــسـوع الــمَـسـيــح ارحَـــمـنـي» سِــوى طَــلَــبِ نِــعْــمَــةِ الله، وعَــمَــلِــهِ الــمُـطَــهِّـــرِ الــمُـنــيـر، الَّــذي يَــشـفــي نُــفــوسَــنــا مِــنْ أَمــراضِ الأَهــواء. تَــحــوي كَـــلِــمَـــةُ «رَحــمَــة» طَــلِــبــاتِ الــنَّـــفــسِ الــمُــصَــلِّــيَــةِ كُـــلَّـهـا. عِــنــدَمــا نَــقــولُ: «ارحَــمْ»، نَــعْــتَــرِفُ بِــتَــواضُــعٍ أَنَّــنــا بِــحــاجَــةٍ إلــى الــرَّحــمَــة، أَيْ إلــى إِحــسـانِ اللهِ لَــنــا، كَـــفُـــقَـــراء ومَــرضــى، غَــيــرِ قــادِريــنَ عــلـى تــطــبــيــقِ وَصــايـا الإِنـجـيــل. لَــكِـــنَّ هَـــذا الــطَّـــلَــبَ الــعـامَّ يَــجِــبُ أَنْ يــرافــقَـــه تَــطْــبــيـقٌ عَــمَــلِــيٌّ.
يَــقــولُ الآبــاءُ الــقِـــدِّيــسـونَ إِنَّ الــصَّــلاةَ فــيـهــا تَــبَـــدُّلاتٌ تُــغَـــيِّـــرُ صِــفـــاتِـــهـــا دائِــمًـــا، وتَـــرْتَـــبِـــطُ بِـــســائِــرِ تَــفــاصــيــلِ الــحَــيــاةِ الـــرُّوحِــيَّــةِ ومَــراحِــلِــهــا، ومِــنْـهــا يَـــتَـــشَــبَّـــعُ كُــلُّ عَــمَــلٍ نَــقــومُ بِــه. إِنَّــهــا لَــيْــسَــتْ مُــســتَــقِـــلَّــةً عَــنْ جِــهـادِنــا ضِــدَّ الأَهــواء، كَــمـا لا يُــمـكِــنُ أَنْ تَـــتَـجـاهَـــلَ مَــشــاكِــلَــنــا الــيَــومِــيَّــة. فــي الــحَــقــيــقَــة، مِــنْ حَــيْــثُ الــجَــوهَــر، الــمُــشـكِــلَــةُ هِــيَ نَــفــسُـهــا، دائِــمًــا وفــي كُــلِّ مَــكــان: إِنَّــهــا تَــمَــرُّدُنــا عــلـى مَــشـيــئَــةِ الله. هَـــذا الــتَّــمَـــرُّدُ يُــمَــزِّقُ وُجــودَنــا، ويُــعَــرْقِــلُ عَــمَــل الــنَّـــفْــس، فَــيَــجــعَــلُــنـا غَــيْــرَ قــادِريــنَ عـلـى مُــقــاوَمَــةِ كُــلِّ مــا تُــثــيــرُهُ فــيـنــا الــطَّــبـيــعَــةُ مِــنَ الـخـارِج. إِنَّــهـا الـخَــطـيـئَــةُ بِــمُـخْــتَـــلَــفِ مَــظـاهِــرِهـا.
يُـعَــلِّــمُ آبــاؤنــا الــقِـــدِّيــسـونَ أَنَّ شِــفــاءَنــا مِــنْ مَــرَضِ الــخَــطـيـئَــةِ والأَهــواءِ لا يَــتِــمُّ فَــجــأَةً، بِــمُــجَــرَّدِ «إِخْـــراجِ الــصَّــوت». فَــهُـــوَ يَــتْـــبَـعُ تَــرْتــيــبًــا مُــعَــيَّـــنًـــا، ومَــسـيــرَةً مُــتَـــنــامِــيَــة، ويَــحْــتــاجُ إلــى كَــثـيــرٍ مِــنَ الــوَقْــتِ والــصَّــبْــرِ والــمُــثــابَــرَة. فــي هَــذِهِ الــمَــسـيــرةِ الــرُّوحِــيَّــة، يَــجِــبُ أَنْ نَــعْــرِفَ كُــلَّ مَــرَّةٍ مــا الــهَــوى الَّـــذي يُــعَـــذِّبُــنــا، أَوْ يُــحـارِبُــنــا عَــنْ كَــثَــب، وأَنْ نُــبــادِرَهُ أَوَّلًا بِــسِــهــامِ الــصَّــلاة. يُــريــدُنــا الــمَــسـيـحُ أَنْ نُــجــيــبَــهُ دائِــمًــا، فــي صَــلاتِــنـا، عَــــنْ سُــؤالِــهِ: «مــاذا تُــريــدُ أَنْ أَصـنَــعَ لَـــك؟»، مُــظْــهِــريــنَ الــهَــوى الأَســاسِــيَّ أَو الــمُــشـكِــلَــةَ الأَســاسِــيَّــةَ الَّــتــي تُــعَــذِّبُــنــا. طَــبْــعًــا، إِنَّ الــهَــوى الــرَّئــيـسَ لَــيْــسَ سِــوَى عَــدَمِ إِحْــسـاسِ الــنَّـــفْــس، وعَـــدَمِ مَــعْــرِفَــتِــنــا لِــذَواتِــنــا. عِــنــدَئِــذٍ، يُــمــكِــنُ أَنْ تَــتَــضَـمَّــنَ صَــلاتُــنــا كَــلِــمــاتٍ مِـثْــلَ: «أَضِــئ ظُــلْــمَــتـي… أُريــدُ أَنْ أُبــصِــر».
سُــؤالُ الــمَــسـيــحِ عَــمَّــا نُــريــدُهُ أَنْ يَــصْــنَــعَ لَــنــا يَــحْــمِــلُ دَيــنــونَــةً لِـــنِــيَّـــتِـــنــا وَتَـــوَجُّــهــاتِــنــا. فَــلَــوْ فَــحَـصْـنــاهــا لَــوَجَــدْنــاهــا مِــرارًا لا تَــعــرِفُ مــاذا تُــريــدُ مِـــنَ الــمَــسـيـح. هَـــذا مــا حَــدَثَ مَــعَ تِــلـمـيــذَي الــمَـسـيــحِ عِـــنْـــدَمــا طَــلَــبــا حَــقَّ الــتَّـــقَـــدُّمِ عــلـى الآخَــريـن، فــيـمـا هُــوَ يُــكَــلِّــمُــهُـمــا عــلـى تَــضْــحِــيَــةِ الـصَّــلــيــب. عِــنْــدَئِــذٍ قــالَ لَــهُـمـا: «أَنْــتُــمــا لا تَــعْــلَــمــانِ مــاذا تَــسْــأَلان» (مر 38: 10). وفــي سِــيــاقٍ آخَــر نَــصَـحَ تَــلامــيــذَهُ قــائِــلًا: «أُطــلُــبــوا أَوَّلًا مَــلَــكــوتَ اللهِ وبِـــرَّهُ» (مـت 6: 33). أَمَّــا نَـحــنُ، فَــبِــسَــبَــبِ افْـــتِـــقــارِنــا إلــى الــنُّــضــوجِ الــرُّوحِــيّ، نــطــلــبُ مِــنَ اللهِ أنْ يَــتَـــدَنَّــى إلــى خِــدْمَــةِ مَــصـالِــحِــنـا الــشَّــخْــصِــيَّــة. طَــبْــعًــا، حَــيــاتُــنــا كُــلُّـهــا تَــخُـصُّ الله، كَــمــا أَنَّ كُــلَّ عَــمَــلٍ نَـعــمَــلُــهُ يَــنْــبَــغــي أَنْ نُــبـاشِــرَهُ بِــبَــرَكَــتِــهِ. هَــذا يَــتَــطَــلَّــبُ إِيــمــانًــا حَــيًّــا، وَاســتِــعــدادًا لِــيَــســتَــنــيــرَ كُــلُّ مــا تَــنــطَــوي عَــلَــيْــهِ حَــيــاتُــنـا بِــحَــضْــرَةِ الله. إِلَّا أَنَّ أُنــاسًــا كَــثــيــريــنَ يَــصُـبُّــونَ اهــتِــمــامَــهُــم كُــلَّــهُ فــي مــصــالِــحِـهـم وتَــصْــريــفِ أَعــمــالِــهِــم، مِــنْ غَــيْــرِ أَنْ يَــتَــوَقَّــفــوا طَــويــلًا عِــنْــدَ الــسُّــبُـــلِ الــمُــؤَدِّيَــةِ إلـى نَــجـاحِــهـا. عِــنْــدَئِــذٍ يُــسـاوونَ بَــيْــنَ الإيــمــانِ والـتـــنــجـــيــم، فَــيَــقــصِــدونَ الــمُــنَــجِّــمَ بِــالـسُّـهــولَــةِ نَــفْـسِـهـا الَّــتــي يَــسـتَــدْعــونَ بِــهـا الـكــاهِــن. هَــذِهِ مُـشـكِــلَــةٌ حَــقــيـقــيَّــةٌ فـــيـهـا دَيــنـونَــةٌ لإيـــمــانِــنــا لأنّــنــا نَــطـلُــبُ أَوَّلًا سـائِــرَ الأُمـور، ونَــتــرُكُ مَــلَــكــوتَ الله.
لَــقَــدْ أَجـابَ الأَعــمـى تِــلـقـائِــيًّــا عَــنْ سُــؤالِ الــمَـسـيـح: «أُريــدُ أَنْ أُبــصِـر». فــي حـالَــةِ الأَعــمـى، كَــمـا فــي حــالاتٍ أُخــرى، يُــوَجِّــهُ الــمَـســيــحُ أَســئِـــلَــتَــهُ فــي سِـيـاقِ الــحِــوارِ الَّــذي يَــدورُ بَــيْــنَــهُ وبَــيْــنَ الإِنــسـانِ الــمُــقــتَــرِبِ إِلَــيـه، مُــريــدًا أَنْ يُــظْــهِــرَ إِيــمــانَ ذاكَ الإِنـسـان، وفَــضـيــلَــتَــهُ وشَــفــافِــيَّــةَ مَــطــالِــبِــه. كَــذَلِــكَ يُــريــدُ أَنْ يَــسْــمَــعَ الــحــاضِــرونَ جَــمــيـعًــا طَــلَــبَـه، لِــيَــتَــأَكَّــدوا فــيـمـا بَـعــدُ أَنَّــهُ أُعْــطـي مــا طَـــلَــبَ. الــمَـسـيـحُ يَــمْــنَــحُـنـا مـا نَـطــلُــبُــه، شــَرْطَ أَلَّا يُــنـافِــي الــطَّــلَــبُ مَــشـيــئَــتَــه، ويُــشَــكِّــلَ خَــطَــرًا عــلـى خَــلاصِـنـا. وإذا تــأخّـــرَ فــلــكــي يَـــمــتــحــنَ صــبــرَنــا. نــــحــــن نُــجَــدِّفُ عِــنــدَما نَــتَــضَــرَّعُ إلــى اللهِ لِــيَــصـيــرَ خــادِمًــا لِــنَــوايـانــا الــخــاطِــئَــة. يَــقــولُ الــرَّسـولُ يَــعـقــوبُ أَخــو الـــرَّبّ: «تَــســأَلــونَ ولا تَــنــالــونَ لأَنَّـــكُــم لا تُــحْــسِــنــونَ الــسّــؤال، لِــرَغْــبَـــتِــكُــم فــي الإِنــفــاقِ عــلــى أَهــوائِــكُــم» (4: 3). إِنَّ عَــدَمَ تَــحــقــيــقِ اللهِ لإِحــدى رَغَــبــاتِــنــا هُــوَ بَــرَكَــةٌ وعَــطْــفٌ خـاصٌّ مِــنْ لَــدُنِــه. هُــوَ يُــحِــبُّــنــا، ويَــعْــتَــنـي بِــكُـــلِّ تَــفــاصـيــلِ حَــيـاتِــنـا. يُــريــدُ أَنْ يَــجْـعَــلَــنـا مُــشـابِـهــيـنَ لَــهُ بِـالــنِّــعْــمَــة، لا غـــارقـــيـــن فــي الــوَحــل. لِــذا، فَـــلْــيَـــكُـــنْ طَــلَــبُــنــا الأَســاسِـيُّ جَــوابَ الأَعــمـى لِــلــمَــسـيـح: «أُريــدُ أَنْ أُبــصِــر»، ســائــلـــيــنَ أَنْ يَــفــتَــحَ أَذهــانَــنــا «لِــنَـــفــهَــمَ الــكُــتُــب»، وأَنْ يُــنـيــرَ أَعــيُــنَ نُــفــوسِــنـا عَــلَّــنـا نَــرى بِــوُضـوحٍ «طَــريــقَ الــرَّبِّ» فــي كُــلِّ ظَــرف.
يــا أَحِـبَّــة، إِنَّ مــا يَــحــدُثُ فــي بَــلَــدِنا الـحَــبــيــبُ هُــوَ الـعَــمــى بِـــذاتِــهِ، لَــكِـــنَّ الــعُــمـيــانَ عــنــدَنــا لا يَــلـجــأونَ إلــى الــرَّبِّ لِـــيُــنــيــرَ عُــيــونَــهُــم وعُــيــونَ ضَـمــائِــرِهِــم، بــــل يَـــتَــلَـطَّــونَ خَــلْــفَ الــمَــظـاهِــرِ الإِنــسـانِــيَّــةِ والــتَّــسـمِــيــاتِ الــدِّيــنِــيَّــةِ والــمُــطــالَــبَــةِ بِــحُــقــوقِ الــطَّــوائِــفِ، لا مَــحَــبَّــةً بِــأَبــنـاءِ الإيــمــان، بَــلْ خِــدمَــةً لِــمَــصــالِــحِــهِــم الــشَّــخــصِــيَّــة. لِــهَــذا، يُــطَــبَّــقُ عــلى قــادَتِــنــا مــا قــالَــهُ الـــرَّبُّ لِـــلــنَّــبِــيِّ إِشَــعــيـاء: «غَـــلِّـــظْ قَــلــبَ هَــذا الــشَّــعــبِ وثَـــقِّـــلْ أُذُنَــيْــهِ وَاطــمُــسْ عَــيْـــنَــيـهِ، لِــئَــلَّا يُــبْــصِــرَ بِــعَــيْــنَــيْــهِ ويَــسـمَـعَ بِــأُذُنَــيْــهِ ويَــفْــهَــمَ بِــقَــلْــبِــهِ، ويَــرجِعَ فَــيُــشـفَــى» (إش 6: 10). كُــلَّــمـا أَرادَ الــمَــسـؤولــونَ الإِســتِــفــادَةَ شَــخــصِـيًّــا يُـــســـمـــعــونـــنـــا الــكَــلامَ الــطَّــائِــفِــيّ الــمُــحَــرِّضَ أَو الــمُــفَـــرِّق. اللهُ يَــجــمَــعُ ولا يُــفَـــرِّق. الــدِّيــنُ مَــحَــبَّــةٌ لا تَـــفــرِقَــةَ فــيــه، فــلا تَــسـتَــخــدِمــوهُ إِلَّا لـلإقـــتِـــرابِ مِــنَ الــرَّبِّ، وطَـــلَــبِ الــغُــفــرانِ مِــنـهُ عَــلى مــا اقــتَـــرَفــتُــم بِــحَــقِّ الــشَّـعــب.
الأُســبــوعَ الــمــاضـي فـــرحَ الــبــعــضُ لأنّ الــحُــكــومَــةَ سَــتَــعــودُ لــلــعــمــلِ مِـــنْ أجـــلِ تَـــــســـيـــيـــرِ أمـــورِ الـــنـــاس. ألــيــس الــطــبــيــعــيُّ أن تــجــتــمــعَ الــحــكــومــةُ وتــســتــمــيــتَ فــي خدمـــةِ الــشَّــعــبِ عـــوضَ جَــعْــلِـــه رَهــيــنَــةً ومَــطِــيَّــةً لـــلـــمَــصـالِــحِ والأَهــواء؟ ألــيــس طــبــيــعــيــاً أن تــكــونَ اجــتــمــاعــاتُــهــا مــفــتــوحــةً فــي هــذه الــفــتــرةِ الــعــصــيــبــةِ الــحَــرِجــة، وألاّ تُــهــمِــلَ أيَّ تــفــصــيــلٍ يــســاهــمُ فــي إنــهــاضِ الــبــلــدِ وإنــقـــاذِه؟ طَــبـعًــا نَـــأمَــلُ أَنْ تَــجــتَــمِــعَ الــحُــكــومَــةُ بـــاســتـــمـــرار، وأَنْ تَــعــمَــلَ مِــنْ أَجــلِ إِنــقــاذِ مــا تَـــبَـــقَّــى مِــنَ الــشَّـعــبِ فــي أَرضِ الــوَطَــن، أَو مـا تَــبَـــقَّــى مِــنـهُ حَــيًّــا يُــرزَقُ بَــعــدَ أَنْ فُـــقِـــدَتْ مُـــقَـــوِّمــاتُ الــحَــيــاةِ فــي الــبَــلَــد، ولَــمْ يَــتَـــبَـــقَّ شَـيءٌ يُــذكَــر. وعـــوضَ بـــحـــثِ «بَــعـضِ» الأُمــور، عـــلــيـــهـــا الــبــحــثُ فــي «كُــلِّ» الأُمــورِ ومــعـــالــجــتُـــهــا بـــأقــصـــى ســرعـــة. كـــمــا نـــأمـــلُ أَنْ لا يـــســـودَ قــانــونُ الــغــاب حــيـــثُ يَــحــصَــلُ الأَقـــوى عــلــى مــا يُــريــدُهُ، ويــاكُــلُ الأضــعــف، بـــل أن يُـــدارَ الــبـــلـــدُ بــحـــكــمــةٍ وتَــعَــقُّـــلٍ وشــفــافـــيـــةٍ وضـــمـــيــرٍ حـــيّ، وبــحــســب مــا يـُـمــلــيـــه دســـتـــورُ الــبـــلـــدِ وقـــوانـــيـــنُـــه لا مـــصـــالـــحُ الأفـــرادِ أو الــجــمــاعـــات. إنّ قــيــامَ الــمــســؤولِ بــمــهــامِـــه، ومــنــهــا حــضــورُ جــلــســاتِ مــجــلــسِ الــوزراء والــمــشــاركـــةُ فـــي إنــقــاذِ الــبــلــد، يــجــب ألاّ يــكــونَ خــيــاراً يــتـــخــذُه بـــل واجـــبــاً يــحـــتّـــمـُـــه الــحــسُ الــوطـــنـــي والــمــســـؤولـــيـــة. إنّ المــصــلــحــةَ الــوطــنــيــةَ هــي الــحــدُّ الــذي تــتــوقــفُ عــنــده الأنــانــيــاتُ والــمــصــالــح. أمــا الــمــغــامــرةُ بــاستــقــرارِ الــبــلــدِ فــهــي جــريــمــةٌ، لــذلــك مــطــلــوبٌ عــمــلاً إنــقــاذيــاً ســريــعــاً قــبــل فــوات الأوان.
دُعــاؤنــا أَنْ يَــحفَــظَ اللهُ أَبــنــاءَ هَــذا الــبَــلَــدِ الــحَــبـيــبِ مِــنْ كُــلِّ مَــكــيــدَةٍ وشَــرٍّ، وأَنْ يَــمــنَــحَــهُــم الإِســتِــنــارَةَ كَــي يَــعـــرِفــوا أخـــطـــاءَهـــم ويُـــحــســنــوا الــطــلـــبَ إلـــى اللهِ الــعــطــوفِ، الـــذي لا يُـــهــمِــلُ طــلــبــةَ الــبــار، ويــســتــجــيــبُ دعـــاءَ الــصــادقـــيــن. فــكــمــا قــالَ لــلأعــمــى «إيــمــانُــكَ قــد خــلّــصــك»، هــكــذا إيــمــانُــنــا بــالله الـــذي يــشـــدّدُ انــتـــمـــاءَنـــا إلـــى الــوطــن هــو ســبــيــلُــنــا إلــى الــخــلاص. كــمــا نــســألُـــه أَنْ يـُـلــهــمَ هــذا الــشــعــبَ الــطــيّـــبَ لـــكــي يُـــحـــسِـــنَ اخـــتـــيـــارَ مُــمَـــثِّـــلــيـــه، لأنّ الـــوقـــتَ حـــانَ لإجـــراءِ تـــغـــيـــيـــرٍ حـــقـــيـــقـــيّ يـــقـــودُ الــبـــلـــدَ إلــــى حــيــثُ يَـــطــمـــحُ شـــعـــبُـــه ويَــســـتـــحـــق. شَــدَّدَكُــم الــرَّبُّ وأَنــارَكُــم وبــارَكَ حَــيـاتَـــكُـم، آمــيــن.