جويل رياشي
فيما وصل سعر صرف الدولار في لبنان في الأسبوع الفائت الى عتبة الـ25 ألف ليرة لبنانية في السوق السوداء ـ الموازية ـ وهو اعلى مستوى له منذ بدء الازمة الاقتصادية في العام 2019 ثم عاد وانخفض، يعول مراقبون للازمة اللبنانية على حل سياسي يضع حدا لتأرجح سعر الصرف وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
وقد تحدث الخبير الاقتصادي د. بشير المر في حوار مع «الأنباء» عن «التلاعب السياسي بالدولار والهيركات على رأس المال والمداخيل» وجاء فيه:
ما الاعتبارات التي تؤثر في أسعار القطع في لبنان؟
٭ لطالما كان سعر الصرف في لبنان سياسيا.
في مراجعة تاريخية بسيطة لحركة سعر صرف الدولار الأميركي في السوق اللبنانية، يتضح ارتباطه أكثر بمسار الحدث والقرار السياسي منه بالمؤشرات الاقتصادية. واعتبارات الطلب والعرض ما كانت إلا ذرائع تستخدم في تبرير تحديد سعر صرف معين أو عمليات مضاربات لا مبرر لها في سوق القطع. فعلى مدى ثلاثين سنة من الحقبة ما بين 1999 و2019، تم تثبيت سعر الصرف بقرار سياسي بحدود 1507 ليرات لبنانية. وما قبل هذه الحقبة، أدت التجاذبات السياسية مباشرة ما بعد الحرب الداخلية إلى تلاعبات كبيرة بسعر القطع. ففي حين لم يتعد سعر الدولار الواحد عتبة الـ500 ليرة لبنانية طوال مرحلة الحرب وما تركته من دمار شامل في البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية كافة، أدت التأزمات السياسية ما بعد الحرب إلى استفحال المضاربات خلال سنتين ليرتفع معها سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي ويتخطى عتبة 3200 ليرة لبنانية عام 1993، إلى أن عاد وبقرار سياسي إلى الانخفاض تدريجيا حتى العام 1997، ليتم تثبيته عام 1999 على مستوى 1507 ليرات لبنانية، مستوى مرتفع مقارنة بما كان عليه نهاية الحرب، رغم الفورة الاقتصادية والعمرانية خلال التسعينيات، وعودة الرساميل وضخامة تحويلات المغتربين وما تركته من أثر إيجابي على ميزانيات المصارف وتعاظم حجم الودائع بشكل ملفت فيها.
ما الأسباب الحقيقية للأزمة المصرفية في المرحلة الأخيرة؟
٭ تثبيت سعر الصرف على 1507 ليرات جاء بفعل سياسة نقدية عمادها سعر صرف ليرة منخفض تقابله مستويات فوائد مرتفعة، وصلت عام 1993 إلى 43% على سندات الخزينة، ذلك بحجة الاستدانة لتمويل إعادة الإعمار. وأدت الفوائد الباهظة على سندات الدين إلى تراكم الدين العام في المالية العامة بفعل خدمة الدين من جهة، وإلى تكدس سندات الخزينة في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف من جهة أخرى، إلى أن فاق حجم السندات هذه قيمة الدين العام نفسه. فتم حينها تحويل قسم كبير مما تستحوذه منها المصارف إلى حساب ودائع وشهادات إيداع لدى مصرف لبنان، بفعل هندسة مالية متنافية مع مقتضيات قانون النقد والتسليف. شكل هذا الحساب الوهمي غطاء لتوزيع أرباح، عن خدمة دين غير محصلة فعليا، لمساهمي المصارف من الودائع دون تخفيض قيمتها الدفترية، الأمر الذي أنتج أزمة سيولة مصرفية بفعل نضوب الودائع، تذرعت بها المصارف لتحكم قبضتها على أموال المودعين، بغطاء سياسي وصمت الهيئات الرقابية، والسلطة القضائية، والسلطتين التنفيذية والتشريعية.
ما الأسباب المباشرة لارتفاع أسعار القطع في المرحلة الأخيرة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصل التبدلات الأخيرة للعملة؟
٭ انا اعزو أزمة القطع الفعلية إلى تصرفات مشبوهة من قبل السلطة النقدية. لم يتغاض مصرف لبنان فقط وبشكل لافت عن معالجة أزمة السيولة المصرفية ووضع يد المصارف على أموال المودعين دون مسوغ قانوني، بل قام بإطلاق العنان لمجموعة تعاميم ملغومة أعطت مؤشرا للسوق النقدية بالارتفاع، بدءا من حجة السماح بسحب بعض الودائع الصغيرة على سعر 2600 ل.ل. للدولار في حين كان التعامل بالدولار مازال على 1500 ل.ل. في السوق، إلى اعتماده سعر 3900 ل.ل. للدولار كدولار مصرفي، إلى 6000 ل.ل. للدولار كسعر دعم لبعض السلع الأساسية استفاد منه كبار المستوردين والمحتكرين، إلى 12000 ل.ل. كسعر منصة رسمية طال انتظارها، ومن ثم الكلام عن دولار جمركي على 18000 ل.ل.، إلى إقراره بتفلت السوق السوداء عند تخطيها عتبة ال20000 ل.ل. تبعا لطلب المركزي تأمين 10% من قيمة فاتورة المواد النفطية المستوردة من هذه السوق، وإعلانه عدم قدرته على لجم المضاربات فيها متحججا بمواقع الإلكترونية كانت ومازالت تطلق توقعات أسعار صرف وهمية على إيقاع الانفراجات والمآزق والتجازبات السياسية، ترفع السعر تارة 3000 ل.ل. وتسقطه طورا 6000 ل.ل. بيومين. وبالتالي، تبقى سوق القطع اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات ما دامت تسير على وقع التطورات السياسية والضغوط الناجمة عنها، في غياب تام ولافت للسلطات المنوط بها قانونا مكافحة التلاعب بالقطع وحماية العملة الوطنية، من سلطة نقدية وأجهزة قضائية وأمنية ورقابية في الوزارات المعنية كافة، إلى كتل نيابية أعفت نفسها من أي تشريع لتقويم وضع السوق المالية والنقدية.