بين المازوت والحطب، طارت التدفئة، فالاسعار نار وفوق قدرة المواطن العادي، فكيف من هم دون خط الفقر؟ يقلق المواطن على مصيره، كيف سبيله الى التدفئة، وهل يكون الحرام بديلاً رخيصاً وسط زوبعة الاسعارالحارقة للمازوت والحطب ومعهم الغاز؟
تقلق أم علي على حالها، تبدي خشيتها من البرد القادم، فلا قدرة لها على شراء مازوت ولا حتى حطب فإذا كانت تنكة المازوت بـ15 دولاراً فإن طن الحطب قارب الـ3 ملايين ليرة وربما أكثر حسب النوعية، تسأل في قرارة نفسها ماذا ستفعل وهي التي تعمل بمعاش شهري لا يتجاوز الـ750 الف ليرة أي ما يعادل تنكتي مازوت، بأسف تقول “حتى التدفئة حرمونا إياها بسبب حالة الفلتان القائمة”. لا تخفي أن ابنها قام بجمع بعض الحطب اتقاء لبرد الشتاء غير أنها تسأل “ومن أين آتي بثمن صوبية الحطب التي بلغ سعرها 4 ملايين و500 الف ليرة؟ أي كيف ما برمناها مش ظابطة”. على ما يبدو لا خيار أمام أم علي سوى التدفئة بالحرامات، فهي ارخص رغم انها لا تعطي دفئاً كما الصوبيا.
حال صدمة يعيش المواطن على أبواب الشتاء، فالحديث عن التدفئة خيّم على ما عداه من ازمات، سيما مع ارتفاع الاسعار وعجز 80 بالمئة من الشعب عن تأمين التدفئة اللازمة كما كان الحال عليه قبل عام، فالظروف تبدلت والانهيار الاقتصادي ودولرة السلع الاساسية من البنزين المرجح تسجيله 300 الف الى المازوت الذي يباع (سوق سوداء) وسجلت التنكة في العديد من محطات النبطيةبـ 16دولاراً رغم ان سعرها الرسمي 13,50 هذا عدا دخول الغاز الى عمق السوق السوداء وباتت الجرة تباع بـ240 و250 الفاً وقد ترتفع أكثر، كل ذلك يجعل من وسائل التدفئة محرمة على فقراء لبنان، واذا فكروا بالحطب فهو لا يقل غلاء عن المحروقات وفق أبو حسن فمتر الحطب يساوي مليوناً ونصف المليون وهو لا يكفي شهراً إن قنّنت العائلة التدفئة، اذ تبلغ ثمن الحطبة الواحدة 7 آلاف ليرة ما يعني أن كل نصف ساعة تقريباً تحتاح العائلة الى 4 حطبات بمعدل 30 الف ليرة فكيف بالنهار كله اذا كان البرد قاسياً؟
يعمل أبو حسن منذ بداية الربيع الماضي على جمع الحطب من الوعر ومن الأشجار التي يقوم بتشحيلها، فهو ادرك باكراً أن التدفئة على أبواب الشتاء ستكون لمن إستطاع اليها سبيلاً، في ظل تدهور الليرة والمعاشات والارتفاع الجنوني بالاسعار.
وفق أبو حسن فان العائلة تحتاج تدفئة بالمازوت يومياً بحدود ابريقين مازوت أي 5 دولارات بما يعادل 100 الف ليرة، واذا كانت التدفئة على موقد غاز فالعائلة تحتاج اسبوعياً جرة غاز بسعر 250 الف ليرة، أما الحطب فيومياً يحتاج قرابة الـ70 الف ليرة ما يعني ان التدفئة نار، والنار التي يحتاجها المواطن ليشعر بالدفء ممنوعة عليه، في ظل غياب الدعم عن المحروقات وترك المواطن يتخبط وحيداً “مش عارف شو يعمل” وإن كانت أم محمد حسمت خيارها كل ولد يجلس تحت الحرام ويا دار ما دخلك لا نار ولا غلا. وتعلل خيارها بالقول “مش قادرين نأمن مازوت يومياً، الحال لورا، بالكاد يجني زوجي 30 الف ليرة يومياً، فالاجرة لم ترتفع ولم تصحح رغم ان كل شيء حولنا ارتفع ثمنه، ما سيدفعنا للاستغناء عن النار الا في ايام البرد القارص الشديد، حينها قد نستغني عن الاكل لنشعر بالدفء، فالتدفئة وتأمين الطعام معاً مستحيلة، في ظل الارتفاع غير المسبوق لكافة السلع من اللحوم التي عاودت الارتفاع ويسجل الكيلو ١٨٠ الف ليرة الى الدجاج الذي يحلق الى باقي الحبوب التي باتت اغلى من الذهب، كل ذلك يدفع بالمواطن لتقنين التدفئة، رغم ان ام محمد عمدت الى زرع حقلها الصغير بكافة انواع البقوليات والخضار كي توفر مالاً لتؤمن بعض قطرات المازوت الذي جاوز بسعره الذهب والفقير الله يساعده.
بالمحصلة، صارت التدفئة حصراً للاثرياء مثلها مثل كل السلع في هذا البلد الذي يقف عملياً على “اجر ونص” من الانفجار الحتمي، فالبرد قد يخلق ثورة شعبية من يدري!!!
“نداء الوطن”.