تضيق الخيارات أكثر فأكثر في لبنان. حلّ المشكلتين الأمنية والقضائية سياسي. ولا اجتماعات للحكومة قبل إيجاد صيغة التسوية. وتتداخل عوامل كثيرة وتتقاطع. منها مواقف داخلية منقسمة، ومواقف خارجية تحرص على الاستقرار وحمايته، وتشدد على حماية القاضي طارق البيطار والاستمرار بالتحقيقات.. وتتشعّب الملفات.
مجلسا النواب والقضاء الأعلى
يوم الثلاثاء المقبل في 19 تشرين تعقد جلسة لمجلس النواب، وقد تتحول إلى عراضة سياسية بمواقف مرتفعة السقوف، ما يؤدي إلى زيادة التوتر السياسي. وفي ذلك الوقت يكون القاضي طارق البيطار في مكتبه بقصر العدل، أو على طاولة الاجتماع مع مجلس القضاء الأعلى، بحثاً عن مخرج لاستمراره بالتحقيق. وهناك تسوية مقترحة: أن يحصر تحقيقاته بالموظفين، وحتى لو أراد التحقيق أو الإدعاء مع أي رئيس أو نائب أو وزير، يمكنه إحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إنها التسوية أو المخرج الذي يُبحث عنه. ولكن لا أحد واثق من القدرة على نجاحه. فالثنائي الشيعي متمسك بإقالة البيطار. وهذا مطلب غير قابل للتحقيق. فلا رئيس الجمهورية يوافق عليه حتى الآن، ولا رئيس الحكومة. والموقف الدولي لا يسمح بذلك.
مجلس القضاء الأعلى ليس من صلاحيته تنحية البيطار، أو أن يفرض عليه مسار التحقيق. يحق لمجلس القضاء الأعلى إقالة القاضي في حال ثبوت شبهات حول التحقيق. وحتى الآن لا تتوفر هذه العناصر لدى أعضاء المجلس.
الجيش والقوات ونصرالله
في موزاة هذه العقدة، تتزايد العقد في ملف اشتباكات الطيونة. وتختلط الأوراق مجدداً. فالفيديوهات التي نشرت ويظهر فيها أحد عناصر الجيش يطلق النار في اتجاه المتظاهرين، من شأنها أن تسقط رواية الكمين. والفديوهات يعززها موقف كان قد أطلقه الجيش يوم حصول الأحداث، حين قال إنه سيطلق النار على أي مسلح أو شخص يحاول افتعال مشاكل.
والتحقيقات تستكمل مع موقوفين. وتتركز على بداية الإشكال. وزير الدفاع يشير إلى أن الإشكال وقع بعد اشتباك بالأيدي، وإطلاق نار من الطرفين. وهذا موقف يحتمل أن يكون رداً واضحاً على ما قاله وزير الداخلية يوم حصول الاشتباك. سياسياً يشكل ذلك عنصر ضغط على القوات اللبنانية والجيش اللبناني معاً. على أن التوجه يظهر بوضوح من فحوى الخطاب المرتقب لأمين عام حزب الله حسن نصر الله.
الحكومة معطلة والعمل للقضاء
وما دام الوضع على هذه الصورة تظل الحكومة معطّلة، ولن تعقد جلساتها قبل الوصول إلى اتفاق أو تسوية. وتشير الوقائع إلى أن هدف التسوية التي يتم البحث فيها – وهي أن يحيل البيطار النواب والوزراء إلى المجلس الأعلى لمحاكمتهم – يقتصر على فتح الطريق أمام عقد جلسات الحكومة، وليس حلّ المشكلة من الأساس.
وفي هذا السياق يقول الرئيس نجيب ميقاتي لـ”المدن”: “الوضع الأمني مستتب ولا تخوف. ولكن سياسياً أنا لن أدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، قبل إيجاد حلّ للمشكلة. ولا أريد استفزاز أي طرف”.
ولدى سؤاله عن كيفية حلّ المعضلة القضائية قال ميقاتي: “لن أتدخل بعمل القضاء، ولا يمكن لي أن أنقض التزاماتي. أبلغت الجميع أنني لن أتدخل في عمل القضاء، ولا في عمل المحقق العدلي طارق البيطار. وعلى القضاء أن يصلح نفسه بنفسه. وهناك قانون ودستور لا يمكن القفز فوقهما. والنزاع القائم القضاء هو القادر على حلّ مشكلته”.
وهل يمكن لمجلس القضاء الأعلى أن يطلب من البيطار التنحي؟ يجيب ميقاتي أنه لا يمكن للمجلس الطلب من البيطار التنحي، وليس له الحق بذلك. المسألة تحتاج إلى وقت لإيجاد الحلّ.
الحل سياسي ولا استقالة
وعن الاجتماع الذي عقد بين ميقاتي ووزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى، يقول رئيس الحكومة: “اطلعت منهما على مسار التحقيقات حول أحداث الخميس الفائت، وأبلغتهم موقفي بأنني لن أتدخل بعمل البيطار”.
أما عن اشتباك الطيونة فيقول ميقاتي: “ما حدث قد حدث ولا بد من العمل على معالجته. والمعالجة سياسية. وطالما أنا موجود لن أسمح بظلم أي طرف. ولبنان بلد التوازنات، وعلى الجميع الاحتكام إليها.
وعن الاستقالة، يقول ميقاتي: “هي غير مطروحة. ولا يمكن ترك البلد في هذه الظروف، ولا جعل الفراغ يشمل السلطات كلها. ونحن لدينا مهمات أساسية واضحة: وضع خطة الإصلاح الاقتصادي، وإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وأنا ملتزم بهاتين المهمتين.