خالد أبو شقرا
بقدر ما يتفق الإقتصاديون في الرأي على ضرورة إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، بقدر ما يشككون بنتائجه. فبغضّ النظر عمّا أدرجه مقترح القانون أو لم يدرجه، فان مفعوله لن يكون “صلباً”، طالما سيوضع على أرضية “مائعة”، مليئة بالإستنسابية، الفوضى والتجاوزات القانونية. الأمر الذي لن يؤدي إلى عدم إصابة القانون أهدافه فحسب، إنما إلى مراكمة عيب جديد على العيوب الكثيرة للبلد سيئ السمعة.
الأكيد أن “الكابيتال كونترول” لا يصب في مصلحة المصارف و”حيتان” المال، الذين لا يألون جهداً، ولا يوفرون وسيلة لتهريب أموالهم الخاصة. ومن المفروغ منه أن المصارف لم تقدم لغاية اليوم رقماً واحداً لكلفة المشروع يمكن الإتكال عليه. ومن الجلي أن لجنة المال والموازنة “ملأت” الفراغ القاتل الذي تمارسه الحكومة المستقيلة والقوى السياسية أملاً بتسريع الإصلاحات. إلا أنه في مقابل هذه البديهيات، هناك العديد من الإلتباسات عما إذا كان قانون “الكابيتال كونترول” في ظل الواقع الفوضوي، سيخدم الإقتصاد ويساعد المودعين أم سيشكل خسارة جدية نتيجة عدم أخذه الظروف المحيطة في الإعتبار.
تمويل هدر الدولة
لعلَّ “سخرية القدر” هي من “جمعت” في الأول من أمس “الكابيتال كونترول” الخارج من لجنة المال والموازنة، مع الموافقة الإستثنائية لإعطاء “كهرباء لبنان” سلفة خزينة لشراء المحروقات من أموال المودعين. لقاء “عاصف” أعطى صورة “قاتمة” عن مصير الودائع التي “ستُقنن” على أصحابها، وتشرّع “للدولة”، لاستمرار تمويل فشلها. من هنا فإن “إقرار أي قانون للكابيتال كونترول من دون خطة إصلاحية شاملة تسبق إعادة هيكلة المصارف، وتوزيع خسائرها بشكل عادل، لن يجدي نفعاً”، بحسب الباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر، “وسيكون بمثابة “حبس” للودائع وراء قضبان “تقييد الرساميل”، وترك “مهرب” وحيد يصبّ في مصلحة استمرار الدعم”.
وفي جميع الأحوال يرى البروفسور خاطر أن “المبالغ المتبقية من مجمل الودائع لم تعد تتجاوز نظرياً 14 في المئة، بعدما عمد المركزي مؤخراً إلى تخفيض التوظيفات الإلزامية بنسبة 1 في المئة من دون وجه حق. ومن هذه النسبة الضئيلة ستدعم الدولة الفيول والأدوية الاساسيَّة، وتوزع فتات الودائع على المودعين كما نص التعميم 158، وتدعم الإستيراد عبر منصة SAYRAFA على سعر 12 ألف ليرة وتصنع العجائب. أمّا فعلياً فإن غياب معلومات دقيقة عن حجم احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي يثير الشكوك عما إذا كانت سلفة الكهرباء التي وقعت قبل يومين، ومن خلفها فتح بعض الاعتمادات لاستيراد المواد المدعومة تحسم من احتياطي العملات الصعبة، أم من التوظيفات الإلزامية التي يمنع القانون المس بها.
وبرأي البروفسور خاطر فان “أي استعمال لهذه التوظيفات من قبل المصرف المركزي يعرضه لتبعات قانونية. حتى أن التخفيض بنسبة 1 في المئة الذي أتى في أسفل البيان الصادر عن مصرف لبنان يعتبر غير قانوني، لأنه لا يمكن التفريط بالأمانة تحت أي عذر. فالأموال التي يتم التصرف بها لأغراض الدعم هي أموال خاصة، التزمت المصارف بوضع نسبة 15 في المئة منها في مصرف لبنان كأمانة لا يجوز استعمالها تحت أي ذريعة، مثلها مثل نسبة الـ 85 في المئة الباقية التي تمثل جنى عمر أصحابها وجهدهم”. تخفيض نسبة التوظيفات الإلزامية من 15 إلى 14 في المئة اليوم، قد تلحقها غداً تخفيضات متتالية لتصل إلى صفر في المئة. وإذا بقي الوضع الإقتصادي والسياسي على ما هو عليه اليوم، “فقد تصرف الأموال من دون حتى أن نعلم”، يقول خاطر. خصوصاً أن “معرفة المبالغ المتبقية في التوظيفات الإلزامية تتطلب معرفة حجم الودائع بالدولار في القطاع المصرفي، وهي ذات منحى إنحداري بسبب فقدان الثقة”.
صندوق النقد و”الكابيتال كونترول”
تشير مختلف دراسات صندوق النقد الدولي إلى أن الهدف الأساسي من إقرار قانون “الكابيتال كونترول” في البلدان التي تواجه أزمات مالية، هو إعادة إطلاق العجلة الإقتصادية وليس التجني بحق المودعين، بما يعني بحسب البروفسور خاطر “رفع حساسية الإستثمار مقابل حساسية رأس المال. فبهدف تحفيز الإستثمار والقطاعات الإنتاجية تعمد الدول ذات السعر الصرف الثابت إلى ضخ سيولة بالعملة الوطنية، مما يؤدي حكماً إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة أو الدولار. عندها تعمد هذه الدول الى سحب السيولة وضخ العملة الصعبة مجدداً. ومن أجل المحافظة على النقد الأجنبي داخل حدود الوطن وتوجيهه نحو القطاعات المنتجة، يتمّ وضع الضوابط الموقتة على رأس المال والتي تطال المضاربين وليس المستثمرين”. وهذا أكثر ما نحتاج اليه اليوم في لبنان، إذ إنه عدا عن تضخم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية إلى أكثر من 43 ألف مليار ليرة منذ نهاية العام 2019، فان التعميم 158 سيضيف ما لا يقل عن 26 ألف مليار ليرة جديدة على الكتلة النقدية، والقسم الكبير منها سيتحول إلى الدولار و”يهرّب” إلى الخارج. وبالتالي فانه “من الصعب أن يكون قانون الكابيتال كونترول الذي يغفل هذه الناحية، يستوفي شروط صندوق النقد الدولي لأن الصندوق لا يدعو إلى حجز أموال المودعين وصرفها على التهريب”، برأي خاطر.
الأولية لميزان المدفوعات
لا بدَّ لأي قانون “كابيتال كونترول” ناجح وفعَّال أن يرتكز على دراسة ميزان المدفوعات عبر دراسة قطاعيَّة للإقتصاد تحدد الاحتياجات، وتمنع التأثير السلبي على الإنتاج عبر السماح باستيراد المواد الأولية بهدف التصدير. وذلك خلافاً للقانون المعد محلياً، والذي لا تطال استثناءاته القطاعات الإنتاجية وتنحصر اهتماماته بمنع خروج رؤوس الأموال بطريقة مطلقة”.
وبحسب البروفسور خاطر، فان إقرار قانون “الكابيتال كونترول” بهذه الطريقة سيؤدي إلى 3 أمور خطيرة:
– تكريس السوق الموازية وتحويلها إلى الممر الإلزامي للمصدرين للحصول على العملة الصعبة.
– تعزيز وتثبيت الإقتصاد النقدي CASH ECONMY وإلغاء دور المصارف كممول اساسي للاقتصاد عبر فتح الإعتمادات وتأمين التحويلات ومنح التسهيلات.
– تقليص القدرة على جذب رؤوس الأموال من الخارج بسبب وضع قيود على مداخيل المستثمرين وأرباحهم ولو بشكلٍ موقت.
صحيح أن القانون له صفة الإستثنائي، ومحدد المدة الزمنية لسنة إلا أنه سيطبع البلد بصورة سيئة وسيشكل استمراراً لغياب الثقة المفقودة أصلًا. وبرأي البروفسور خاطر، إن توقيت إقرار مشروع القانون يندرج ضمن التسابق بين “المركزي” والسلطة السياسية على إرضاء المودعين بفتات الدولار، مقابل استمرار استعمال ما تبقى من ودائع لاطالة الازمة وتغييب الحلول الجوهرية.
“نداء الوطن”