جاء في “المركزيّة”:
يصر دبلوماسي عربي يواكب حركة الإتصالات والمشاورات الجارية لتركيب الحكومة، على ضرورة التعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل توليد الحكومة العتيدة فله باع في مهمة إطفاء الحرائق كما بالنسبة إلى تدوير الزوايا في الأوقات الصعبة فكيف في حال كانت البلاد على شفير الهاوية؟ وقد فوضته المبادرة الفرنسية بشكل من الأشكال المضي بمبادرته عدا عن الدعم العربي والمصري منه بنوع خاص.
على هذه القاعدة انطلق النقاش في مصير عملية التأليف، فكل الاضداد تجمعت في عين التينة. فالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لم يعد مؤخرا مرتين الى بيروت إلا ليكون على تنسيق مع بري. ففي محطة سابقة حضر الى بيروت للمشاركة في جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية بشأن تكليفه بعد التفاهم مع بري الذي هندس مواعيد الجلسة الأولى والثانية على التوقيت الذي يمكن الحريري من العودة الى ابو ظبي في مهلة اقصاها ثلاثة ايام قبل ان يعود مطلع الأسبوع الجاري ليدشن أولى زياراته الى عين التينة لاعادة فتح النقاش في ملف تشكيل الحكومة.
وانطلاقا من هذه الوقائع التي لا تخضع لأي تفسير آخر، توالت الاتهامات المتبادلة بين تياري المستقبل والوطني الحر حول من هو سبب التأخير في توفير بعض الأجوبة على مقترحات بري فيصر التيار الازرق ان رئيسه قام بواجبه تجاه بري وقدم الاجوبة التي طلبها، وان عين التينة تنتظر جوابا شافيا حول ما هو مقترح من البياضة او قصر بعبدا لا فرق فيما لم يفهم اللبنانيون بعد ومعهم معظم المتعاطين بملف التشكيلة الحكومية ما الذي توقف عنه بري في آخر طروحاته بعد تفويضه برعاية المخارج التي يمكن التوصل اليها.
وفي هذه الأجواء المفروزة أفقيا وعموديا بين الأحلاف الداخلية رغم حجم الاهتزازات التي أصابت بعضها، كشف زوار عين التينة وقصر بعبدا لـ “المركزية” انهما التقيا وربما للمرة الأولى على ان المهلة المعطاة لبري لتوفير أجوبة جديدة يمكن ان تنقل مرحلة التأليف من محطة الى اخرى. وان النتائج المتوقعة باتت رهنا بمهلة طلبها بري من الطرفين والمتعاطين بالملف من سياسيين وديبلوماسيين لانتاج صيغة جديدة من دون اي مهلة محددة وان قال إنها مسألة أيام قليلة.
وجاءت هذه التوضيحات التي التقت حولها مصادر عدة متناقضة، لتوحي ان بري يحضر لمقترح جديد لم يكشف الى اليوم أمام أحد من زواره. وهو ينتظر نتائج اتصالات غير معلنة تولاها في الفترة الأخيرة من داخل الحدود وخارجها. وهو ينتظر إشارات محددة لتوظيفها في آلية تشكيل الحكومة والتوازنات المطلوبة منها على قاعدة المساواة بين الجميع والتي سميت بمعادلة الـ (888).
واذا تمنعت بعض المراجع عن الاشارة الى ما ينتظره بري، فليس لأنها خارج إطار ما يجري تبادله من مخارج بل انها محتارة بين عدة مخارج باتت قليلة ومحصورة جدا. فهامش المناورة بات ضيقا للغاية الى درجة تقلصت فيها القدرة على ممارسة الألاعيب السياسية التي يتقنها البعض على قاعدة ما هو معروض على بعض القوى من باب “يا بتحط يا بتنط” وفي اقل الاحوال على قاعدة اعتماد قوانين “البليارد” التي يتقنها السياسيون اللبنانيون.
ولذلك كله، بقيت الرهانات مبنية على مبادرة ما من مكان ما لا يمكن التقدير من اين سيكون مصدرها داخليا ام خارجيا. وهذه معادلة غامضة تزيد من نسبة القلق على المساعي المبذولة. فالقطيعة الديبلوماسية الخليجية والعربية والتي اقتربت من ان تضاف اليها المقاطعة الاقتصادية والتجارية انطلاقا من الإجراءات السعودية الجديدة فلبنان يتجه إلى مزيد من العزلة العربية والدولية. فمعظم السيناريوهات التي تتحدث عن حركة موفدين غربيين وعرب او اممين ارجئت الى وقت لاحق مع استبعاد ان تكون قريبة. ولذلك ارتفعت نسبة التحذيرات من مخاطر هذه العزلة التي ستزيد من صعوبة مواجهة الانهيارات المالية والنقدية وان ما اقترحه مصرف لبنان من مشاريع تسليف للبنانيين من مدخراتهم الخاصة قد تكون مؤقتة ولفترة محدودة تسهل لمن يمسك بالسلطة للدخول الى زمن الانتخابات اللبنانية لاستعادة ما فقدوه من مصداقية شعبية لعلها تنقذ البعض منهم من الهلاك السياسي الذي دخل الغرف الداخلية في بيوتهم الحزبية ومحيطهم الشعبي.
وفي موازاة كل هذه السيناريوهات السلبية هناك من يعتقد ان الثورة الشعبية آتية لا محال وان مجمل ما هو مطروح من مشاريع لامرار المرحلة بأقل الخسائر الممكنة لن ترضي اكثرية اللبنانيين الذين اقتربوا من حافة الانفجار فهل هناك من بين أهل السلطة من يحتسب ما يمكن ان تشهده المرحلة المقبلة من احداث قد تجر البلد الى مكان آخر. وهل ان لدى بري هذه المرة مزيدا من الأرانب لطرحها في التوقيت والشكل المناسبين فلننتظر.