كتب نادر حجاز في موقع mtv:
الوجه الواحد الذي جاء به وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الى بيروت وخطاب التعميم الذي انتهجه واقتصار لقاءاته على رئيسي الجمهورية ومجلس النواب والرئيس المكلّف، ترك عتباً كبيراً لدى الجهات التي لعبت دوراً أساسياً مع باريس منذ إطلاق المبادرة الفرنسية، ليظهر الموقف الفرنسي بمظهر عدم الإنصاف من حيث المساواة بين المعرقلين لعملية تأليف الحكومة وبين مَن أطلق مبادرات من أجل التوصل الى تسوية.
هذا الانزعاج مشترك بين الصرح البطريركي في بكركي والمختارة، لا سيما وأن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يكاد لا تخلو عظة من عظاته من دون تأنيب لمعرقلي التأليف، مطلقاً أكثر من مبادرة ومسعى لجمع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لتذليل العقبات أمام ولادة الحكومة، إلا أنه عبثاً كان يحاول. وقد علم موقع mtv أن بكركي قد عبّرت عن امتعاضها من خطاب لودريان التعميمي، وذلك عبر شخصية مقرّبة من الصرح ومطلّعة على موقف البطريرك.
أما وليد جنبلاط، فلم يكن أقل انزعاجاً من لودريان الذي وضع المعرقلين كما المسهّلين في سلة واحدة، فيما جنبلاط كان الوحيد الذي بادر الى كسر القطيعة مع الرئيس عون وزيارته في القصر الجمهوري، مطلقاً دعوته للتسوية كما مبادرة الـ24 وزيرا التي تبناها الرئيس نبيه بري وعمل على تسويقها مع القوى السياسية. وبالتالي فإنه يعتبر ان التعميم الفرنسي لم يكن موفقاً وغير مبرّر وغير منطقي، خصوصاً أن الدور الذي لعبه يعرفه الفرنسيون جيّدا، وطبعاً يذكرون الاتصال الشهير لجنبلاط من باريس بالرئيس سعد الحريري طالباً منه القبول بإعطاء حقيبة المال للثنائي الشيعي تسهيلا لتشكيل الحكومة وذلك إبان تكليف السفير مصطفى أديب، وكان الثمن توترا وخلافا ما بين الرجلين بسبب رفض الحريري حينها، رغم العودة وقبوله لاحقاً.
رسالة بكركي والمختارة وصلت الى باريس، فتحرّكت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، وكانت لافتة الزيارة التي قامت بها الى بكركي ولاحقاً الى كليمنصو في اليومين الماضيين، الأمر الذي قرأت فيه مصادر مواكبة عبر موقع mtv تمييزاً لكل من الراعي وجنبلاط عن باقي القوى الأخرى، حيث تدلّ الزيارة على أنهما غير مشمولين بتهمة العرقلة التي وجهتها فرنسا بشكل تعميمي خاطئ من ناحية شمول الجميع، فأتت الزيارة لترتيب هذه الثغرة.
لكن المصادر توضح ان زيارة غريو لم تكن فقط من ناحية رد اعتبار شكلي لتمييز جنبلاط وبكركي عن الآخرين، انما فرنسا تدرك أن الجانبين بذلا جهوداً كبيرة جداً في أدق التفاصيل التي كانوا يقومون بتنسيقها مع الفرنسيين لتسهيل تأليف الحكومة. فليس فقط من الظلم شمولهم بالتعميم إنما اذا كانت فرنسا تريد الحفاظ على موطئ قدم للبحث مع أي قوى فاعلة في البلد لإعادة تحريك ما للمشهد السياسي، فعليها الاعتماد على مَن كان يعمل “من قلب وربّ” لتسهيل التأليف.
وحول اللقاء الأخير الذي جمع جنبلاط بالسفيرة الفرنسية، كشفت المصادر ان “النقاش كانت مروحته واسعة، فقد بدأ من المشهد اللبناني والأمور التي يمكن ان تحصل لكسر الجمود، والخيارات التي يمكن بعد البحث بها، كما السبل التي قد يكون هناك أمل بسلوكها نحو الحل، بالإضافة الى الحديث عن ربط هذا الأمر بما يجري اقليمياً وكيفية الاستفادة من الفرصة، كما تم التطرق أيضا الى التطورات في الأراضي المحتلة”.
قد تكون السفيرة الفرنسية قد نجحت بترطيب الأجواء على خط باريس ببكركي وكليمنصو وبالتالي ابلاغهما أنه “مش كلن يعني كلن”، إلا ان المبادرة الفرنسية باتت بحاجة الى دفع جديد وربما الى مقاربة مختلفة لتتمكن من إحداث خرق والعبور نحو حكومة جديدة قادرة على إنقاذ البلد. لكن سيكون على الفرنسيين وضع الإصبع على الجرح وتسمية المعرقلين بالأسماء بدلاً من سياسة تعميم تساهم عن قصد أو غير قصد بتضييع الحقيقة.
فالقناعة الفرنسية، وفق مطّلعين، هي أن القرار الخارجي بتأليف حكومة في لبنان يحظى بإجماع، وبالتالي لا يوجد أي مبرر للقوى المعرقلة في الداخل للتلكؤ بالتأليف.
فهل تقول فرنسا صراحة للبنانيين مَن هم معرقلو إنقاذهم من جهنم الذي باتوا على أبوابه؟