هيام القصيفي
لا تتحدّث القوى السياسية عن الانتخابات النيابية أو البلدية. لا قانون الانتخاب ولا التحضير للانتخابات المقررة السنة المقبلة، على جدول الحركة السياسية التي كانت عادة تنطلق قبل سنة من موعد الاستحقاق الانتخابي.
في مثل هذه الأيام، أي على أبواب الاستعداد لموسم الصيف الذي يسبق موعد الانتخابات النيابية، جرت العادة أن تعمل الأحزاب والقوى السياسية والمرشحون المفترضون على تهيئة المناطق والبلدات لموسم انتخابي حافل، بين زيارات مرشحين وحفلات انتخابية وخدمات شعبية وجولات مناطقية وتحضير البيئة الشعبية عبر شحن نفوس المحازبين والأنصار. حتى الآن، كل الكلام عن الانتخابات النيابية مجرد عبارات من سطر واحد ترد في البيانات السياسية. أما المظاهر الميدانية الحقيقية فتغيب عن المشهد السياسي، وتتقدم معركة رئاسة الجمهورية على ما عداها من استحقاقات، فيما تتصرف القوى السياسية وكأن ثمّة أرجحية لتأجيل الانتخابات النيابية وأيضاً البلدية (وحتى الانتخابات الفرعية). وكلتاهما كانتا تمثّلان تحدّياً شعبياً على مستوى تفعيل الزخم الحزبي وأيضاً المالي بطبيعة الحال، في موسم الماكينات الإعلامية والخدماتية وضخّ الأموال لشراء الأصوات. لكن الواضح أن قرار إجراء الانتخابات النيابية والبلدية المفترضة الصيف المقبل لا يزال «حلم ليلة صيف». والقوى السياسية لا تبدو في معظمها، (الكتائب والقوات اللبنانية تصرّان على الظهور بمظهر الرافض للتأجيل لأنهما تعتبران أن حظوظهما مرتفعة في تعزيز حصتهما النيابية) مستاءة من احتمالات التأجيل، وهي تطبق حرفياً أغنية شربل روحانا المعبّرة عن الواقع اللبناني «لشو التغيير» على طريقتها، علماً بأن هناك رهانات في غير محلّها على أن القدرة على التغيير الفعلي، وخصوصاً عند المسيحيين، قابلة للتطبيق في ظل التوازنات الحالية. ومن المبكر الكلام عن تغيير في المزاج المسيحي بالمطلق نتيجة أخطاء العهد، في مقابل رهان غير مضمون على احتمالات تحقيق تنظيمات وتجمعات ما يسمى «المجتمع المدني» أيّ تقدم فاعل بعد تجاربه غير المشجعة إثر تظاهرات 17 تشرين.
فالقانون الانتخابي لم يعد على الطاولة، كما كانت حاله قبل شهور قليلة، رغم أن أي طرح لتغييره سيجابَه مجدداً بمعارضة من القوى المسيحية، مقابل حفلة الابتزاز المتبادلة حوله وحول التمديد للمجلس النيابي. وبقدر ما تراجع الكلام عن تأليف الحكومة لمصلحة تقديم مشاهد البلبلة القضائية والمالية والحدود البحرية، انحسر أيضاً الكلام عن الاستحقاقين الانتخابيين، لدى الموالين والمعارضين والذين يشكّلون عصب التحرك الشعبي، كما الأزمة الاقتصادية الخانقة. تبدو المشكلات الاجتماعية المتفاقمة كأنها دخلت في صميم اليوميات اللبنانية، إذ لم تعد تمثّل أولوية لدى التيارات السياسية التي تغرق البلاد قصداً في ملفات جانبية، لا علاقة لها بحقيقة الانهيار القائم على كل المستويات، الذي كان يفترض أن يمثل أولوية لدى ناخبين يعيشون منذ سنة ونصف سنة، تحت وطأة سرقة أموالهم وانهيار عملتهم وفقدان مدّخراتهم. وهو الأمر الذي كان يفترض أن يشكّل منطلقاً للضغط لإجراء الانتخابات في موعدها، الأمر الذي لم تتعامل معه أيضاً بجديّة القوى الشبابية المستقلة أو التنظيمات التي يفترض بوصفها معارضة للسلطة الحالية أن ترفع لواء الضغط لإجراء الانتخابات البلدية والنيابية، على السواء، ولا سيما أن ثمة تجاهلاً تاماً لموضوع الانتخابات البلدية (وعدد من البلديات أصبح منحلّاً) التي شكّلت في بعض المحطات أول طرق التغيير ومظهراً من مظاهر نفوذ الأحزاب، رغم الطابع العائلي للتحالفات. فهذه الانتخابات بوصفها طريقاً أساسياً لإدارة الواقع المحلي البحت، تشكّل عادة أداة عمل أساسية لمجموعات شبابية، تحت تسميات مختلفة سياسية وإنمائية وبيئية تخوض العمل الميداني، في حين أن ما نشهده اليوم هو التغييب المقصود لهذه الانتخابات، وسط كلام عن تأجيلها تحت ذريعة تزامنها مع الانتخابات النيابية المرشحة لأن تطير أيضاً.شكّل انهيار العملة اللبنانية بالنسبة الى القوى السياسية مناسبة أفضل لشراء الأصوات وتجييش الناخبين، وهو أمر يصبّ في مصلحة هذه القوى والشخصيات الثرية الطامحة في الانتخابات التي باتت قادرة على كسب الأصوات بأثمان بخسة. وهذا أمر أساسي في خوض الانتخابات المقبلة، وإعادة تجميع الناخبين في بوسطات انتخابية. لكن القضية لا تتعلّق حصراً بشراء الأصوات يوم الانتخابات، لأن العجز الكبير الحاصل، بات أكبر من أن يتمكن مرشحون من تغطيته من الآن بسبب شمول التدهور الاجتماعي والاقتصادي مجالات عدة. فبين فاتورة الاستشفاء المرتفعة الثمن وتحايل شركات التأمين، وبين فقدان الأدوية والمواد الغذائية، لم يعد في قدرة المرشحين تلبية الاحتياجات اليومية المعتادة لناخبيهم ولا حتى تلبية طلبات التوظيف والخدمات المعيشية.كذلك، فإنّ انهيار البنى الأساسية للدولة، أفقد هؤلاء القدرة على تأمين الخدمات المعتادة عبر الوزارات المعنية. وإذا كانت أزمة كوورنا، اليوم، تقف حاجزاً بين النواب وناخبيهم وبين المرشحين وناخبيهم، فإن الحاجات الاجتماعية باتت بسبب الضائقة المالية أكثر حضوراً في «البرامج الانتخابية»، وهذا يشكّل عبئاً إضافياً، بعدما فقد هؤلاء كثيراً من المقدرات التي كانت موضوعة في خدمتهم من المؤسسات الرسمية، علماً بأن حملات الدعم الحزبية عبر المساعدات الإنسانية وتجييش المؤسسات والفاعليات الاغترابية قائمة على قدم وساق. تخشى الأحزاب أن تفلت الانتخابات، في لحظة ما، فتسعى إلى أن تكون قواعدها محميّة قدر الإمكان وقت الاستحقاق، علماً بأن هذه القواعد أثبتت أنها مطواعة لأحزابها في السرّاء والضرّاء.
“الأخبار”