الخبر بالصوت

غادة حلاوي

كان ينقص لبنان ان تسقط هيبة جسمه القضائي لتكتمل فصول أزمته ويدنو من الانهيار الشامل. شكّل ما شهدته الايام الماضية حدثاً يفوق المتوقع من حيث الشكل، أما في المضمون فالمتعارف عليه ان التحقيقات القضائية طابعها سري ومصانة بالكتمان وعدم التشهير، فهل يجوز ان يتم اقتحام مؤسسة امام وسائل الاعلام ولو كان الملف يتعلق بتهريب اموال اللبنانيين؟ في مثل هذه المشهدية تلفت الانظار باتجاه الشكل ويضيع القصد والمضمون.

في موعد طال انتظاره سيخرج رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود الاسبوع المقبل الى الرأي العام، متناولاً الكثير من الامور المتعلقة بعمل القضاء وملفات الفساد المفتوحة والتي لم تفتح بعد. بإطلالته هذه ان حصلت يكون قد مر على التعيينات القضائية التي لن تبصر النور ما يزيد على السنة. سيخرج عبود ليقول ما لديه وقد صار على قاب قوسين او ادنى من الاتهام بكونه جزءاً من عملية التكتم على الفاسدين وان الجسم القضائي صار منقسماً على نفسه، وقد تحول الى جزر فباتت مشاكله وملفاته العالقة سيرة متداولة داخل مكاتب القضاة وخارجها.

لا ينكر مجلس القضاء الاعلى بكامل اعضائه ان القضاء في أزمة لكن ما شهدته الايام الاخيرة في ظل مداهمة مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون لشركة ميشال مكتف للصيرفة، شكّل صدمة جعلت الجسم القضائي يقف مذهولاً امام مشهد طاله بالشكل. خلال الاجتماع حضرت القاضية عون وأصرت على عدم قانونية قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بتوزيع الملفات التي تتولاها على ثلاثة قضاة آخرين، أدلت بدلوها وغادرت ليستمر اعضاء المجلس في بحث المسألة. لأيام خلت كان مجلس القضاء الأعلى يناقش في امكانية تطبيق المادة 95 من قانون نظام القضاء العدلي واعلان عدم اهلية القاضية غادة عون، لكن عدم توافر الاجماع جعلهم يصرفون النظر خصوصاً وان مسألة عدم الاهلية يمكن التشكيك بها لأرجحية ان تكون انتقائية، ولذا كان القرار بإحالة عون الى التفتيش القضائي، يدافع مرجع قضائي عن قرار الإحالة هذا جازماً أن المسألة ليست كيدية ولا سياسية وليست طبعاً محاولة للتستر على ملفات فساد، وانما هي مسألة تتصل بالشكل قبل اي شيء آخر، وقصة قاض كان مطلوباً منه مرات عدة ان يضع مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في مجريات القضايا التي يتابعها والخطوات المنوي القيام بها في متابعة الملفات. في كل مرة كان يطلب عويدات حقه الذي يفرضه القانون، كانت القاضية عون تتمنّع، كما ترفض الالتزام بقرار مجلس القضاء الأعلى بعدم التصريح للإعلام. تراكمات مضت عليها اشهر كانت خلالها العلاقة متوترة بين عون ومرجعيتها القضائية الى ان وقع الخلاف الكبير، بأن طلب مجلس القضاء الاعلى من القاضي عويدات توزيع الملفات قيد المتابعة لدى القاضية عون على قضاة غيرها، التزم عويدات وبادر فاعتبرت عون القرار غير قانوني اي انها من وجهة نظر قضائية خالفت تعليمات مجلس القضاء الاعلى.

ما يؤكد عليه المرجع القضائي ان القضية ليست في اطار خلاف سياسي بين قاضيين لكل منهما انتماؤه السياسي المختلف عن الآخر، ولا في إطار طائفي، كان يمكن للقاضية عون تلافي المسألة باحترام هيبة القضاء والالتزام بالقانون، وليس الخروج على أعلى مرجعية قضائية. هذا لا يعني ان مجلس القضاء بكامل اعضائه يعارضون ملاحقة ملفات الفساد وتهريب الاموال حتى النهاية، لكن الخطأ هو التشهير والاستثمار في الاعلام واظهار الموضوع وكأن الجسم القضائي منقسم، بين من يريد مكافحة تهريب الاموال ومن يريد التستر عليها. خلال اجتماع مجلس القضاء الأعلى بالأمس لم يستطع القضاة الدفاع عما فعلته القاضية عون، بعض الحاضرين تعاطف معها انطلاقاً من حسن النوايا لكنه لم يستطع الدفاع عن سلوكها.

يقول المرجع: “بغض النظر عن الهدف كيف يمكن لقاضية ان تقتحم بالخلع والكسر ابواب شركة قصدتها بصحبة مدّعٍ، بينما كان يفترض بها ان تكون الفصل بين المدعي والمدعى عليه “بالموزامبيق ما بتصير هالحالة”، ثم كيف يمكن ان يؤازر عملها مجموعة من المحازبين”. ويسأل ماذا لو تكرر الأمر مع قاضٍ آخر يتبع لتيار او حزب ثانٍ، وماذا لو خرج غداً من لا يريد الالتزام بقرارات مجلس القضاء الأعلى؟ مضيفاً: هناك اصول فليس بحجة مكافحة الفساد يتم انتهاك هيبة القضاء والتفلت من قراراته “راعِ الشكل وقص رؤوس من تراه مداناً”، متابعا: “القضاء ليس إعلاماً ومش كل ما كمشنا دجاجة فاسدة بدنا نعمل ضجة إعلامية والتحقيق لم ينته بعد”. المأخذ على القاضية عون يكمن ايضاً في الملفات التي تثير ضجة حولها وتحيلها ليتبين لاحقاً خلوها من الأدلة الموثقة. يشير المرجع القضائي الى ان التحقيقات لا يفترض ان تكون من خلال الإعلام “القضاء ليس مؤسسة لكل فرد فيها ان يفتح على حسابه، ولا يمكن لجهة سياسية ايا كانت ان ترافق قاضياً الى مكان عمله وتتظاهر تأييداً له وهو يمارس عمله. هذا مشهد مريب يمكن ان يدمر العدلية بحالها” ويضيف: “اذا نجح ما فعلته القاضية عون بغض النظر عن حسن نواياها فقد يتحول الى سلوك يحذوه كل قاض يستعين بحزبه ومحازبيه، الامر خطير ويتصل بتدمير القضاء والنيل من سمعته وهيبته”.

قد تكون غادة عون اخطأت في الشكل ولكن الطبيعة ترفض الفراغ والفراغ يولّد الجنون ونحن في عصر الجنون، وعن اي هيبة يتحدث القضاء وأموال الناس محجوزة في المصارف في اكبر عملية احتيال والدولة ينخرها الفساد.

“نداء الوطن”

اترك تعليقًا