كتب نقيب الصحافة عوني الكعكي:
إنّه حاكم مصرف لبنان منذ عام 1993، وكما هو معروف كان من ضمن فريق العمل الذي استعان به الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليكون الى جانبه مكلفاً في بند وحيد، هو استقرار سعر صرف الليرة، خصوصاً انه ومنذ انتهاء عهد الرئيس السابق أمين الجميّل وتكليف الجنرال ميشال عون بترؤس الحكومة العسكرية، بدأت مشاكل لبنان المالية وبدأ سعر صرف الدولار يتصاعد حتى أنّ الشهيد الرئيس رفيق الحريري كان يدعم قوى الأمن الداخلي شهرياً، وكذلك فعل مع الجيش، لأنّه كان متخوّفاً من أنّ رواتب الجيش وقوى الأمن الداخلي أصبحت لا تساوي شيئاً، وبدأ الخوف يتزايد يومياً، خشية عدم تمكن القيادة من السيطرة على الوضع.
وهكذا جاء رياض سلامة منقذاً للوضع المالي. وبما أنه عُيّـن حاكماً لمصرف لبنان، فإنّ الحملة ضدّه بدأت منذ اليوم الأول، خصوصاً لأنه مرشح قوي لرئاسة الجمهورية. هذه ناحية، أما من ناحية ثانية، فإنّ «مشروع ولاية الفقيه» كان همّه الأكبر بعد أن سيطر عسكرياً من خلال «الحزب العظيم» على أجزاء من لبنان، يريد السيطرة الكاملة على كل شيء وبخاصة أنّ مشروع ولاية الفقيه يحمل مشروع تفقير الشعوب، كي تصبح مطيعة وتنفذ الأوامر من دون أي سؤال. لا نقول هذا الكلام جزافاً، بل نقوله مع إثبات لقولنا.. ولنبدأ بالعراق البلد النفطي الغني، فيه نهرا دجلة والفرات، فصار مديوناً والشعب يبحث عن بقايا الأكل نتيجة الفقر المدقع.
أما عن سوريا، فقد تسلم الرئيس بشار من والده الرئيس حافظ الأسد سوريا خالية من الديون حتى ولا دولار واحد، أما اليوم وبعد مرور واحد وعشرين عاماً، فصارت سوريا بحاجة الى 500 مليار دولار أميركي لتعود كما كانت، وهذا كله بفضل الرئيس بشار الذي دخل بقوة في محور المقاومة والممانعة والصمود والتصدّي.
أما اليوم، وكأنه كان لا ينقصها إلاّ الحروب التي استخدمتها دولة ولاية الفقيه للإنتقام من المملكة العربية السعودية، التي يعتبرها نظام «الملالي» أكبر عدو لها في التاريخ، فكانت النتيجة الإنهيار الكامل على الأصعدة المالية والاجتماعية والبيئية والتعليمية، غير آلاف القتلى ومئات الألوف من الجرحى، انهارت الدولة، وانقسمت الى مناطق.
ولم يبقَ صامداً إلاّ لبنان، الوحيد الذي استطاع أن يصمد سبعاً وعشرين سنة من خلال تثبيت سعر صرف الدولار بفضل حكمة رياض سلامة.. وبالرغم من اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، وحرب «لو كنت أعلم» عام 2006، وحرب قانا عام 1994، واحتلال بيروت من قِبَل «الحزب العظيم»، وتعطيل المجلس النيابي، وتعطيل تشكيل الحكومات إذ يحتاج تشكيل كل حكومة سنة، الى تعطيل إنتخاب رئيس جمهورية مرّة أولى لمدة سنة ونصف ومرّة ثانية لمدة سنتين ونصف، حتى تسلم الرئيس الجنرال ميشال عون الذي تكفّل وحده بالتعطيل… ولم ينسَ اللبنانيون مآثره في العامين 1989 و1990، وما فعله في المنطقة الشرقية خلال «حربي الإلغاء والتحرير»، إلى احتلال قصر بعبدا من قِبَل الجيش السوري، وهرب عون بالبيجاما الى السفارة الفرنسية…
يضاف الى ذلك كله، مآثر الصهر المدلل، الطفل المعجزة.. وحده رياض سلامة، صمد سبعاً وعشرين سنة أمام كل هذه التحديات…
أشير الى ان رسالة وردتني من الولايات المتحدة… قرأتها، فأعجبتني… فأحببت تكريم القارئ اللبناني بإطلاعه عليها… وهي رسالة من الدكتور محمود ب منيمنة من ديترويت، ابن العائلة البيروتية العريقة…
وهذا ما جاء فيها:
«في مكاتب «ميريل لينش» الواقعة في 250 vesey st في نيويورك، يوجد مكتب لنائب الرئيس لم يحتله أي مستشار مالي عربي بعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي ترك منصبه المسؤول عن العمليات التنفيذية لإدارة استثمارات دول بحجم الصين، وشركات مالية بحجم مماثل لبنك «اوف أميركا». ليذهب مع رفيق الحريري الى عالم الاحلام بلبنان رائع يكتب التاريخ عمن بناه وعمن أمن ثقة العالم بمصارفه ليشاركوا في بنائه.
كان الرجل في منصب يتيح له الوصول الى منصب رسمي في اميركا كوزير خزانة مثلاً، ولكنه ترك تلك الفرص وعاد الى لبنان. لم يعد الى بلده وهو محتاج لراتب هو اتفه من إغراء من يحصل سنوياً على حوالى الخمسين مليون دولار من «ميريل لينش» ما بين مكافآت ورواتب.
لماذا جاء رياض سلامة الى لبنان وترك منصبه الرفيع في ميريل لينش؟؟
من منصبه جاء لانه آمن برفيق الحريري، ولأنه آمن بمشروعه لبناء لبنان، ولما استشهد رفيق الحريري اصبح رياض سلامة أسير واجبه، ففي اللحظة التي يغادر فيها ستفلس الدولة وينهار الاقتصاد لا لانه فقط حامي الاقتصاد المالي للبنان بل لان ثقة العالم به هي ما يبقي التدفقات المالية حية، وهو يجعل من لبنان وجهة للمستثمريين الماليين الدوليين الذين لا يمكن أن يجذبهم شيء الى بلد الاربعين ألف حرامي.
كان الرجل في منصبه الاميركي – الدولي مطلعاً على أحوال العالم من الحديقة الخلفية للشركات العابرة للقارات التي تحكم العالم، ومنه كان يطلع على اسرار العلاقات المالية الاقتصادية الاميركية الدولية ومن موقعه الذي تفوق على 14000 مستشار مالي من عباقرة اميركا ليصل إليه جاءه رفيق الحريري بحلم بناء اقتصاد لبناني قائم على عمادتين هما الاعمار، وهو يحتاج لأموال لا يملكها لبنان، والعمود الثاني هو الثقة الدولية بلبنان الخارج في آب/ اغسطس عام 1993 من حرب اهلية مدمرة ومن اجتياحين اسرائيليين والقابع تحت سيطرة مطلقة لسورية وضباطها المزاجيين الجشعين مالياً المطلقي الصلاحية والمتوحشي الطمع بما في يد الدولة اللبنانية من إمكانيات على قلتها والثقة أمنها رياض سلامة.
من دون ثقة دولية لم يكن للبنان ان يعيد إعمار ما تهدم، ولولا الثقة ما بقي القطاع المصرفي قائماً ولولا الثقة الدولية ولولا علاقات رياض سلامة ما اكتفى الاميركيون بتدمير بنك الجمال ترست بتوقيع من موظف فئة ثالثة في الخزانة الاميركية بل لدمروا القطاع المالي كله ورياض سلامة هو من انقذ لبنان من مصير محتوم يشبه ما حل ببنك الجمال ترست.
الثقة مع الصديق والثقة حتى من خصوم اميركا جعلت رياض سلامة ضمانة للبنانيين جميعاً وإلا ما الذي يجبر رجل كان يدير اثنان فاصلة ثلاثة تريليون دولار على البقاء في منصب لا يقدم ولا يؤخر في مسيرة رجل من وزنه سوى الواجب والخوف على اللبنانيين؟
لا ملائكة على الارض لكن هوس رياض سلامه بالتاريخ يجعله يتحمل كل الضغوطات وجعله يتحمل قلة الوفاء والغدر والهجمات الوحشية إعلامياً لاغتيال شخصيته المعنوية؟
مقارنة موقع نائب الرئيس في «ميريل لينش» في نيويورك بحاكمية مصرف لبنان هي امر يشبه إقناع صاحب سيارة فيراري باستبدالها بلعبة اطفال تتحرك على البطاريات لكنها تحمل نفس تصميم فيراري.
في «ميريل لينش» كان العائد المالي لشخص في موقع وخبرة رياض سلامة عشرات ملايين الدولارات من رواتب (45 مليوناً سنوياً) ومكافآت هي عبارة عن اسهم وحصص في شركات تابعة لـ»ميريل لينش» كانت يوم جاء سلامة الى لبنان عام 1993 تساوي في البورصة مئات ملايين الدولارات.
حينها وقع الرجل (سلامة) اسير سحر احلام رفيق الحريري بلبنان رائع ومزدهر. فتخلى عن موقعه العالمي.
في ذلك الوقت قال الحريري لسلامة:
«اعرف ان ميريل لينش قد توصلك الى منصب وزير الخزانة في اميركا، وأعرف انه يمكنك جمع مليار من مكافآتك هناك قبل ان تبلغ الخمسين من عمرك. وأعرف ان علاقاتك بملوك ورؤساء العالم أوثق من علاقاتي وأنا من انا. وأعرف ان موقعك الذي تشغله لا يحلم به اي لبناني، لكني لا ادعوك الى حاكمية مصرف لبنان بل ادعوك الى المشاركة في صناعة التاريخ بإعادة إعمار لبنان وخصوصاً إعادة اعمار «بيروت».
وتابع الحريري قائلا:
«لا اريدك ان اعدك براتب اعلى من راتبك هناك فلن تحصل من وظيفتك إلا على اقل من 1 بالمئة مما تحصل عليه في نيويورك.
لكني اعرف ان لديك ثروة وأن لديك شركتك الخاصة في نيويورك التي تديرها عائلتك نيابة عنك وأنت قد تصبح اغنى مني لكني ادعوك لتكتب اسمك على اعمدة بعلبك وفوق صخور نهر الكلب وعلى قاعدة تمثال الشهداء في «البلد» وسط بيروت.
لأني دونك يمكنني جذب الاثرياء العرب فقط، لكن معك سأحصل على ثقة ارباب العالم وحاكميه الاقتصاديين. اني ادعوك الى عمل فدائي لإنقاذ اللبنانيين ولنصنع لهم سوياً إعمارا لما هدمته الحرب والغزو الاجنبي».
في ذلك الزمن لم يكن في المصرف المركزي إدارة بالمعنى الحرفي، بل مجموعات من المدراء كل منهم يتبع لزعيم، مجموعات تدير طلبات الميليشيات التي اصبح رموزها حكاماً. ومجموعات أخرى تستجيب لطلبات الضباط السوريين ولا تجرؤ على مواجهتهم. فجاء رفيق ورياض معاً ليعيدوا بناء مالية الشعب اللبناني من الصفر.
واستشهد رفيق الحريري وفكر سلامة بالرحيل، فتمسكت به كل الاطراف المحلية الشريفة والتي لها اهداف وطنية حقاً.
لأنه صمام امان لليمين واليسار، للمعارض والموالي، للرافض والراضي، هو صمام امان القطاع البنكي وصمام امان ليحفظ عملة اللبنانيين وذهبهم من نهب قطاع الطرق الذي تحولوا وزراء مالية ووزراء اقتصاد.
الرجل بعد رفيق الحريري لو رحل لنهب قطاع الطرق الذين يحكمون السلطة حتى ابواب وبلاط ومفروشات البنك المركزي «بالقانون، وبالتواقيع والمراسيم الوزارية والحكومية».
رياض سلامة منع انهيار الليرة ولا يزال، ولو انهارت فإن الحكام في السلطة لا يأبهون بل يسعدهم ذلك لأن اموالهم مدولرة.
رياض سلامة ليس صاحب ميليشيا ولا يحميه ارباب الطوائف لهذا يهاجمه المبتزون من سياسيين واعلاميين. كلهم (الاعلاميين والسياسيين) سراق وقطاع طرق وكلهم (من يهاجمونه من الناس) اغبياء وجهلة بواقع مالية لبنان وبواقع صلاحيات حاكم مصرف لبنان.
الصحف التي تهاجمه تريد المال منه وتبتزه ولم يخضع. والقنوات التي نشرت تقارير استقصائية عن ثروته نشرت ما نشرت ثم مضى مالكها يتوسط مع اصدقاء مشتركين ليوقف حملته مقابل دفعة من الدولارات ولم يخضع سلامة بل طرد الوسيط. ومضى في مسار قانوني اجبر القناة على الاعتذار وعلى إبراز ان ذاك التقرير إفتراء وكذب في مسألة المصدر وسلامة لا يملك 5 ملايين دولار بل يملك اسهما في شركات منذ العام 1980 تساوي عشرات الملايين واضحت حين تسلم حاكمية المصرف عام 1993 تساوي رقماً لا يعرفه سوى سلامة وعائلته. فعن اي خمسة يتحدثون؟
وجود سلامة مهم لأن الامر اشبه بمبنى سقفه مرتفع لا لان الاعمدة مكانها، فأعمدة لبنان منهارة وفوق السقف يقف السياسيون ليهدموا بمعاولهم يهدمون اكثر واكثر حتى يصلوا الى ما تحت سقف يحمله على ظهره رياض سلامة ويخبئ في احضانه خزينة اللبنانيين.
الهدر والصرف الحكومي:
ليس للحاكم دور:
– في اعتماد المشاريع
– ولا في إقرار الصفقات
– ولا في عمليات الصرف بالتراضي
– ولا في الهدر الوزاري
– ولا في سرقات صناديق مثل مجلس الجنوب ومجلس الانماء والاعمار،
– ولا علاقة له بصندوق المهجرين
– ولا هو من يهدر في قطاع الكهرباء مليارات كل عام،
– وكل ما يقوم به هو حفظ ما يمكنه من خزينة الدولة وحماية العملة وتأمين تدفق الودائع من الخارج لتغطية العجز.
رياض سلامة مهمته إدارة مهمة ضخ الدم في جسد لبنان، ودوره هو حماية قلب الشعب وهي الليرة وقد فعل.
*الكاتب يحمل دكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج واشنطن وعمل مستشاراً لدى الامم المتحدة لمساعدة اليونان على الخروج من أزمتها المالية.
المقال جزء من محاضرة للدكتور منيمنة في ندوة شيكاغو التي دعى إليها «اتحاد رجال الاعمال المغتربين» حول لبنان.