دعت رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية النائب الدكتورة عناية عز الدين الى “وضع أسس حوكمة الامن الغذائي في لبنان وتنظيم العلاقة بين مختلف القطاعات والوزارات والحهات ذات الصلة”.
كلام عز الدين جاء خلال ترؤسها اجتماع هيئة التنمية المستدامة النيابية في حضور رئيس لجنة الزراعة الدكتور أيوب حميد ورئيس لجنة الصحة الدكتور عاصم عراجي وممثل منظمة “الفاو” موريس سعادة وممثل منظمة “جوستيسيا” بول مرقص ومدير برنامج الامن الغذائي وتنمية المجتمعات الريفية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور رامي زريق ونائبة ممثلة اليونيسيف في لبنان.
وقالت عز الدين: “المطلوب هو الاهتمام بالامن الغذائي بأبعاده كافة وعلى مستويات أربعة هي: توفر الغذاء من مصادر مختلفة، قدرة اللبنانيين على تأمين ما يحتاجونه من غذاء وهنا يبرز دور وزارة الشؤون الاجتماعية لوضع سياسات تضمن وصول كل اللبنانيين لحاجاتهم الغذائية وخاصة الاكثر فقرا، سلامة الغذاء وصحته وفي هذه النقطة تعتببر وزارة الصحة معنية بنشر الوعي حول الغذاء السليم والصحي، واستدامة الوصول الى الغذاء وهذا المستوى يحتاج الى حوكمة وتنسيق بين مختلف الجهات ذات الصلة”.
وأشارت الى أن “الجلسة اعتمدت كنقطة انطلاق لاجتماعها دراسة اعدها فريق الدراسات في مجلس النواب بالتعاون مع خبراء متخصصين وبدعم من مؤسسة “ويست منستر فوندايشان”، وأوضحت ان “الدراسة أعدت خلال فترة كورونا لمعرفة اثر الكورونا على الامن الغذائي في لبنان واضيف اليها ملحق للبحث في اثر انفجار بيروت على هذه المسألة”.
وقالت: “تم الاتفاق على التعاطي مع هذه الابعاد بشكل تفصيلي وإجراء جردة بالتشريعات الموجودة لتعديلها حيث يجب وملء الفراغات في الثغر القانونية. بالاضافة الى اصدار توصيات لاتخاذ القرارات التنفيذية اللازمة”.
وشددت عز الدين على “اعتماد المقاربة التشاركية بين الجهات المعنية من وزارات ومنظمات دولية وجهات قانونية واكاديميين متخصصين في هذا المجال”.
وقدمت عزالدين تصورا لخطة الأمن الغذائي وفق ما يلي:
“أولا: الترابط القوي والمتين بين حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة لدرجة أننا نكاد لا نفرق بين الأدبيات المستخدمة في كلا المجالين فضلا عن أن الجوهر واحد فلا تنمية مستدامة من دون حقوق الإنسان ولا يمكن أن ندعي احتراما لأي حق من الحقوق الأساسية إذا لم نحقق ركائز التنمية المستدامة .
لدرجة أن أحد مراكز الدراسات الأوروبية وهو المعهد الدانمركي لحقوق الإنسان ينشر على موقعه “دليل حقوق الإنسان لأهداف التنمية المستدامة” وفيه توضيح مفصل لهذا الترابط في الأهداف والمقاصد والآليات. ويظهر أن كل هدف من الأهداف السبعة عشر له ما يعادله في الإعلان العالمي لحقوق الانسان ولغيره من بروتوكولات معنية بحقوق الإنسان.
ثانيا: كما تعلمون فإن لبنان ملتزم بأهداف التنمية المستدامة التي لاقت ترحيبا عالميا نادرا وتأييدا من مختلف دول العالم تقريبا بمعزل عن الخلافات الايدويولوجية او السياسية او الاقتصادية بين هذه الدول.
والحق يقال أن مواكبتنا في المجلس النيابي هي ضرورية لتأكيد التزام لبنان من جهة، ولكن الأهم برأيي أننا بحاجة لهذا الجهد من أجل توفير البيئة التشريعية والبنى المؤسسية لمسار التنمية المستدامة في لبنان.
نحن نعاني على المستويات كافة الواردة في أهداف التنمية ويمكنني اليوم أن أعدد الأهداف واحدا واحدا لندرك الفجوة الكبيرة في لبنان على مستوى كل هدف. من الهدف الأول وهو مكافحة الفقر ثم مكافحة الجوع فالتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين والمياه النظيفة والطاقة النظيفة والعمل اللائق والصناعة والابتكار والحد من أوجه عدم المساواة والمدن المستدامة والإستهلاك والإنتاج المسؤولان والعمل المناخي والحياة تحت البحر وفي البر والسلام والعدل والمؤسسات القوية وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
أعتقد أن هذه الأهداف هي بمثابة مرآة نرى فيها حجم النقص والأزمة التي نعيشها على كافة المستويات ما يجعل التزامنا ووضع الأهداف على السكك الصحيحة هو فرصة لا نملك ترف إضاعتها او التلكؤ في تطبيقها. والأمر هو نفسه في قضية حقوق الانسان.
وتابعت: “خلاصة هذا العرض أو هذه القراءة السريعة تتركز في نقطة جوهرية وهي أن المطلوب في لبنان إرساء قواعد العدالة الإجتماعية وهذا منشأنه أن يؤمن الشمولية المطلوبة وأن ينصف الفئات المهمشة وعلى رأسها النساء والشباب، ففي العدالة الإجتماعية تتكثف كل معاني أهداف التنمية المستدامة وكذلك معاني حقوق الإنسان. وهذا مسار طويل يتطلب جهودا كبيرة سياسيا وسياساتيا واقتصاديا وثقافيا و وطنيا. ومن مختلف المستويات التشريعية والتنفيذية والفكرية والتربوية والتعليمية والقيمية . وأتمنى أن نصل الى مرحلة توافق حول هذا القضية . قضية التنمية وحقوق الإنسان التي يمكن أن تشكل نقطة إجماع ومساحة مشتركة بين كل اللبنانيين الغارقين هذه اللأيام في خلافاتهم وتناقضاتهم .
بالإنتقال للحديث عن الحقوق الأربعة الجديدة، سأتكلم عن الحق بالغذاء ومكافحة الجوع، وهو الهدف الثاني في أجندة التنمية المستدامة “إنهاء جميع أشكال الجوع وسوء التغذية والتأكد من حصول جميع الناس وخاصة الأطفال على الأغذية الكافية. وينطوي هذا الجهد على تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة التي تشمل دعم صغار المزارعين وتحقيق المساواة في الوصول الى الأراضي والتكنولوجيا والأسواق” .
هذا الهدف يرتبط بالأمن الغذائي للإنسان والمجتمعات وقد احتل الأولوية في الكثير من الدول، إن طرح قضية الأمن الغذائي اليوم مرتبط بما اوجدته الكورونا من تحديات أثرت على إجراءات الدول وسلوك الأفراد.
لقد دفعت الجائحة دولا أكثر غنا وتماسكا من بلدنا لبنان، في المنطقة وفي العالم، للبحث عن الحلول ولوضع الرؤى والخطط والسياسات المناسبة لجعل أمنها الغذائي بمأمن عن أي اهتزاز او اضطراب وخللها عمدت الى اتخاذ قرارات أثرت سلبا على حركة شحن الواردات الغذائية وعلى سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية .
بعض الدول قيدت تصدير المواد الغذائية والزراعية خوفا من طول أمد كورونا وعملت على تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع والمواد الغذائية كما حصل تعطيل لطرق الامداد إضافة الى ظاهرة “هلع الشراء” panic buying حيث شهدنا تهافت المواطنين على شراء السلع وتخزينها .
طبعا دول العالم لم تقف مكتوفة الأيدي واتخذت سلسلة قرارات يمكن الاستفادة منها مثل تقديم الدعم للمزارعين (الولايات المتحدة الاميركية أعلنت عن 16 مليار دولار خلال العام الماضي ذهبت مباشرة للمزارعين)
ودول اخرى لجأت لتقييد كميات الشراء من المتاجر (في بريطانيا قررت متاجر المواد الغذائية فرض قيود على زبائنها)
وهناك مستوى آخر من المعالجات لجأت إليه الدول وكنت اتمنى ان تكون لدينا البنية التحتية التي تسمح لنا باعتماده وهوخيار التكنولوجيا الرقمية التي كان لها دورهام في مواجهة الجائحة وتداعياتها وفي الحد من أزمة الغذاء تحديدا”.
أضافت: “أما في لبنان فكلنا الموجودون هنا من نواب وخبراء وممثلين لمنظمات دولية وأهلية نعرف خطورة الأوضاع وحساسيتها ودقتها فلبنان يعانيمن تداعيات جائحة كورونا المترافقة مع الأزمة الإقتصادية الأكثر حدة في تاريخه الحديث. كل الأرقام المتداولة تشير الى ارتفاع نسب الفقر . تقديرات البنك الدولي لغاية منتصف 2020 تشير الى أن معدلات الفقر بلغت 45 % أي 1,7 مليون فرد من بينهم 841 ألف يعانون الفقرالغذائي .
وأعتقد انها المرة الأولى منذ عقود طويلة تطرح في لبنان مسألة الفقر الغذائي وبهذا الحجم الكبير والخطير. لذلك فإن المطلوب خطة طوارىء متعددة الأبعاد ومن مختلف الجهات المعنية. طبعا نحن نعلم أن الأمن الغذائي ومحاربة الجوع مرتبطة بالسياسات، ليس فقط الزراعية، وإنما أيضا الصحية والإقتصادية والإجتماعية لذلك ومن هذا المنطلق عقدنا بالأمس في هيئة التنمية المستدامة الجلسة الأولى من سلسلة جلسات لمناقشة موضوع الأمن الغذائي بأبعاده الأربعة إن أولا لناحية توفر الغذاء من مصادر محلية ومستوردة، قدرة الإنسان على الحصول على الغذاء (الفقر ووزارة الشؤون)، علاقة المواطن بالغذاء من حيث نوعية السعرات التي يستهلكها وكميتها، ورابعا وضع الأسس لاستدامة الحصول على الغذاء الآمن والكافي من قبل أفراد المجتمع ، ستتم مراجعة كل بعد من هذه الأبعاد ومراجعة التشريعات الموجودة المعنية بها ومناقشة تعديلها وأيضا ملء الثغر التشريعية التي تضمن تحقق الأمن الغذائي على كل مستوى، ما نحتاج إليه بشكل أساسي هو حوكمة الأمن الغذائي بما يؤمن تحققه بشكل مستدام من خلال رسم خارطة اللاعبين الأساسيين (وزارات، إدارات، جمعيات..) تحديد أدوارها، تنظيم العلاقة في ما بينها وتحديد المسؤوليات وآليات التشبيك والتنسيق في مابينها، هناك تفاوت داخل المحتمع بين الفئات الغنية والفقيرة، وداخل الطبقة الفقيرة قد تعاني النساء بشكل أكثر حدة من عدم وجود غذاء كاف أومن سوء النوعية
كذلك نحن نعمل على توفير آلية مستدامة لتغذية الرضع والأطفال حتى عمر السنتين عبر الرضاعة الطبيعية والأغذية التكميلية بالتعاون مع الوزارات المعنية والمنظمات الدولية وجمعية طب الأطفال (التحضير لحملة توعية وتقديم دعم تطلق في شهر حزيران)”.
وختمت عز الدين: “في الحقيقة، إننا في المجلس النيابي اللبناني نحاول أن نكون على قدر المسؤولية في هذا المجال ونبذل الجهود من اجل إدماج مفاهيم اهداف التنمية المستدامة ومفاهيم حقوق الإنسان في كل عملنا التشريعي وفي كل اللجان وما قامت به لجنة حقوق الانسان برئاسة الزميل الدكتور ميشال موسى هي نموذج يمكن أن يتكرر في كل اللجان النيابية الأخرى وهذا ما سنعمل على مواكبته في هيئة الأهداف المستدامة النيابية.
مرة جديدة شكرا لحضوركم وللدكتور ميشال موسى ولكل الزملاء النواب والحضور الكريم”.
تجدر الاشارة الى ان الاجتماع هو الاول وسيستكمل ضمن سلسلة اجتماعات اخرى ستعقد في المرحلة المقبلة لاستكمال البحث في هذه القضية.