كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : المناخ الايجابي الذي أشيع ما قبل عيد الفصح، اصطدم بلا جديّته، وبقيت الحكومة ضائعة في دهليز العناد السياسي والمعايير المتصادمة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. وبالتالي رحّلت الأزمة الحكوميّة المستعصية إلى ما بعد العيد، لعل عاملاً ما يطرأ، ويفرض التقاء الرئيسين على مساحة مشتركة تبنى عليها إيجابيات جديّة تسرّع في ولادة الحكومة.
حتى الآن، ليس في الإمكان المجازفة في الحديث عن تحوّل في مواقف الرئيسين، ذلك أنّ كلاً منهما ثابت على “قاعدته” التي يريد بناء الحكومة عليها، وكلاهما يضع كرة تسهيل التأليف في ملعب الآخر ويلقي عليه مسؤولية التعطيل. وبالتالي، كلّ ما جرى الحديث عنه قبل الفصح، من افكار توفيقيّة لتضييق هوّة الخلاف العميقة بينهما، وجهود متعدّدة المستويات والجهات لاستيلاد الحكومة، اصطدمت بالشروط المعطّلة ذاتها، وفي مقدمها الإصرار على الثلث المعطل في هذه الحكومة.
حراك متجدد
عطلة عيد الفصح، برّدت الحراك الذي كان قائما، وجمّدت مؤقتاً تسويق افكار التوفيق، ولكن من دون ان تقطع خطوط التواصل بين المستويات المعنية حول الملف الحكومي، حيث بقي هذا الملف حاضرا في المعايدات التي جرت على اكثر من خط، ولكن، ضمن إطار التمنّيات في بلورة تفاهم سريع على حكومة. إلّا ان الاجواء المحيطة بهذا الملف، تعكس توجها جديا لتزخيم الاتصالات حوله، وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ المعنيّين بتلك الأفكار التوفيقيّة بين عون والحريري، قد أعدوا العدّة لإطلاق حراك متجدّد وسريع يواكب عودة الرئيس المكلف إلى بيروت، لكسر حلقة الشروط المعطلة، وصولا الى تشكيل حكومة متوازنة تلبّي متطلبات المبادرة الفرنسيّة جملة وتفصيلاً.
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق هو أنّ المعنيّين بالأفكار الرامية الى استيلاد “حكومة متوازنة لا ثلث معطلا فيها لأيّ طرف”، يُحاذرون الحديث مسبقاً عن ايجابيات، بل يؤكّدون انه كما ان النجاح في ان تلقى هذه الافكار تجاوبا مع تلك الافكار هو احتمال ممكن، فكذلك الفشل وارد ايضا، ذلك ان الامور لم تتقدم اي خطوة الى الامام برغم المناخ الايجابي الذي جرى الحديث عنه في فترة ما قبل عيد الفصح.
ويؤكّد هؤلاء ان جوهر الحراك هو إحداث خرق نوعي يرتكز على ليونة جدية في ما خص حجم الحكومة سواء اكانت من 18 او 20 او 22 او 24 وزيرا، وكذلك في ما خص حجم تمثيل كل طرف، اضافة الى نوعية الوزارات التي ستسند لهذا الطرف او ذاك، وصولا الى بلوغ حكومة بلا ثلث معطل لأي طرف. وتبعا لاجواء الرئيسين عون والحريري، فإنّ القائمين بهذا الحراك أمام مهمّة صعبة لا بل شاقة، بالنظر الى التعقيدات والصعوبات الكثيرة التي تواجهها.
وتؤكد المعلومات الموثوقة أنّ المعنيين بالحراك قد وضعوا في حسبانهم الفشل المسبق، إن بقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ثابتين على مواقفهما المتصادمة والتصلب الذي يبديه كلاهما تجاه الآخر، ما يعني ان حظوظ النجاح، كما يؤكد هؤلاء المعنيون أقل من حظوظ الفشل، الا اذا كانت عطلة عيد الفصح قد شكلت فرصة للمختلفين لإجراء مقاربة موضوعية لواقع البلد، ووضع الناس، ولقراءة متأنّية وموضوعية لمجموعة العوامل الداخلية والخارجية المعجلة في تشكيل الحكومة، بدءاً بالصرخة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي (الذي سيلتقي السفيرة الاميركية دوروثي شيا اليوم، وعددا من الشخصيات السياسية والوزارية) ودعوته الى الافراج عن الشعب والحكومة، وكذلك في الموقف الفرنسي الذي ارتفع الى وتيرة عالية في حدته وصولاً الى الموقف السعودي البالغ الدلالة والاول من نوعه وصراحته حيال الملف الحكومي في لبنان.
الثلث
إلى ذلك، أكد عاملون اساسيون على خط تسهيل تأليف الحكومة لـ”الجمهورية” ان المناخ الذي أُشيع في الايام الاخيرة، وحُمّل ما سمّيت ايجابيات، لم يكن اكثر من مناخ وهمي، ذلك أنّ الامور ما زالت تحت الصفر، وأفق التأليف ما زال مقفلاً بالكامل ولم تبرز فيه اي علامة تؤشر الى اي انفراج، وكل الافكار التي طرحت في الايام الاخيرة قد وجدت في المقابل صدّاً مانعاً لها، ما أبقى العقدة القابضة على الحكومة في مكانها، هي عقدة واحدة، وموجودة في مكان واحد، وتتمثل بالاصرار على الثلث المعطل لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي. وثمة طرح جديد – قديم حمله الوسطاء الى المعنيين بالثلث المعطل، ويقول ما حرفيّته: “اخرجوا الثلث المعطل من الطريق، فتولد الحكومة فوراً”.
واذا كان الرئيس نبيه بري قد وسّع مروحة مشاوراته في الآونة الاخيرة سعياً لبلورة مخارج تنزع من امام الحكومة ألغام تعطيل تأليفها، الا انه برغم انسداد الافق حتى الآن، ما زال يؤكد ان لا مفر للجميع في نهاية الامر من التفاهم على حكومة متوازنة (بصرف النظر عن حجمها) بمهمة اصلاحية وانقاذية وفق المبادرة الفرنسية، ولا ثلث معطلا فيها لأي طرف. وبالتالي، لا يرى ما يوجب التأخير اكثر من الوقت الذي جرى اهداره على حساب البلد واهله، وأدخلهم في وضع كارثي على كلّ المستويات بات يهدد بمصير اسود للبلد وغرق الجميع من دون استثناء.
النتيجة صفر
هذه الأجواء التشاؤمية عكستها لـ”الجمهورية” ايضا شخصية ناشطة على الخط الحكومي، وقالت: النتيجة حتى الآن صفر، كل طرف يلعب اوراقه السلبية في وجه الآخر، ويرمي المسؤولية عليه، وهذا يؤشر الى ان المسألة مفتوحة. ثمة نفور لا سابق له بين الرئيسين عون والحريري، وكل يوم يمرّ وسط هذا الجو، تصبح إمكانية التوفيق بينهما اصعب، وتقترب من حد الاستحالة، وهذا معناه دخول البلد في مراوحة شديدة السلبية في ملف التأليف طويلة الامد، علماً انّ الواقع اللبناني يقترب من ان يطل على استحقاقات حساسة، سواء الاستحقاق النيابي او الاستحقاق الرئاسي، وكلما تقدمنا نحو تلك الاستحقاقات تصبح الشروط اكثر تعقيدا وتربط حتماً بتلك الاستحقاقات وما يحيط بها من طموحات لهذا الفريق او ذاك”.
زيارة باريس!
وسط هذه الاجواء، وفيما ينتظر ان يصل الى بيروت بعد غد الخميس الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، شاعَ في الساعات الاخيرة انّ الملف الحكومي سيشهد محطة له في باريس خلال الاسبوع الجاري مع زيارة يقوم بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى العاصمة الفرنسية، وأدّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم دوراً اساسياً في التحضير لها.
وبحسب ما أشيع، فإنّ باسيل سيغادر الى باريس (اليوم)، وسيلتقي خلالها مسؤولين فرنسيين، وقد يستقبله غدا الاربعاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وثمة من ذهبَ أبعد من ذلك بافتراض حصول لقاء بين الرئيس المكلف وباسيل برعاية ماكرون.
وفيما لم يصدر تأكيد للزيارة او نفي لها من قبل الجانب الفرنسي، وتجنّبت السفارة الفرنسية مقاربة هذه الزيارة بالنفي أو بالتأكيد تاركة هذا الامر للسلطات الرسمية “إن كان الأمر مؤكداً”. برز ما نقل مساء امس، عن مصادر مقرّبة من باسيل عن أنّ “رئيس التيار الوطني الحر” ليس بحاجة إلى أي وساطة أو وسيط لزيارة باريس ولقاء المسؤولين الفرنسيين، فهو أولاً على تواصل دائم مع موفد الرئيس ماكرون الى لبنان باتريك دوريل، وثانياً فإنه لم يطلب اي موعد لزيارة فرنسا لكن ان وجهت اليه الدعوة فإنه يلبّيها بما ينسجم مع مصلحة لبنان”.
الاحتمالان واردان
وفي السياق نفسه، أبلغت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية الى “الجمهورية” قولها إنّ زيارة النائب باسيل الى باريس في دائرة الاحتمالات الممكنة، حيث قد تحصل هذه الزيارة في اي وقت، سواء اخذت طابعا رسميا او اخذت طابعا شخصيا خاصا، ولكن في ما خص ما يحكى عن زيارة وشيكة للنائب باسيل الى باريس ولقاء محدد له مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فلا تأكيد رسميا من قبل الايليزيه لأي موعد من هذا القبيل حتى الآن (مساء امس). كما لا تأكيد رسميا ايضا من قبل المستويات الرسمية الفرنسية الاخرى حول لقاء بين باسيل والرئيس المكلّف برعاية الرئيس ماكرون.
إلا أنّ المصادر نفسها تلفت الانتباه الى ان باريس لا تعمل في الخفاء حيال الملف اللبناني، ولن يطول الوقت حتى تتوضح الصورة في الجانب المتعلق بالزيارة، فلننتظر ساعات قليلة، وبالتالي قبل ذلك لا نستطيع ان نستبق الامور لا بنفي حصول الزيارة أو بتأكيدها، حيث لا توجد معطيات أكيدة حول الأمرين.
وردا على سؤال، قالت المصادر الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية: ان باريس على بيّنة تامة من حقيقة الوضع اللبناني وكل ما يتصل بملف تأليف الحكومة، خصوصا ان الملف اللبناني لم يغب عن اجندة الاولويات الفرنسية، والرئيس ايمانويل ماكرون يقارب هذا الملف كطبق رئيسي على مائدته السياسية، وفي محادثاته التي يجريها لحشد الدعم للبنان مع قادة الدول، وآخرهم قبل فترة قصيرة اتصاله المطوّل مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
ولفتت المصادر الى ان باريس ابلغت موقفها من تعطيل الحكومة الى القادة في لبنان، سواء عبر الرئيس ماكرون واتصاله قبل اسابيع بالرئيس عون، وكذلك في اتصال وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان بهؤلاء القادة، فباريس تعرف المعطلين باسمائهم، وهي تدرك الدور الاساس الذي يلعبه جبران باسيل في هذا المجال، وهذا الكلام باتت المستويات الفرنسية تصرّح به بصورة علنية، كما بات مؤكدا ان المسؤولين لا يماشون طرح الثلث المعطل في الحكومة، خصوصا وانه يناقض بصورة جذرية المبادرة الفرنسية ومندرجاتها الرامية الى حكومة مهمة اصلاحية متوازنة.
وكشفت المصادر الديبلوماسية ان إنجاح المبادرة الفرنسية هي الاولوية المتقدمة حاليا لدى الرئيس ماكرون، وثمة اشارات تتوالى مصدرها الايليزيه تجدد التأكيد على كل المستويات السياسية في لبنان على وجوب احداث خرق ايجابي على المستوى الحكومي في لبنان، والشرط الاساس لذلك هو ان يبادر هؤلاء الى ان يوفوا بالتزاماتهم، ويزيلوا الموانع المعطلة للحكومة. وهذا الخرق إن حصل، فلدى الرئيس ماكرون اجندة تحرّك وبزخم في اتجاه حشد الدعم الدولي اللازم للبنان ومساعدته على تجاوز محنته.
وعن استمرار تعطيل تشكيل الحكومة وما اذا كانت باريس بصدد اتخاذ خطوات واجراءات ضاغطة على المعطلين، قالت المصادر الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية: لقد نفد الوقت، وكل الاحتمالات واردة.