محمد شقير
قال مصدر سياسي لبناني واسع الاطلاع إنه من غير الجائز الرهان على استئناف المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الملف النووي التي تستضيفها غداً فيينا، والتعامل منذ الآن مع نتائجها على أنها ستدفع باتجاه إخراج تشكيل الحكومة اللبنانية من التأزُّم الذي لا يزال يحاصرها، وعزا السبب إلى أنها ستجري تحت سقف استمرار تبادل الرسائل الساخنة بين واشنطن وطهران التي تسعى لتحسين شروطها في المفاوضات، وبالتالي فإن تظهير نتائجها يحتاج إلى التريُّث، ولن ترى النور بكبسة زر.
وأكد المصدر السياسي لـ”الشرق الأوسط” أن مجرد الربط بين ملف تشكيل الحكومة والمفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران، برعاية الدول الخمس زائداً واحداً، يقود حتماً إلى تمديد أزمة التأليف، وهذا ما تتوخّاه إيران، بخلاف إصرار باريس على تعطيل العراقيل التي تؤخر ولادتها، وهي تلتقي حتماً مع إلحاح معظم الأطراف الرئيسية المعنية بتأليفها لوقف التدهور الذي يهدد لبنان بالزوال ما لم تتم السيطرة عليه، بتشكيل حكومة مهمة تلتزم بالمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذه.
ولفت المصدر نفسه إلى أن رهان بعضهم على أن يأتي الترياق من المفاوضات التي ترعاها فيينا، بصفته شرطاً للإسراع بتشكيل الحكومة، ليس في محله، وقال إن مجرد التسليم به يعيدنا بالذاكرة إلى رهان بعضهم في لبنان على أن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة سيفتح الباب على مصراعيه أمام تذليل العقبات التي تؤخر تأليفها، لكن سرعان ما اكتشف هؤلاء أن الأزمة اللبنانية ليست مُدرجة بصفتها أولوية على جدول أعمال الإدارة الأميركية الجديدة التي لا تعارض التدخُّل الفرنسي لإنقاذ لبنان، بخلاف سلفه الرئيس دونالد ترامب.
ورأى أن المفاوضات النووية لا تزال في بدايتها، ولا يمكن التأسيس عليها لاستيراد فائض من القوة يتيح للبنانيين التغلُّب على العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة، وبالتالي يؤدي إلى إسقاط الذرائع التي يتلطّى خلفها من لديه مصلحة في ربط تأليفها بانطلاق هذه المفاوضات، تماماً كما حصل في السابق عندما كُلّف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة.
وقال إن الظروف التي كانت قائمة في أثناء تولّي سلام رئاسة الحكومة غير الظروف التي تحيط بتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل “حكومة مهمّة”. وأكد أن تشكيل حكومة سلام تأخر لأكثر من عشرة أشهر وعشرة أيام إلى أن جاء الانفراج من توصُّل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى اتفاق في الملف النووي مع القيادة الإيرانية آنذاك، كان من ثماره إسقاط الذرائع التي أخّرت تأليفها، فيما المفاوضات الحالية ستراوح بين هبّة ساخنة وأخرى باردة لا تسمح للبنان بالانتظار لأنه لم يعد يمتلك حداً أدنى من المقوّمات للصمود في وجه الأزمات التي يتخبّط بها، والتي ستأخذه إلى الفوضى، ما لم يلتقط الفرصة التي يتيحها له ماكرون لإنقاذه.
لذلك، فإن الانفراج الذي يدعو للتفاؤل – بحسب المصدر السياسي – يقع على عاتق اللبنانيين أولاً وأخيراً، شرط الإفادة من المبادرة الفرنسية وترجمتها إلى خطوات ملموسة، بتشكيل حكومة مهمة تستعيد ثقة اللبنانيين بها، وتحاكي المجتمع الدولي طلباً لمساعدته للعبور بالبلد على مراحل إلى بر الأمان.
فالمبادرة الفرنسية باتت تحشر جميع الأطراف وتحاصرهم في الزاوية، ولم يعد في مقدورهم الرهان على كسب الوقت لتحسين شروطهم في التسوية السياسية، وهذا ما تبلغوه من باريس التي لم تنقطع عن التواصل معهم، والتي ترى أن مفتاح الانفراج بيد رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يُفترض أن يحسم أمره، بعدوله عن مطالبته بالثلث الضامن في الحكومة.
ومع أن عون لم يطالب في العلن بالثلث الضامن، فإنه في المقابل يصر عليه حسابياً من خلال الجداول التي أرسلها للحريري، والتي يحجز لنفسه عبرها – بذريعة إعادة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف والقوى السياسية – هذا الثلث على المكشوف من دون أي مواربة.
وعلى الرغم من أن عون كان أبلغ باريس عدم تمسّكه بالثلث الضامن، فإن الأطراف المعنية، وتحديداً الحريري، إضافة إلى رئيس المجلس النيابي، لم يتبلغا مباشرة بموقفه المستجد حيال تشكيل الحكومة، وإن مجرد إعلامهما بالمراسلة بتخليه عنه لا يكفي، خصوصاً أن لدى هذه الأطراف مخاوف من التفافه على موقفه لتكريس حصوله على هذا الثلث من خلال إعادة توزيع الحقائب واختيار الوزراء.
في هذا السياق، فإن الفريق السياسي المحسوب على عون، ويتصل مباشرة برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، يضغط لمنع خصومه من الحصول على نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، أو أن يكون لهم اليد الطولى في تسمية الوزيرين المسيحيين، في حال تقرر توسيع الحكومة من 18 وزيراً إلى 24 وزيراً.
وبكلام آخر، فإن هذا الفريق، وإن كان يحتسب تحديد حصة عون بـ7 وزراء مسيحيين، ووزير درزي يسمّيه النائب طلال أرسلان، فإن تيار “المردة” سيتمثّل بوزيرين ووزير ثالث محسوب على الحزب “السوري القومي الاجتماعي”، وبالتالي لمن يعود تسمية الوزيرين المسيحيين من أصل 12 وزيراً؟
ناهيك من أن عون لن يوافق على أن يكون لخصومه نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، مع أن حساباته السياسية ليست في محلها، لأنه يُدرج تسمية وزراء حركة “أمل” و”المردة” و”السوري القومي الاجتماعي” على خانة التحالف مع الحريري، وكأن هؤلاء جميعاً يأخذون قراراتهم من دون التنسيق مع “حزب الله”.
وعليه، فإن باسيل الذي يدير ملف تشكيل الحكومة من خارج المشاورات التي يُفترض أن تُستأنف بين عون والحريري، ويعود له القرار النهائي، يحاول أن تأتي التشكيلة الوزارية على قياسه، على الرغم من أنه تبلغ مباشرة بأن باريس تحمّله مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، بالتزامن مع تحرّك “حزب الله” باتجاهه لإقناعه بتسهيل تشكيل الحكومة من دون أن يضغط عليه، بعد أن أبلغ حليفه بري بأنه ضد إعطاء الثلث الضامن لأي طرف.
ومع عودة الحريري، فإن الوسطاء – وما أكثرهم – بين بعبدا وبيت الوسط يسعون إلى إعادة الروح إلى مشاورات التأليف التي يُفترض – إذا ما أُتيح لها الخروج من المراوحة – أن تتلازم مع استعداد بري لإعادة تشغيل محرّكاته، لعله يتمكّن من تذليل العقبات، وإن كان بعضهم يتفاءل خيراً باستئناف المفاوضات النووية، شرط ألا توفر ذريعة لمن يصر على إدراج لبنان على لائحة الانتظار.
“الشرق الأوسط”