غادة حلاوي
ثمانية أيام مرت منذ اطلق حاكم البنك المركزي رياض سلامة الوعد بإقامة المنصة المالية لضبط سعر الدولار، وايام اخرى تزيد عليها مرت على وعود أعطاها مصرف لبنان ووزارة المالية بتسهيل عملية التدقيق الجنائي مع الشركة المعنية بتلك العملية “ألفاريز ومارسال”. المنصة لم تنطلق بعد وسط معلومات تتوقع انطلاقتها في السادس عشر من الشهر المقبل، لكن الآمال المعقودة عليها ضعيفة في ظل تقاذف المسؤوليات وعدم نضوج التفاهم بعد بين المصارف والمصرف المركزي حول عمل المنصة. وقد تكون الانطلاقة متعثرة او تعجز عن لجم السوق والحد من ارتفاع قيمة سعر الصرف مقابل الليرة.
أما التدقيق الجنائي الذي لم تنطلق عجلته رغم مرور اشهر على اقراره فلا يزال خاضعاً بدوره للكيديات السياسية، ويدور في فلك الخلاف حول التفسير اللغوي لمصطلحي التوازي والتوازن، والمقصود به هل يشمل التدقيق حسابات مصرف لبنان والصناديق والوزارات ام حسابات مصرف لبنان والمصارف. ورغم ما أشارت اليه هيئة الاستشارات من ان المقصود هو التوازن اي بالتدقيق بكل مرفق على حدة، الا ان هذا لم يضع حداً للنقاش ما استدعى تقدم نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي والنائب ياسين جابر باقتراح قانون يقوم على التزامن ويطالب بالشروع بالتدقيق من وزارة الطاقة. خطوة يصعب عزلها عن الكباش السياسي المستحكم في البلد، والتأخير الحاصل في حسم الاتفاق مع شركة التدقيق الجنائي التي لم تحسم موقفها بعد من استئناف عملها مجدداً في التدقيق الجنائي. أمران مستغربان يقفان عقبة امام انطلاق التدقيق الجنائي، الكتب المتكررة لوزير المالية غازي وزني للشركة المعنية والتي توحي وكأن العمل معها سينطلق على اسس مختلفة، والذهاب نحو توقيع اتفاقية جديدة ببنود اضافية ما يعني الحاجة الى جلسة حكومية لاقرارها مجدداً، وهو أمر متعذر مع حكومة تصريف اعمال يرفض رئيسها تسيير اكثر من امور بسيطة.
في المقابل تكوّن انطباع لدى المطلعين ان الشركة ولاسباب معينة تصعّب شروطها وتطرح مزيداً من الاسئلة على حاكم مصرف لبنان، الذي يبدي تجاوباً معها بالحد المسموح به قانونياً. لكن بغض النظر عن الاسباب والموجبات صار الاقرب للتصديق هو رغبة الجهات المعنية في تقطيع المزيد من الوقت والمراوحة، لا سيما وان رفع قانون السرية المصرفية سبق وأقر لفترة عام فقط، ما يعزز امكانية هدر الوقت في النقاشات قبل ان يوضع التدقيق الجنائي على سكته الصحيحة. ما يعزز الشكوك بنوايا المعنيين بالملف حول الغاية من المماطلة خصوصاً وزارة المال التي يفترض ان يكون دورها اكبر في عملية تسهيل التدقيق الجنائي، وليس هدر الوقت بالكتب والاستفسارات التي لا حاجة اليها طالما سبق واقرت الاتفاقية مع الشركة المعنية في مجلس الوزراء. وتربط مصادر مالية المماطلة بخلفيات سياسية لتقول ان التدقيق الجنائي غير مرغوب به من البعض مما يعرقل مسيرته. وتبدي اوساط قصر بعبدا التي استضافت مؤخراً اجتماعات مالية لهذه الغاية استياء من التأخير في انطلاق عملية التدقيق، وهي ترصد السلوك الحاصل وتعتقد ان لا مفر من قيام التدقيق الجنائي وبالتالي فان كل تأخير بقصد العرقلة ليس إلا لإضاعة المزيد من الوقت من عمر اللبنانيين، لانه بدون هذا التدقيق، وحسب الاوساط ذاتها، تسقط المبادرة الفرنسية القائمة في الشق الاصلاحي على اصلاح الوضع المصرفي بدءاً من مصرف لبنان، ويسقط معها ايضاً خيار اللجوء الى صندوق النقد الدولي الذي لا يمكن ان يتجاوب مع لبنان من دون ان يلتزم لبنان عملياً بتحقيق الاصلاحات.
ونقلت الاوساط وجود استياء عارم لدى رئيس الجمهورية، ولو أن رئاسة الجمهورية تتوقف بارتياح عند تقدم مجلس النواب في عملية التشريع وما نتج عنها في ما يعرف بمنظومة الاصلاحات التشريعية الخاصة، باستعادة الاموال المنهوبة او غيرها من القوانين التي تساهم في مكافحة الفساد.
والمقصود هنا تحديداً اقرار مجلس النواب للقانون الرامي الى استعادة الاموال المتأتية عن جرائم الفساد. يلحظ هذا القانون آلية خاصة لاستعادة الاموال المتأتية والصندوق الوطني لادارة الاموال وهذه لم يتم لحظها في القوانين الموجودة سابقاً، ولكن الآلية يلزمها عمل دؤوب لانجازها لا سيما وقد تم ربط القانون بإنشاء لجنة لمكافحة الفساد والتي لم تنشأ لغاية اليوم، ما يؤشر الى اولى العقبات التي تعترض مسار العمل. وبالنظر الى ما يعتري تنفيذ التدقيق الجنائي من الناحية السياسية فلن يكون من السهل وضع الآلية التنفيذية للقانون والتي تدخل في صلب عمل وزارة العدل. بعض الاوساط الدستورية لا تعزل بت القانون عن حيز القرارات الشعبوية لتسأل: ألم يكن من الاجدى لو كان اقر قانون السلطة القضائية المستقلة اولاً من دون ان تنزع عن الخطوة ايجابية اقرارها بالمطلق؟
“نداء الوطن”