ملاك عقيل
في آخر إحصاء أجرته “الدوليّة للمعلومات” حول الحدّ الأدنى للأجور في لبنان كشفت الأرقام عن كارثة حقيقيّة “رفّعت” لبنان إلى مصاف الدول الأكثر فقراً في العالم مع ملامسة الحد الأدنى للأجور 72 دولاراً، أي أقلّ من دولارين ونصف الدولار يومياً.
السبب التقنيّ لذلك هو الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركيّ، أما السبب الفعليّ والمباشر فهو فشل الطبقة السياسيّة بكلّ رموزها ومرجعيّاتها في توفير “الحماية” للّبنانيّين من شرّ العوز والجوع وفقدان مدّخرات العمر.
آخر “إبداعات” الطبقة السياسية، في دفن مواطنيها وهمْ أحياء، هو تسجيل ثمن ربطة الخبز رقماً قياسيّاً بلغ ثلاثة آلاف ليرة للربطة الواحدة المخفوضة الوزن، وتحوّل البيض والدجاج إلى “كافيار” في متناول الأثرياء، والموادّ الحياتيّة الأساسيّة إلى “عملة نادرة”. أمّا أمن اللبنانيّين الغذائيّ فبات رهينة بيد المتلاعبين بالسوق السوداء. وقد حذّرت منظّمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالميّ من أنّ آفة الجوع ستتفاقم في أكثر من عشرين دولة في العالم، من ضمنها لبنان وسوريا.
وسبق لبنانَ كلٌّ من تونس (125 دولاراً)، مصر (115)، موريتانيا (111)، تشاد (110)، بنغلادش (95)، وكوبا (80). فيما تقدّم لبنان مجموعة المنكوبين بأجورهم في أفغانستان (67 دولاراً)، سريلانكا (62)، أنغولا (58)، غامبيا (37)، اليمن (35)، مالاوي (27)، أثيوبيا (26)، أريتريا (24)، والسودان (12).
كلّ هذه الأرقام لم تهزّ المنظومة الحاكمة والساقطة شعبيّاً. فحين ترتكب الجريمة الأولى يسهل جداً ارتكاب الثانية لتصبح الدولة “قاتلاً” متسلسلاً. وكان إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017، بكلفة وهميّة هي 1200 مليار ليرة وكلفة حقيقيّة تخطّت 2000 مليار ليرة، من دون إدخال أيّ إصلاحات على القطاع العامّ، المزراب الأكبر الذي تسرّبت منه أموال الخزينة وزاد من تورّم عجزها وقاد من ضمن سلسلة عوامل إلى الانهيار النقديّ والماليّ.
هي “الزودة” نفسها التي عاد أصحابها مع الغالبية العظمى من اللبنانيّين لدفع ثمنها ثمناً باهظاً جدّاً وكلّفتهم مواجهة مصير قاتم لا أحد اليوم في الجمهوريّة التعيسة قادر على التنبّؤ بحجم تداعياته وخطورته.
وفقًا لـ”الدوليّة للمعلومات” باتت رواتب اللبنانيّين من بين الأدنى في العالم وتوازي أو ربما تقلّ عن أفقر الدول، ولا سيّما أنّ “لبنان يعتمد في 90% من استهلاكه على السلع والموادّ المستورَدة، أو السلع المحليّة التي تحتاج إلى موادّ أوّليّة مستورَدة”.
فقد تراجع الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 84% بعدما كان القانون الرقم 46 تاريخ 21/8/2017 حدّد الحدّ الأدنى الرسميّ للأجور بـ675 ألف ليرة، أي ما كان يوازي 450 دولاراً، وانخفض اليوم إلى 72 دولاراً. وهو رقم قد يؤول إلى مزيد من الانكماش، إذ قد يلامس 50 دولاراً أو أقلّ في حال استقرار سعر صرف الدولار على عتبة 15 ألفاً وما فوق.
وقد تراجعت الرواتب الدنيا للعاملين في الفئتيْن الخامسة والرابعة، بعدما كان الراتب الأدنى 633 دولاراً، إلى 101 دولار فقط.
وبطبيعة الحال أصاب التراجع أيضاً الرواتب العليا فانخفض راتب المدير العامّ في الدرجة الأولى من 3.000 دولار إلى 478 دولاراً.
وسجّلت رواتب العسكريّين، وفق “الدوليّة للمعلومات”، انخفاضاً كبيراً فأصبح مثلاً راتب اللواء وتعويضاته في الدرجة 7، وهي الأعلى في القوى الأمنيّة (بعد رتبة العماد في الجيش)، تقارب 900 دولار، بعدما كانت تقارب 5.637 دولاراً. أمّا راتب الجنديّ في الدرجة الأولى، وهي الأدنى، فقد أصبح 138 دولاراً بعدما كان سابقاً 864 دولاراً.
وتراجعت رواتب القضاة الأعلى من 6.233 دولاراً إلى 995 دولاراً، ورواتب أساتذة الجامعة اللبنانيّة الأعلى من 5.617 دولاراً إلى 896 دولاراً، ورواتب أفراد الهيئة التعليميّة الأعلى من 3.497 دولاراً إلى 558 دولاراً.
وتقدّر “الدوليّة للمعلومات” أنّ 5% فقط من مؤسّسات القطاع الخاصّ لا تزال تدفع للعاملين رواتب بالدولار، وقسماً آخر وزّع الراتب مناصفةً بين الدولار والليرة، وقسماً ثالثاً اعتمد سعر 3900 ليرة للدولار لدفع الرواتب، وقسماً لم يعد يدفع سوى 50% من الراتب المحدّد بالليرة، والقسم الأكبر أبقى الرواتب كما هي بالليرة.
إنّ أكثرية العاملين في القطاع التجاريّ والصناعيّ تتراوح رواتبهم بين مليون ليرة و2.5 مليون ليرة، أيْ كانت هذه الرواتب تتراوح ما بين 666 دولاراً و1.666 دولاراً، وانخفضت اليوم إلى ما بين 106 دولارات و266 دولاراً.
ويُعَدّ العاملون في القطاع المصرفيّ من بين الأفضل من حيث الرواتب التي تدفع على 16 شهراً، وتراوح ما بين 630 ألفاً و14 مليوناً، بمتوسّطٍ يبلغ 3.4 ملايين ليرة، أي ما كان يوازي 2.266 دولاراً وأصبح اليوم 361 دولاراً.
“أساس ميديا”