كتبت صحيفة النهار تقول: بين عهد يمعن في الغرق في تهلكة محاولات فاشلة لإقصاء الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ودفعه بشتى الوسائل الى الاعتذار، وحكومة تصريف اعمال أنهكها طول مدة التقاعد النهائي التي استنزفت قدراتها وتركيبتها القاصرة أساسا عن مواجهة أعتى مرحلة مصيرية يمر بها لبنان، ووزارات باتت اشبه بسلطات ذاتية مفككة كل منها تتبع اجندة خاصة بفريق وزيرها او بسياساته الشخصية، بين هذه كلها تسللت أمس الى المشهد الداخلي عراضة دعائية مكشوفة وباهتة حملت عنوان تعويم بشار الأسد من بوابة هبة “اوكسيجين” إنسانية استشفائية مزعومة. هذه العراضة التي جرى إخراجها وتنفيذها بين وزير الصحة حمد حسن ونظيره لدى النظام السوري حسن الغباش من خلال توظيف مفاجئ لعدم التمكن من افراغ سفينة تنقل حمولة اوكسيجين للمستشفيات والاستعانة بمعونة سورية عاجلة، جاءت لتكشف مرة جديدة حالة التفكك التي باتت تعتري حكم العهد والأكثرية الراهنة، اذ ان وزراء آخرين قاموا في الفترة السابقة بزيارات مرتجلة وغير منسقة وخارجة عن اطار قرارات مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة، فيما غلب امس على هذه الخطوة طابع افتعال متعمد من خلال السرعة التي اتسمت بها حركة وزير الصحة بزيارة دمشق والتذرع بشكر سلطاتها على الكرم الحاتمي الذي أغدقته على لبنان فيما هي أي دمشق تمنع تصدير الأوكسيجين لحاجتها الملحة الى المادة في عز استفحال انتشار كورونا في سوريا. ولكن بدا من الصعوبة البالغة الأخذ بهذه الذرائع التي كذبها بداية نقيب أصحاب المستشفيات بتأكيده وجود معملين كبيرين للاوكسيجين يكفيان للحاجة الداخلية قبل ان تصدر النقابة (التي غاب نقيبها سليمان هارون عن السمع) مساء بيانا يبرر الخطوة بمواجهة احدى الشركات المصنعة للمادة مصاعب بإحضارها من مصادرها.
كما يصعب التعامل معها بمعزل عن الخلفيات السياسية التوظيفية لهذه العراضة وتوقيتها في وقت يتعرض رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب نفسه لضغوط متنامية من الفريق السياسي الذي ينتمي اليه وزير الصحة أي “حزب الله” الذي نادى سيده علناً الأسبوع الماضي باللجوء الى تفعيل حكومة تصريف الاعمال، واضطر دياب امس بالذات الى اصدار بيان “توضيحي” حمّال اوجه من هذا الموضوع. كما ان النظام السوري نفسه لم يفوت فرصة توظيف الزيارة، فاعلن على لسان وزير الصحة لديه ان “الزيارة بذاتها هي رسالة سياسية مهمة”. واذا كان العهد، بمسؤوليته عن ضبط إيقاع الدولة، لا يرى راهنا لا الانهيارات المتلاحقة ولا التفكك الهائل في واقع الدولة لان جلّ همه وأولياته استنباط الخطط اليومية لإنهاك الحريري وتعويض إخفاقاته ولا سيما منها الأخيرة في تأليب الدول المؤثرة وتحديدا السعودية على الرئيس المكلف، فأي حرج على حكومة مستقيلة مفككة يستقل فيها الوزراء بسياسات متفردة ويفتحون ديبلوماسيات خاصة بهم ؟
حركة السفير السعودي
في أي حال ومع عودة تحكم الشلل السياسي بواقع الازمة الحكومية اثر الاجتماع المتفجر الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري، تتجه انظار الأوساط الديبلوماسية والسياسية الى ما قد يصدر من توجهات ومواقف أوروبية وأميركية مشتركة محتملة حيال لبنان، في ظل مبادرة فرنسا الى طلب طرح الواقع اللبناني على الاجتماع الذي يعقده قادة دول الاتحاد الأوروبي اليوم وغدا عبر الفيديو والذي سيشارك فيه الرئيس الأميركي جو بايدن.
اما ابرز ما سُجّل داخليا امس، فكانت حركة لافتة للسفير السعودي وليد البخاري الذي التقى امس في مقر اقامته في اليرزة تباعا سفراء كل من فرنسا آن غريو والولايات المتحدة دوروثي شيا والكويت عبدالعال قناعي. واتسم هذا التحرك بأهمية لافتة لكونه جاء غداة زيارة السفير البخاري الى قصر بعبدا بناء على طلب رئيس الجمهورية والذي حاولت بعض الجهات تصوير ظروفه ونتائجه على غير حقيقتها، الامر الذي عكس ثبات ثوابت السعودية من الوضع في لبنان كما اعلنها السفير السعودي من بعبدا بالذات بمعزل عن أي محاولات لاستغلال الزيارة في اهداف العهد حيال الازمة الحكومية وشخص الرئيس الحريري.
وكان السفير البخاري اعاد امس نشر تغريدة تفيد بأن زيارته بعبدا “جاءت بعد 3 نداءات ملحّة ومتكررة من القصر”. وبذلك، تقول مصادر ان البخاري استكمل عملية إحباط مخطط الرئاسة الاولى لتصوير المملكة في خندقها.
دياب وتصريف الاعمال
وفي ظل انعدام الامال بتشكيل وشيك ومطالبة رئيس حكومة تصريف الاعمال بتفعيلها، اطل الرئيس حسان دياب ببيان اكد فيه “إن الجدل القائم حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال يؤكد الحاجة إلى تفسير دستوري يحدد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الواقع القائم الناتج عن تأخر تشكيل حكومة جديدة. وإن هذا التفسير هو في عهدة المجلس النيابي الذي يمتلك حصرا هذا الحق، كما أكد المجلس نفسه سابقا. أما بالنسبة إلى تصريف الأعمال، فإن الحكومة المستقيلة لم تتوان عن القيام بواجباتها في أعلى درجات تصريف الأعمال، ولم تتوقف عجلة العمل الوزاري في كل الوزارات، وكذلك بالنسبة الى رئاسة الحكومة”. وقال إن “الأزمة تتفاقم وتزيد من الضغوط على اللبنانيين، وتكفي مشاهد المعاناة في مختلف القطاعات، للتأكيد أن الأزمة كبيرة جدا، وتحتاج إلى تقديم المصلحة الوطنية على أي حساب آخر. تشكيل الحكومة يبقى أولوية الأولويات، ولا يتقدم عليها أي عمل اليوم، ويجب أن يتعاون جميع المعنيين من أجل إنجاز هذه المهمة الوطنية”.
من جهتها، أعلنت كتلة الوفاء للمقاومة، في بيان، ان “تشكيل الحكومة يمثل البديل الوطني عن الفوضى السائدة حالياً والتي تتهدد الجميع، وذلك بعدما ادرك الشعب خطورة الانهيار الشامل”. وشددت على “أهمية تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة رغم النتيجة الصادمة التي نتجت عن اجتماع بعبدا”،ولفتت الى ان “حكم البلاد يتطلب تعاوناً شفافاً بين الرؤساء ما من شأنه أن يُطيل عمر الحكومات، والإعتماد على الدعم الخارجي لا يكفي لإطالة عمر أي حكومة، وبناءً عليه نطلب من الجميع مراعاة أصول الحكم”.