عماد موسى
يسعى “العهد الضعيف” بشكل دؤوب ومتواصل إلى تقديم أكباش محرقة لحرف الأنظار عن واقع الحال وتحميل مسؤولية فشله في الإصلاحات والنهوض بالبلد إلى “الآخرين” الفاسدين والمعرقلين. ويعتقد أنه من خلال بعض التدابير التي يتخذها المجلس الرئاسي الدائم الانعقاد، سيعيد إلى صورته المهزوزة بعض الوضوح والضوء قبل أن تداهم الجمهورية اللبنانية العتمة الشاملة.
إكتشف أركان العهد أن السوق السوداء للدولار، أو السوق الموازية، بهمّة المنصّات والمجموعات الإلكترونية تسيء “إلى النقد الوطني ومكانة الدولة المالية”، ناهيك عن السوق السوداء للسكر والأرز والحليب التي تحرم أمثالنا من مقومات طنجرة رز بحليب.
وعلى الصعيد الشخصي، أذكر أنني شاهدت يوماً “سميي” عماد حمدي، يلعب دور حامد أفندي محمود، الساكن فوق سطح إحدى عمارات القاهرة، حامد على وشك الزواج من نجيبة بنت رجل إنخرط في السوق السوداء بالشراكة مع سي سيّد. العالق في ذهني أن حامداً، بالتعاون مع الأسطى الحلاّق يتصدّيان لسي سيد ووالد نجيبة التي أُجبرت على الزواج من شريك والدها في تجارة السوق السوداء. تقع جريمة قتل ويقتحم أهل الحارة المخازن وينتصر الحق. عنوان الفيلم “السوق السوداء” وأُنتج منتصف أربعينات القرن العشرين.
بمثل بساطة الفيلم، أيام الأبيض والأسود، يُقارب أركان العهد، الإنهيار المالي والنقدي وشح الدولار في خزنات المصارف وانعدام وجوده لدى معظم الصرّافين الشرعيين. ويرون أن ضبط جشع التجار والمحتكرين أو مطاردة المتلاعبين بالدولار في شتورة أو في العمروسية، أو إقفال منصات “التسعير” سيعيد انتظام الإقتصاد والمكانة التي كان يحظى فيها النقد الوطني أيام الرئيس فؤاد شهاب!
قبل أن يصدر العهد فرمان ضرب المنصّات ومكافحة السوق السوداء كان عليه أن ينشر دليل الشعب إلى السوق البيضاء، ويرشد الراغب مثلاً بالهجرة إلى كيفية الحصول على ثمن التيكيت باليورو أو بالدولار، ويشرح للراغب في متابعة التحصيل الجامعي، كيف يحصل على خمسة آلاف دولار بالطرق الشرعية. هل يُنصح الولد بالصعود إلى بعبدا شخصياً لسؤال أبيه المعنوي أن يقرضه دفعة على الحساب؟
سوق الدولار السوداء نتيجة وليست سبباً. نتيجة العجز عن تشكيل حكومة تحظى بثقة الدول المانحة قبل أن تحظى بثقة “صهر العهد”، ونتيجة أفعال تناقض الأقوال، ونتيجة ارتهان الدولة للدويلة وما يسببه هذا الإرتهان من عزلة دولية. السوق السوداء نتيجة نفوس سود وأفعال سود ونوايا سود وحقد أسود بالإضافة إلى وجوه سود، إذا كان كل شي ماشياً كما يجب، حدّق إليها ينقطع الرزق تماماً!
“نداء الوطن”