اعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أن تأخير تشكيل الحكومة سببه “خلافات سلطوية داخلية من جهة، ومحاولة من جانب حزب الله لاستعمال ورقة الحكومة اللبنانية فى إطار المواجهة الإيرانية مع العرب والغرب”.
وقال في حديث الى جريدة “الأهرام”: “إن الانقسامات بين الأحزاب اللبنانية هي على مستويين: الأول هو الانقسام بين أكثرية الشعب اللبنانى من جهة وبين المنظومة السياسية الاقتصادية الأمنية التي تمسك بالسلطة والمؤسسات الدستورية والشرعية وبقرارات لبنان السيادية وغير السيادية من جهة ثانية. وسببه الهوة الساحقة التي تفصل بين أداء المنظومة وبين مصالح الشعب اللبناني الحيوية وتطلعاته المستقبلية وحقوقه السياسية والمعيشية.
المستوى الثاني هو الانقسامات داخل المنظومة نفسها، وهذه الانقسامات سببها خلاف على تقاسم السلطة والمحاصصة والصفقات، ولا علاقة لها بالتنافس لتحقيق مطالب الشعب اللبناني أو باختلاف المشاريع والتصورات التنموية أو الإصلاحية أو الخدماتية أو الاقتصادية. الصراع الدائر بين أركان المنظومة يتركز على الأحجام الوزارية والنيابية والإدارية، وحول موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومن يتولاهما، والمواقع داخل منظومة السلطة يتم على هذه الأسس”.
وقال: “لبنان يحتاج فعلا إلى عملية لم للشمل، لكن هذه العملية يجب أن تقوم على أسس ومفاهيم مختلفة للعمل السياسي عما يتبعه أركان المنظومة. فما هو قائم اليوم هو صفقات وتسويات وتوزيع مناصب، فى حين أن المطلوب لم للشمل وفقا للمفهوم الديمقراطي الصحيح لإعادة إنتاج السلطة ودورية الانتخابات وسيادة الدولة اللبنانية وتطبيق الدستور والقوانين المحلية والدولية”.
وردا على سؤال عما إذا كانت هناك حاجة لإعادة صياغة اتفاق جديد، قال: “لحزب الكتائب نظرته الشاملة للإصلاح السياسي. وهو يحمل مشروعا واضحا فى هذا المجال، لأنه يعتبر أن ما هو قائم لم ينجح فى بناء الدولة التى تحاكي تطلعات الشعب اللبناني. ويعتبر أنه من الضرورة بمكان أن يتفق اللبنانيون على الأسس المطلوبة لحكم رشيد ودورة دستورية وديمقراطية طبيعية، وإدارة شفافة، ومؤسسات قضائية واقتصادية ومالية فاعلة وحضارية. ولكن كل هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق فى ظل غياب الأساسيات والبديهيات والمسلمات المتمثلة في الحرية والسيادة والاستقلال. مشكلتنا اليوم أن هناك تحالفا بين السلاح غير الشرعي والمنظومة الحاكمة معروف للجميع على قاعدة تغطية المشاريع الخارجية ومصادرة القرارات السيادية من قبل السلاح في مقابل شبكة معقدة وعميقة من أعمال نهب الدولة والشعب. ولذلك، نحن نعتبر أن المدخل لأي إصلاح سياسي وتغيير بنيوي فى السلطة يكون بتأمين الأجواء الديمقراطية والحريات المطلوبة لكي يتمكن الشعب اللبناني من انتخاب سلطة تشريعية تمثله فعلا وتعمل لمستقبله، ومن هذه السلطة تنبثق السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة وبرئيس للجمهورية يتوليان العمل على الإصلاح السياسي الذي يجب أن يقوم على قاعدة التفاهم الحر بين اللبنانيين من خلال الآليات الدستورية الطبيعية والصحيحة، لا من خلال أمور يفرضها السلاح غير الشرعي كأمر واقع، وتبصم عليها المؤسسات الدستورية فى إطار صفقة جديدة كالتي حصلت في انتخابات الرئاسة عام 2016 أو في قانون الانتخاب الأخير والانتخابات النيابية لعام 2018 والتركيبات الحكومية السابقة واللاحقة”.
وسئل عمن أعاق تنفيذ المبادرة الفرنسية ولماذا، فأجاب الجميل: “المبادرة الفرنسية أعاقت نفسها، بخاصة أنها استبعدت منذ اللحظات الأولى الانتخابات النيابية المبكرة بعد ضغوطات “حزب الله”، رغم أنها انطلقت من ضرورة إجراء هذه الانتخابات كأساس من أسس الحل. فبمجرد خروجها عن الأسس الحقيقية المطلوبة للحل، أوقعت المبادرة الفرنسية نفسها في لعبة المنظومة التي تتحكم بالسلطة وتحولت إلى نوع من الغطاء لأدائهم المعروف القائم على المحاصصة والأحجام وتقاسم المواقع”، مشيرا الى ان “المبادرة الفرنسية انطلقت كمبادرة سياسية اقتصادية إنقاذية شاملة، لكنها تحولت بفعل إفراغها من مضمونها إلى مبادرة تعالج بعض التفاصيل التقنية بمعزل عن جوهر الحل”.
وعن قراءته للخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” ورسائله ضد إسرائيل، فلفت الى أن “التصعيد ضد إسرائيل شغل آخر دقيقتين من خطاب استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة”. وقال: “لكن هذا التصعيد يترجم قرار الحزب بالقبض على مفاصل الدولة ومؤسساتها والمجتمع اللبناني، ولذلك رأينا اللغة التهديدية التصعيدية التي توجه بها نصر الله إلى الناشطين السياسيين والإعلام والإعلاميين وصولا إلى القوى السياسية والفاعليات المعارضة لنهج الحزب ومشاريعه”.
وعن تفريق حزب الكتائب كما الاتحاد الأوروبي بين “حزب الله” كمقاومة وبين فصيله السياسي فى البرلمان، قال: “من حيث الشكل نحن لا نربط موقفنا بالموقف السياسي أو بمصلحة أي جهة دولية بل بمصلحة لبنان وشعبه وبالدستور والقوانين اللبنانية والدولية. من هنا فإن موقفنا واضح وهو أن مهمة الدفاع عن لبنان ومقاومة أي خطر خارجي تقع حصرا على الدولة اللبنانية من خلال مؤسساتها الدستورية الشرعية فقط. وكل نشاط خارج الدستور والقوانين المحلية والدولية هو نشاط غير شرعي نرفضه جملة وتفصيلا”.
أما عن مسؤولية التيار الوطني الحر في ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، فاعتبر الجميل أن “التيار كان جزءا من السلطة ولا يزال”. وقال: “تولى وزارات حساسة تفوح منها رائحة الهدر والفساد والصفقات، وهو في رئاسة الجمهورية منذ أربع سنوات. كل هذه المعطيات وغيرها تجعل منه مسئولا أساسيا ضمن المسؤولين عما وصلت إليه الأمور بالتكافل والتضامن مع باقي فرقاء التسوية الرئاسية”.
وردا على سؤال عن السيناريوات التي يتوقعها في حال رفض رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، لفت الى أن “لبنان في منحى انحداري خطير، وكل تجاهل لمطالب اللبنانيين بحكومة مستقلة فعلية هو مضيعة للوقت. أما عراقيل المنظومة المتبادلة فهي مصطنعة، ومن شأنها تأجيج العصبيات المذهبية والطائفية في البلاد لتبقى على نفوذها قبيل سنة على الانتخابات النيابية”.
وعما إذا كان التحالف بين التيار وحزب الله يمكن أن يستمر حتى الانتخابات الرئاسية، ويترشح باسيل خلفا للرئيس عون، قال: “هناك خلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن لا علاقة له بجوهر اتفاق مار مخايل الشهير الموقع عام 2006 والذي يقوم على تغطية سلاح الحزب من جانب التيار من موقعه الحزبي أو من موقعه الرسمي في السلطة. لكن الخلاف الحالي هو عبارة عن لعبة شد حبال وعض أصابع على علاقة بمحاولة جبران باسيل انتزاع التزام من حزب الله بتبني ترشيحه للرئاسة لخلافة عمه العماد ميشال عون، وكما هو معروف فإن موضوع الرئاسة بالنسبة لحزب الله مرتبط باعتبارات وحسابات إقليمية ودولية تخص الحزب وليس بطموحات النائب جبران باسيل، ولا أعتقد أن التيار الوطني الحر بصدد إنهاء تحالفه مع “حزب الله” أيا تكن التباينات، كذلك لا أرى أن “حزب الله” هو الآخر سيفعل ذلك، حتى حديثهما عن اختلافات وخلافات يندرج فى إطار تحسين المواقع، وليس في إطار الخلاف الإستراتيجي في شأن السيادة والحرية والاستقلال. بكل أسف المنظومة السياسية وفي مقدمتها التيار مستمرون في سياسة التنازل عن السيادة لحزب الله فى مقابل مواقع سلطوية”.
أما عن أحداث طرابلس الأخيرة وما إذا كان فيها تدخل خارجي لعرقلة الحريري وليس احتجاجا على تردي الأوضاع، قال: “في طرابلس ولبنان جوع حقيقي، وشعب يعاني الفقر وغياب رعاية الدولة، ويتعذب ويموت من عجزه عن العلاج، والمنظومة فى المقابل تواصل سياسة الإنكار وعدم الاعتراف بالواقع وتحاول تضليل الرأي العام المحلي والدولي بتصوير الأمور وكأنها نتيجة مؤامرات خارجية.
نحن لا ننفي إمكان حصول تدخلات لاستغلال غضب الناس، ولكن الأساس هو سياسة الدولة التي تهمل اللبنانيين وتركز على تأمين مصالح المنظومة السياسية والفئوية والحزبية والشخصية والسلطوية”.
وردا على سؤال عن سبب توقف عملية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، قال: “بكل صراحة لأنها لم تنطلق من مصلحة لبنان، ولا بنيت على أساس السيادة اللبنانية، وإنما جاءت بهندسة من “حزب الله” لكسب الوقت عشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومع سقوط ترامب في الانتخابات الأخيرة، تراجع حزب الله ومعه المنظومة الحاكمة عن التسهيلات والسياسات المرنة السابقة وعدنا إلى توظيف هذا الملف كغيره فى لعبة شد الحبال بين إيران والولايات المتحدة”.
أضاف: “من المؤسف أن لبنان اليوم رهينة، وقد تحول إلى ورقة تفاوض، وبالتالي فإن لبنان فاقد سيادته في الوقت الحالي وهو غير قادر على اتخاذ أي قرار ذي طابع سيادي بصورة مستقلة تأخذ في الاعتبار مصالحه العليا. بالتالي فإن مواضيع المفاوضات الإقليمية والدولية ونتائجها ومساراتها مرتبطة بمشيئة إيران وحزب الله”.
وعما إذا كان لبنان عاد من جديد إلى زمن الاغتيالات السياسية بعد مقتل لقمان سليم، أشار الجميل الى أنه “لا يمكن الحديث عن عودة الاغتيالات وإنما عن استمرارها، إذ أصبحت بكل أسف أسلوبا من أساليب السيطرة على لبنان وإسكات شعبه وترهيب قياداته وإخضاع دولته”.