ليليان خوري
بعدما استنفدت البطريركية المارونية مبادراتها ووساطاتها بين السياسيين، وبعد اعلاء الصوت مراراً في عظاتها الأسبوعية نتيجة انهيار الوضعين السياسي والإقتصادي، لم تجد بكركي سوى الطريق الدولي للولوج فيه من اجل عقد مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، بعدما اصطدمت بحاجز اسمنتي من الرفض تبعاً لتبريرات الأفرقاء وقناعاتهم.
نوايا البطريركية لا تستدعي اختباراً في الوطنية او فحصاً في العيش الواحد الذي لطالما أظهره سيّد بكركي في مواقفه وعظاته الجامعة والتشاركية.
الهدف من المؤتمر كما يرشح من الدعوة جملة نقاط منها: ضمانة مطلوبة للوجود اللبناني تمنع عنه التعدي او المس بشرعيته. الحد في تعددية السلاح، معالجة غياب السلطة الدستورية في البّت بالخلافات، وبالتالي سدّ الثغرات فيما يتعلّق في اعتماد التعطيل “كموضة دارجة” عند كل استحقاق خصوصاً انتخاب رئيس الجمهورية او تشكيل حكومة جديدة.
تتالت المواقف على مبادرة البطريرك، ففي حين رشح عن موقف التيار الوطني الحر عدم رغبة في تدويل الأزمة من اجل اعطاء المبادرة الفرنسية فرصة إضافية، خصوصاً بعد تحرّك كثيف فرنسي في كل الجهات قد يأتي بنتائج مشجعة، فالانتظار قليلاً قد تكون كلفته اقلَ من تدويل الأزمة في اروقة دول لن تكون بمنأًى عن مصالحها لاسيّما وان مؤتمرات دولية سابقة لم تفلح او تنجح في مهمّاتها.
الموقف اللافت كان لحزب الله على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله حول رفضه التدويل بلغة حادة مما استدعى ردوداً من كثيرين للدفاع عن البطريرك، وان كان تقصّد النائب أنور الخليل اكثر.
المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رأى أن “الدعوة الى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل إنقاذ لبنان كما يدعى إنما هي إجهاز بشدة على صيغة لبنان، فسيادة لبنان ليست صيحة موضة، ساعة نشاء نلبسها وساعة نشاء نخلعها”.
بيانات وبيانات مضادة شهدها هذا الأسبوع وسيشهدها الأسبوع المقبل خصوصاً بعد ان حمل يوم السبت زحفاً كبيراً شهدته طرقات بكركي لمؤيدين من سياسيين وأحزاب وثوار من المجتمع المدني من مختلف المناطق لدعم موقفها الداعي الى التدويل بعد ان أضحى البطريرك الراعي الأمل الوحيد لغالبية الشعب من اجل الخلاص .
المشكلة ليست في طرح البطريركية ولا في نوايا سيّدها خصوصاً وانه ينطلق من دوافع وطنية وخوفاً على الكيان اللبناني الذي يضّم في كنفه المسلمين والمسيحيين.
الخوف هو من الإستغلال السياسي لطرح بكركي ومن الذين يدعمونها ويرجون من المؤتمر عكس ما ترجوه بكركي نفسها.
مصدر مقرّب من بكركي يقول إننا لسنا بموقع القبول بإملاءات دولية اذا كانت تتعارض مع وحدتنا الداخلية فالتوطين مثلاً مرفوض من قبلنا ونحن لا نسعى لحرب اهلية من خلال هذا الطرح. وهذا كلام مطمئن للشريك الآخر لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما جدوى اخراج ازمتنا الى الخارج خصوصاً وان من بين النقاط المطروحة اعلاه من الدعوة مثلاً سدّ الثغرات الدستورية لجهة التعطيل في الإستحقاقات، نقاطاً سبق للوزير جبران باسيل ان طرحها في مؤتمر صحفي سابق حين طالب بوضع مهلة زمنية لرئيس الجمهورية لجهة الإستشارات ولرئيس الحكومة لجهة التشكيل، قوبلت بالرفض ممن يؤيدون البطريركية اليوم. هل سيستطيع المؤتمر الدولي ان يفرض هذا الأمر اذا كان لن يحظَى بقبول داخلي عليه؟ هل سيبحث في بعض بنود الطائف التي تثير ريبة المسيحي والمسلم على حد سواء ام سيبقى من المحرّمات؟
يتابع المصدر ان المؤتمر ليس موجهاً ضد حزب الله ونحن لا نشك بنوايا بكركي. لكن قد يسأل الطرف المتخوّف من التدويل ما المقصود بتعددية السلاح؟ وهل اذا طالب المؤتمر بتوحيد السلاح او نزعه ممن يملكونه هل سيخوض لبنان هذه التجربة؟ طبعاً بكركي لن تقبل وليس هذا ما تريده.
فما الجدوى اذاً من الدعوة الى انعقاد مؤتمر دولي ما زال في الأساس لا يحظَى بإجماع لبناني حوله لا بل قد يخلق فُرقة بين مكوّناته ليست مطلوبة اليوم؟ وهل نستطيع تنفيذ اتفاقات دولية خارجية في الداخل اللبناني اذا كانت لا تحظى بتوافق كامل عليها والأمثلة عديدة في التاريخ الحديث.
النقاط الواردة في الدعوة محقّة انما تحقيقها في الداخل وعلى طاولة لبنانية بنوايا صافية وارادة صادقة مطلوبة اكثر في هذه الأيام، خصوصاً وان الإنقاسامات كبيرة بين الأطراف، لدرجة وكما يقال “قسمنّا اللي ما بيتقسّم” وبتنا فتاتاً فتاتاً.
ان الإمتثال لتوصيات خارجية قد تكلّفنا اكثر مما نحن فيه، واستيعاب لغة أجنبية جديدة قد يكون صعباً اليوم.
من أجل ذلك علينا جميعاً ان نعود الى وطنيتنا والى الداخل اللبناني، ونتحاور في لغتنا الأم فمفرداتنا اللبنانية مفهومة اكثر والضيافة اللبنانية مضرب مثل
خطاب سيّد الصرح في الأمس واضحاً وشاملاً لا يحمل تفسيرات جانبية او تبصير لفهمه وجاء معبراً عن فئات الشعب اللبناني برّمته الذي يلتقي على نقاط ويختلف في نقاط قليلة أخرى وهنا تكمن أهمية كلام البطرك انه يحمل هواجس الجميع.
حسناً فَعَلَ سيد بكركي حين هزّ ضمائركم قليلاً، علاّ وعسى أن تركنوا الى انسانيتكم وتجلسوا الى طاولة لبنانية صرف، تتصارحون وتتفقون دون الحاجة الى آخر غريب قد لا نفهم عليه او يفهم علينا.
خاص موقع “ML”