رحيل دندش
«تقوية المناعة» كلمتان «سحريتان» أدّتا الى ارتفاع جنوني في الطلب على بعض المتممات الغذائية، منذ ظهور وباء «كورونا»، للاعتقاد بأنها السبيل الوحيد المتوافر للوقاية من المرض. يكفي أن تطلب من الصيدلي «أدوية الكورونا»، حتى يناولك «تحويجة» بـ100 ألف ليرة، تتضمن متممات من الزينك وفيتامين «د» وفيتامين «س» وغيرها من الفيتامينات والمعادن، لتناولها «على صحة السلامة»، باعتبارها منتجات «طبيعية» لا مضارّ لها، قادرة على زيادة مناعة الجسم وتحصينه من الفيروس أو، في الحد الأدنى، تخفيف حدة العوارض في حال الإصابة وتسريع عملية الشفاء.
وقد سجلت مبيعات المتممات الغذائية ارتفاعاً كبيراً عام 2020 مقارنة بعام 2019. فبحسب استطلاع أجراه المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء، زاد مبيع الفيتامين «س» الذي يعتبر مقوياً لجهاز المناعة بين 15 و20 في المئة، ومبيعات الزينك الذي يستخدم كعلاج للرشح والأمراض التنفسية بأكثر 100 في المئة. الزيادة انسحبت على الفيتامين «د» والفيتامينات المتعددة (مالتيفايتمين) للأطفال. وعمد كثيرون إلى تخزين المتممات والأعشاب والمستخلصات الطبيعية من مصادر عشبية، مثل زيت الاوريغانو وزيت السمسم وغيرهما من المنتجات التي يجري الترويج لها كـ«مصادر طبيعية»، إلى جانب العلاجات المعتمدة لعلاج الزكام والرشح والأنفلونزا.
في دراسة نشرتها دورية «الجمعية الطبية الأميركية» (JAMA) في 12 الشهر الحالي وشملت 214 شخصاً شُخّصوا بإصابتهم بفيروس «كورونا»، تبيّن أن إعطاء هؤلاء جرعات عالية من غلوكونات الزنك أو حمض الأسكوربيك (فيتامين س) أو مزيج منهما، لم يقصر من مدة الأعراض المصاحبة للفيروس مقارنة بالرعاية المعتادة.
نقيب الصيادلة، غسان الأمين، أكّد لـ«الأخبار» أن «لا دليل مثبتاً على أن تناول هذه المتممات يسهم في علاج كورونا… لكن تأكيدات الأطباء أنها تزيد المناعة تؤدي الى التهافت على شرائها». غياب الدليل العلمي على فاعلية هذه المتممات، تؤكده أيضاً عضو اللجنة العلمية في المركز الوطني الدكتورة مها حطيط، «وبالتالي، لا يمكن الجزم بأنّها تساعد على الوقاية من فيروس كورونا لمجرّد أنّها تظهر بعض الفاعلية في محاربة الرشح والزكام». ونبّهت إلى أن «كثيرين يعتقدون أن هذه المنتجات إذا ما نفعت ما بتضر، غير أنها يمكن أن تعرضهم لمخاطر كثيرة قد تكون قاتلة في بعض الأحيان»، إذ إن استهلاك الزنك بكميات كبيرة يؤدي إلى تعطيل امتصاص الجسم للنحاس ويزيد خطر الإصابة بفقر الدم. أمّا الفيتامين «د» الذي قد يسهم استهلاكه بكميات معتدلة في تخفيف خطر التقاط عدوى الرشح والزكام فيحتاج إلى مستويات صحية من المغنيسيوم لامتصاصه، واستهلاكه بجرعات كبيرة قد يؤدي إلى التسمّم، فضلاً عن أن تناول هذه المكملات من دون إشراف طبي وإجراء فحص دم قد يتسبب في أضرار للكلى والكبد والجهاز العصبي والجلد. حطيط لفتت، أيضاً، إلى أنّ الفيتامينات والمعادن والمتممات العشبية قد تتداخل مع الوصفات الطبية، ما يؤدي إلى تراجع فاعلية بعض الأدوية، وقد يزيد أو يقلل عمل الأدوية المسيّلة للدم لمنع التجلطات، ما يشكل خطراً محدقاً».
إلا أن الأمين يقلّل من هذه «الأخطار»، لأن «زيادة المتممات مثل قلّتها»، لافتاً الى أن المتممات تباع في فرنسا، مثلاً، في الـ«ميديكال شوب»، وهي لا تحتاج الى وصفة طبية، فيما «حصر بيعها في لبنان بالصيدليات لئلا يستعملها الناس بشكل مفرط وحتى يشرح الصيدلي للمريض طريقة الاستعمال».
ورغم وجود لجان في وزارة الصحة مهمتها متابعة المكملات الغذائية في السوق، غير أن التقارير حول الآثار الضارة المسجلة للعقاقير لا تشملها. ووفق حطيط، فإن «غياب خطة تغذية احتراسية على شكل برنامج لحماية صحة المستهلك هو ما يغيّب تقييم خطورة الاستهلاك العفوي التي يسببها سوء استخدام المتممات الغذائية والمفاهيم الخاطئة التي تنتج عنها مخاطر صحية كبيرة».
“الأخبار”