“غادة حلاوي”
واضح أن تشكيل الحكومة لم يعد اولوية، حتى انه خرج من دائرة البحث. لا اتصالات ولا وساطات. يقضي الرئيس المكلف اوقاته ذهاباً واياباً، متجولاً بين هذه الدولة وتلك ويستعد للمغادرة مجدداً، وبعض مقرّبيه يستفسرون منه عن نتائج ايجابية لم يلمسها بعد. ليس وحده من ينتظر اشارة خارجية، بل كل المعنيين بالملف الحكومي، المتباعدين الى حد الخصومة ممن يتمترسون خلف جبهات خلاف يصعب حلها. الغريب ان احداً ليس بوارد احتساب الاشهر التي مرت على الحريري مكلفاً، ولا من يحاسب او يسأل ما الجديد وعلامَ التعويل؟ حتى رؤساء الحكومات السابقون لم يعد يُسمع لهم صوت ولو على سبيل التذكير بوجود ناديهم. وبعض الخصوم يستغرب التعويل على الرجل الذي لم يعد يملك ما يمكن الرهان عليه. وبينما تنتظره بعبدا يستعد الحريري لحزم حقائبه والمغادرة مجدداً. كثر معه في الداخل، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “المردة” سليمان فرنجية وغيرهم، لكنهم جميعاً لا يشكلون بالنسبة له حصناً حصيناً لرئاسة الحكومة. عين الداخل على الحريري وعينه تبقى على المملكة السعودية.
يختصر احد المطلعين عن كثب على الموضوع الحكومي المشهد بالقول ان ابواب السعودية لا تزال موصدة بوجه الحريري رغم المحاولات، وهو ينتظر المحاولة الاخيرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيزور المملكة في موعد رآه البعض قريباً فيما استبعده آخرون قبل نهاية آذار المقبل.
يراهن الحريري على ان ماكرون يمكن ان يفتح له باباً لأن وضع السعودية مع اميركا في حالة برودة، ويمكن للفرنسي ان يلعب في الوقت الضائع بين الاميركيين والسعوديين. كلما ابتعد الاميركي تقرّب الفرنسي الى السعودي على اعتبار ان السعودية بحاجة للفرنسيين حالياً. ينقل عن صديق للمملكة زارها قبل ايام ان لبنان لم يعد مدرجاً على جدول اهتمامات السعودية، ونقلاً عن مناخات الرياض فإن التعويل على زيارة ماكرون لن يؤتي أكله، فالزيارة قد لا تعود بالمنفعة وتسهل مهمة الحريري لان جزءاً من قرار الرئيس المكلف لا يزال، بتوصيف السعودية، عند “حزب الله”، ولذا فالمملكة ليست بوارد التنازل لـ”حزب الله” في لبنان في اطار الكباش الايراني الاميركي. أحد الديبلوماسيين الخليجيين طرح سؤالاً على شخصية سياسية التقته مفاده ما الذي يدفع اللبنانيين الى الاصرار على الحريري؟
في المقابل يتلقى الحريري دعماً مصرياً واضحاً لكنه ما زال غير قابل للترجمة لدى السعوديين، أما الامارات فإن علاقتها مع السعودية باتت على القطعة. كل الابواب طرقها الحريري وتعويله على الباب الفرنسي لعله يؤمن له مدخلاً آمنا الى المملكة، في وقت يسعى الفرنسي الى الحفاظ على دوره وحضوره في لبنان بشتى السبل وعينه على مصالحه الاقتصادية في المرفأ والنفط والاتصالات والكهرباء وغيرها. تغاضى عن حكومة المهمة وصار يريد تثبيت وجود حكومة تجنباً لفشل دوره ومبادرته. وهذا ما يستشف من خلال التواصل المستمر بين الفرنسيين والجهات المعنية بالحكومة.
ترصد العين الاميركية الحراك الفرنسي عن كثب ولا تراه يخرج بنتائج. حتى هنا العلاقة تغيرت بين ادارة اميركية في بداية عهدها واخرى فرنسية في نهاية عهدها. يدخل الرئيس الفرنسي انتخابات فرنسية ابتداء من نهاية ايار المقبل على وقع جملة ازماته الداخلية وتدهور اقتصاد بلاده، وقد اصبح ماكرون على مشارف نهاية عهده الرئاسي فلماذا يسلّف الاميركيون رئيساً ليس مؤكداً انتخابه لولاية جديدة؟
كل ذلك يعني ان مسار الحكومة خارجياً مجمّد وأي كلام آخر عن ثلث معطل وغيره يدخل من باب استهلاك الوقت. الاساس ان الاميركي والإيراني غير مستعجلين على تشكيل حكومة شراكة في لبنان قبل نضوج ووضوح صورة المفاوضات حول الاتفاق النووي وهو الاهم، بينما تريد باريس حكومة كيفما كان.
ربما كان خيار الحكومة مطلوباً على جسر تقاطع الاختلاف الاميركي الفرنسي، والمواقف الداخلية ليست سوى تظهير وانعاكسات لهذه الوضعية. واذا كان “التيار الوطني الحر” والرئيس ميشال عون يعاندان بموضوع الحصص فهي محاولة منهما لضمان دور على طاولة المفاوضات، فيما الحريري ليس بوارد ترك فرصة تشكيل الحكومة بشروطه كونها الفرصة الاخيرة له ليكون على خط التقاطع الفرنسي السعودي. أما “حزب الله” فيتمسك بالحريري الذي يعتبره وسيطاً، ويحرص على علاقته مع “التيار الوطني الحر” الذي يسلمه كل اوراقه، وقد انعكس ذلك من خلال خطاب رئيسه جبران باسيل الاحد الماضي. يهم “حزب الله” تشكيل حكومة انما ليس حكومة صدامية. يفضل إبقاء حكومة تصريف أعمال تنازع، على تأليف حكومة لا يعرف نتائج تشكيلها، وتوقيته لبدء العمل الجدي مرتبط على ما يبدو بعقارب ساعة بدء مفاوضات ايران مع الاميركي… وكثير من الأحيان تكون المراوحة عملاً سياسياً مقصوداً في إطار الضغط.
“نداء الوطن”