“أخبار البلد”
علا السِّجال واحتدَّ خلال الأسبوع الماضي حول مسألة حياد لبنان والمؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة، اللذين دعا إليهما البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. فقال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، إنّ “هذه الدعوة تؤدي إلى حرب أهلية، وما حدا يمزح بهالموضوع”. وهو لطالما كرَّر أنه ضد التدويل في المطلق، منذ موقفه من المحكمة الدولية الخاصة لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ووصل به الأمر إلى تخوين البطريرك وتبطين التهديد فتصل الرسالة من غير أثمان. لكن بكركي ردّت بحزم… ومشت.
وأمس دخل على خط المواقف المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان دالياً بدلوه، ومعتبراً “الدعوة الى عقد مؤتمر دولي إنما هي إجهازٌ بشدة على صيغة لبنان، فسيادة لبنان ليست صيحة موضة، ساعة نشاء نلبسها وساعة نشاء نخلعها”. وبين هذا وذاك كان الموقف الملتبس لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي مرّر الرسائل وترك الأمر لِمَا سيصدر عن اجتماع التيار اليوم. فهو لا يستطيع مخالفة دعوة البطريرك وبالتالي تحقيق مزيد من الخسارة في الشارع المسيحي في وقت تتحضّر وفود شعبية للتوجه السبت إلى بكركي دعماً لمواقف الراعي، ولا يريد تأييده وخسارة ود ودعم حليفه حزب الله. https://if-cdn.com/tOO8Utt
ومن البديهي أن يكون نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم مغرِّداً ضمن السرب، إذ قال “نحن في حزب الله لبنانيون حتى النخاع، والحل أن نكون في محور المقاومة الذي ترعاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. ومن هنا يخرج السؤال: كيف يكون الحياد مرفوضاً، والمؤتمر الدولي مساساً بالسيادة، ولا يكون وضع لبنان في رعاية إيران عين هذا الإنتقاص؟ والسؤال الأكثر جوهريّة ودقّة: إذا كان بعض البلد طالَبَ بالحياد وخوِّن، فماذا لو قال هذا البعض نحن لبنانيون حتى النخاع والحل أن نكون في المحور الذي ترعاه الدولة كذا؟ ماذا كان ليقول الشيخ نعيم قاسم وغيره؟ وأين يصبح البلد وسط تجاذب رأسَي الحبل بين هذا وذاك؟
هذه المعادلة تؤكِّد أكثر فأكثر على أن الحياد هو الحل. الحل لوقف التجاذب والإنقسام. والحل لإعطاء فرصة بناء دولة. وتؤكد أن “حزب الله” لن يتخلّى عن لبنان الورقة والمشروع، لصالح لبنان الدولة والوطن. وتؤكد استطراداً ألّا حلَّ لهذه المعضلة بعدما بات بعض القوى مرتهناً له، وبعضها صاغراً ومتردداً، وبعضها يحاول التصفيق بيد واحدة بلا صدى الصوت إلا إذا لاقتها اليد الدوليّة.
ومن هذه المعادلة يتكرّس ويتأكّد أن الأزمة اليوم هي أزمة وطنية كيانية تمس جوهر الدولة ونواة النظام. ليست المسألة مجرّد اختلافٍ في الرأي بين مرجعيتين، ولا انقساماً فئوياً حول طريقة بناء الدولة. هي بكل وضوح أن تكون الدولة أو لا تكون، وقد بلغ بها الإنهيار حد الزوال، والإمساك بعنقها حد خنقها لتقاسم الميراث. العقدة اليوم أنَّ حلَّ الأزمة اللبنانية لم يعد بيد اللبنانيين. فهم جرّبوا الثورة متضامنين وفشلوا، وجرّبوا مع الرئيس حسان دياب حكومة موصوفة بأنها حكومة اختصاصيين وفشلوا، وجرّبوا مع السفير مصطفى أديب تشكيل حكومة بروح المبادرة الفرنسية ولم تُشَكَّل، وتُعاد التجربة مع الرئيس الحريري، وليس ما يوحي بتشكيل قريب… فكانت مبادرة البطريرك. خصوصاً مع ظهور مؤشرات حول مخاطر التأزيم وما يحمله الآتي من الأيام.
ومع بلوغ هذا التأزّم أقصى ذروته، وامتلاء الأسبوع الحالي حتى السبت بمجموعة من الزيارات إلى بكركي بينها وفد تكتّل “الجمهورية القويّة” الأربعاء، ووفد “لقاء لبنان المحايد” الخميس ووفود متعددة الجمعة وصولاً إلى حشود السبت، يَخشى دبلوماسي عربي في بيروت أن يسلك الوضع تباعاً منحىً تصاعدياً في حدّة المواقف ورسوخ الإنقسام ومحاولات التوظيف الأمني، بانتظار أن ينفجر فينفرج!