قد يكون أفضل ما ميّز مبادرة رئيس الحكومة المكلف #سعد الحريري في #الذكرى الـ16 لاغتيال الرئيس الشهيد #رفيق الحريري، انه اختار المناسبة الأكثر تعبيرا في رمزيتها ووقعها ودلالاتها ليطرح امام الرأي العام اللبناني المكاشفة الخالصة بالوقائع التفصيلية حول مخاض #تشكيل الحكومة. للمرة الأولى منذ تكليفه في 22 تشرين الأول أي بعد ثلاثة اشهر وثلاثة أسابيع أخرج الرئيس الحريري المسار المعقد لتشكيل الحكومة في ظل الافتعالات المتمادية لتعطيل الولادة الحكومية من قنوات التسريب الاستنسابي والسجالات والاتهامات العقيمة وبسط الوقائع امام اللبنانيين، الامر الذي يمكن اعتباره تطورا مفصليا سيتوقف على رصد تداعياته وردود الفعل الضمنية لا الإعلامية عليه فقط، وترقب التأثير الذي سيتركه على الازمة سلبا ام إيجابا. واذا كان بديهيا ان تتسم ردة فعل بعبدا على خطوة الحريري بالسلبية الفورية، فان ذلك لا يحجب واقع ان لا الحريري بلغ في المكاشفة العلنية الأولى بهذا الحجم حدود “كسر مزراب العين” مع رئيس الجمهورية ميشال عون، اذ اكد استعداده الدائم للمضي في محاولات الاتفاق على التشكيلة الحكومية، ولا ردّ بعبدا اعتمد التفاصيل المنتظرة منه اذ جاء مقتضبا جدا بما يعني أن ما أورده الحريري من وقائع لا يحتمل أي شك في حقيقته وهو الذي رفع صورة نسخة ملونة بأسماء الوزراء الذين اقترحهم الرئيس عون عليه، ولو لم يكشف أسماءهم. وتبعاً لذلك، ستتسم الأيام القليلة المقبلة بأهمية رصد الحركة المتصلة بالمشاورات السياسية، علما ان ابرز الرسائل الخارجية التي بات الجميع في أجوائها والتي لم يخفها الحريري تتعلق بان معايير التشكيلة الحكومية التي وضعها هي معايير المبادرة الفرنسية نفسها التي تحظى بدعم دولي ولن يكون ثمة أي امل بدعم خارجي لإنقاذ لبنان من الانهيار الأكبر الا من خلال هذه التشكيلة.
”كمية الكذب “
والواقع ان الحريري مهّد لهذه المكاشفة أولا بالردّ على مهاجمي الحريرية السياسية التي اكد انها “أوقفت الحرب الاهلية، وأعادت لبنان إلى الخريطة، وعمرت بيروت، وبنت مستشفيات حكومية والجامعة الوطنية والمدارس الرسمية، والمطار، وأتت بالمستثمرين والسياح إلى البلد … وسؤالي الوحيد: أنتم ما هي إنجازاتكم؟ ما الذي فعلتموه للبلد وللناس في البلد؟”. وتناول الملف الحكومي بإسهاب ليرد على ما وصفه بـ”كمية الكذب والافتراء والخرافات التي رميت منذ أن اختارني النواب لتشكيل الحكومة”. وفنّد في شكل خاص اتهامه بانه تعدّى على صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية، وعلى حقوق المسيحيين، ”لأني لم اسمح لفخامة الرئيس أن يختار الوزراء المسيحيين تحديدا الذين يريدهم”. وقال “أنا ذهبت وقابلت فخامة الرئيس 16 مرة منذ أن تم تكليفي. وفي المرة الثانية، أعطاني لائحة، بالألوان، لكل الاسماء التي يجدها مناسبة برأيه للتوزير.. فخامة الرئيس شخصياً سلمني هذه اللائحة باليد. بعد 14 جولة تشاور ومحاولات إيجاد الحلول ذهبت إليه وقدمت له اقتراح تشكيلة من 18 وزيرا من الاختصاصيين، غير حزبيين، القادرين على أن ينفذوا كفريق متكامل، الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت، وإعادة الأمل للبنانيين. ونعم، في هذه التشكيلة ليس هناك ثلث معطل، أي 7 وزراء لأي طرف من الاطراف. ودعوني أكون واضحا: عن هذه النقطة لا تراجع، لأن الثلث المعطل يعني أن كل قرار مهم تأخذه الحكومة، وتنتظرها قرارات مهمة كثيرة، يجب أن نعود إلى صاحب الثلث، ونفاوضه، ونقايضه. وفي أسوأ الاحوال، صاحب الثلث قادر أن يمنع النصاب أو حتى أن يقيل الحكومة باستقالة وزرائه”. وأضاف” اعتبرت أن لفخامة الرئيس 6 وزراء، علما أن التيار الوطني الحر لم يسمني، واحد منهم من الطاشناق، الذي نوابه هم اعضاء في تكتل لبنان القوي، ويصوتون كل مرة مع التكتل في المجلس النيابي. ومن الخمسة الباقين، 4 أسماء، تنطبق عليها مواصفات الاختصاص وعدم الانتماء الحزبي والكفاءة، اخترتها من لائحة فخامة الرئيس، اللائحة الملونة، ما غيرها، والخامس شخصية محترمة، اختصاصية، غير حزبية، مقربة من فخامة الرئيس وسبق وطلب مني شخصيا أن أدعم ترشيحها لمنصب مرموق، تستحقه وأكثر. وفوق ذلك، اقترحت في التشكيلة نفسها، لوزارة الداخلية اسم قاض معروف، مشهود لكفاءته ونظافته، وسبق أن حكم ضد تيارنا السياسي بالقضاء، ومقرب جدا، جدا من بعبدا، .. بس مشكلتو بيقول لأ! وبدل أن يدعو فخامة الرئيس الرئيس المكلف، ويعطيه ملاحظاته على التشكيلة، بحسب ما ينص عليه الدستور والمنطق ومصلحة البلد واللبنانيين، جاء الجواب بالإعلام، بالخطابات بالتسريبات، أنها مرفوضة”.
وتابع: ” من ينتمي لمدرسة سياسية، استشهد من 16 سنة في مثل هذا اليوم مؤسسها، رفيق الحريري، وهو يقول: “وقفنا العد، والمسيحيون نص الدولة، شو ما كانت الاعداد”، وحتى اليوم نكرر: وقفنا العد فليس لسعد رفيق الحريري تهمة الاعتداء على حقوق المسيحيين. ومنذ يومين، ذهبت إلى فخامة الرئيس وقلت: إذا كنت تريد تغيير أسماء بين الحقائب الخمسة فقل لي. انا جاهز. وأكثر من ذلك. قلت له، إذا كنت لا تريد الاسم الذي اقترحته لوزارة الداخلية فأنا مستعد أن أقترح على فخامتك 3 او 4 اسماء لهذه الوزارة وأنت تختار الأنسب لك من بينهم. أين الاعتداء على صلاحيات الرئاسة لا سمح الله؟ وأين الاعتداء على حقوق المسيحيين لا سمح الله الف مرة؟ سؤالي: أين كنتم أنتم من حقوق المسيحيين حين بقيت الرئاسة شاغرة حوالي 3 سنين؟ هذا الكلام لا يقال لسعد الحريري الذي قام بكل شيء ليضع حداً للفراغ في المنصب المسيحي الاول بالدولة وصولا لانتخاب الرئيس عون”.
وأردف: “على كل حال، جواب فخامة الرئيس الاولي بصراحة لم يكن مشجعا وعاد إلى نغمة 6 زائد الطاشناق، أي الثلث المعطل، وهذا مستحيل. لكني قلت لفخامة الرئيس، وأقول امامكم وأمام الله، أنا مستعد وجاهز وملتزم اليوم وغدا وبعده. وليست هناك قوة ستفقدني الامل ببلدي وبقدرة أبناء بلدي على وقف الانهيار والعودة إلى طريق التعافي، بإذن الله”.
رد بعبدا
ورد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية على كلمة الحريري ببيان مقتضب جاء فيه “مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة وضمّنها مغالطات كثيرة واقوال غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلا لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان . تكفي الاشارة الى ان ما اقر به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في كلمته، كاف للتأكيد بأنه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق”.
#جنبلاط والهجوم الحاد
اما التطور الاخر البارز الذي اعقب كلمة الحريري فجاء في موقف هجومي حاد لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من الرئيس عون اذ اعتبر في حديث إلى محطة ”المستقبل” ان “هناك اليوم حاكما مدمرا وحكما عبثيا وأنا لا أنصح الحريري، هو لديه القدرة والحكمة لتقدير الظرف وأنا إلى جانبه”. وكشف جنبلاط ان في “الإتصال الأخير بيني وبين الحريري لم يكن هناك حديث سياسي وسأتصل فيه بمناسبة 14 شباط” وأضاف “هناك واحد عبثي في بعبدا ميشال عون يريد الإنتحار فلينتحر وحده هو والغرف السوداء والصهر الكريم ويا ليته “كريم”. ولفت جنبلاط الى ان الحريري وضع صيغة حكومية مناسبة للجميع لا “ثلث معطل” فيها ولننتهِ من الثلث المعطل.
“النهار”