الخبر بالصوت

يمكن أن تكون “بشارة” المرحلة المقبلة قد وردت على لسان جيفري فيلتمان: بشار الأسد باقٍ في موقعه، ويُستبعد إخراج القوات الإيرانية من سوريا. وهو في هذا يشير إلى فشل الإدارتين الأميركيتين السابقتين.

سياسة فرنسا الإيرانيةوعلى هذا الأساس، يمكن توقع مسار السياسة الأميركية في المرحلة المقبلة. وبناءً على المعطى السوري لا بد أن تسلك الأمور طريقها في لبنان.

ويأتي تصريح فيلتمان، الخبير في شؤون المنطقة، على وقع تصعيد فرنسي خطابي ضد إيران، في محاولة فرنسية لإشراك السعودية في المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني. والموقف الفرنسي ليس استراتيجياً، بل يرتبط بجملة مصالح. فباريس تبحث عن استمرار تواصلها مع طهران، لإعادة إحياء المفاوضات النووية، ولبناء تفاهم في المنطقة ومن ضمنها لبنان.

موقف برّي
على وقع كلام فيلتمان، ومواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعاد تفعيل مبادرته وباشر اتصالات بالقوى اللبنانية والإقليمية، تقدّم الرئيس نبيه برّي خطوة إلى الأمام.

فبري ملتزم الصمت، خرج أمس الإثنين 1 شباط عن صمته، فأكد أن تشكيل الحكومة تعرقله أسباب داخلية: تمسك عون بالثلث المعطل. وما كان برّي ليتكلم على هذا النحو إلا لأن شيئاً ما استجد، تزامناً مع التحرك الفرنسي المتجدد. وهو تقصّد إعلان موقفه هذا قبل استقباله السفيرة الفرنسية. وموقفه استدعى رداً سريعاً من رئاسة الجمهورية: عون لم يطالب أبداً بالثلث المعطل!

ولا يمكن فصل موقف برّي هذا عن موقف حزب الله. الطرفان يقفان إلى جانب الرئيس المكلف سعد الحريري، ولا يريدان له أن ينكسر في رفع حجم الحكومة إلى عشرين وزيراً.

نصرالله وباسيل
وجاء موقف برّي بعد اتصال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بجبران باسيل، قبل أكثر من أسبوع. وموضوع الاتصال التمسك بالثلث المعطل. وهو متوفر بناء على التحالف بين حزب الله والتيار العوني.

لكن الاتصال لم يخلص إلى جواب حاسم، علماً ان نصر الله وجه نصيحة لباسيل بضرورة التسهيل. وبعدها بأيام نقلت رسالة من حزب الله إلى باسيل عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. لكن باسيل تمسك بمطالبه. إنها معركة جبران باسيل الذي يريد ضمانات لا توفرها الثقة بالحلفاء، ولا أية حسابات. وذلك على قاعدة: “قوته في ما ملكته أيمانه”.

الثنائي يتحرك  
وموقف برّي قد يتزامن مع تحرك حزب الله المتجدد للوصول إلى حلّ، على قاعدة عدم رفع حجم الحكومة إلى عشرين وزيراً، وحصول عون على وزارة الداخلية وتسمية خمسة وزراء مسيحيين، فيما الوزير السادس يكون توافقياً بينه وبين رئيس الحكومة المكلف.

هذا المسعى يمكن التثبت منه من خلال بيان برّي الذي ركّز على عدم تسمية وزراء حزبيين، وتشديده على حكومة الاختصاصيين. وهذا يشير إلى القرار الذي اتخذه الثنائي الشيعي، الذي لن يكون خاسراً في حال تشكلت الحكومة.

والمنحى الإيجابي الذي يسلكه الثنائي الشيعي، من شأنه أن يسجل نقطة لدى الفرنسيين أولاً. فأمل وحزب الله هما من تحرك متلقفاً المبادرة الفرنسية الجديدة، التي لن تنجح ولن تمر من دون موافقة إيرانية، ومن دون تفاهم إيراني–فرنسي. وهذا في موازاة تحرك ماكرون على خطّ الإدارة الأميركية الجديدة، ودول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، وبالتنسيق مع مصر.

بلا ثلث معطل
لا يمكن فصل ملف تشكيل الحكومة عن السياق الخارجي. وحصر الرئيس نبيه برّي العرقلة في الشق الداخلي، هدفه مواكبة المبادرة الفرنسية وتأكيده على دعمها ومحاكاتها. وفي حال وفرت باريس ظروف إنضاج التشكيلة الحكومة، عليها أن تعمل في الضغط على عون للتنازل. وهذا ما يقوم به حزب الله أيضاً.

لن تكون العملية سهلة. لكن الضغوط كبيرة، بحثاً عن فرصة لتشكيل الحكومة، وسط اعتقاد محلي بأن السعودية قد لا تمانع في حال وافقت واشنطن وسهلت المبادرة الفرنسية. وهناك خطوط لبنانية مفتوحة مع دولة الإمارات منذ زارها الحريري، إلى وساطة اللواء عباس إبراهيم معها، والإفراج عن عدد من الموقوفين اللبنانيين فيها.

وسط هذه المعطيات يواكب الرئيس سعد الحريري التطورات وما يمكن أن تفضي إليه. وهو لا يريد أن ينكسر. ويحرص على أن تحظى حكومته بغطاء إقليمي ودولي.

حزب الله المنتصر
لكن أي حكومة لن تكون مناقضة لمطالب حزب الله وشروطه. بل مبنية على تفاهم مع إيران. وهذا يعني أن السياسة التي يتبعها الثنائي الشيعي تبقيه منتصراً: الحريري يتقرب منه ويراهن عليه، جبران باسيل يلتصق به أكثر فأكثر.

أخيراً نعود إلى ما قاله فيلتمان عن نفوذ إيران في سوريا وعلاقتها بالنظام السوري، والتي أصبحت أقوى حالياً مما كانت عليه في 2011.

كان سعد الحريري يضع في حساباته دوماً احتمال عودة الأميركيين والإيرانيين إلى التفاوض. لذلك لم يعلن موقفاً صريحاً ضد حزب الله، ولم يعلن أنه لا يريد أن يتمثل الحزب في الحكومة، ليضطر أن يتنازل لاحقاً.

ومهمة حزب الله الآن تنحصر في إقناع جبران باسيل بالتخلي عن الثلث المعطل. وفي حال تشكلت حكومة ينال حزب الله ما يريد. وإذا تأخر التشكيل يستمر في استثماره بالوقت وتسيير الأمور بحكومة حسان دياب، ريثما تنضج ظروف التواصل الإيراني-الأميركي، ويحفظ موقعه أكثر.

هو يعلم أن الحكومة الجديدة لن تخرج عن سياق ما يريد. لكن ما بعد تشكيل الحكومة كلام آخر، وصراع أعنف مسرحه الوزارات والقضاء.

اترك تعليقًا