لا الأزمة المعيشية الخانقة ولا الكارثة الصحية المتدحرجة ولا الانفجار الامني – الاجتماعي، الذي بانت تباشيره المخيفة في طرابلس منذ ايام، نفعت في إخراج المنظومة الحاكمة من حلبة صراعاتها ومناكفاتها الفئوية الشخصية الضيقة، ومن حساباتها الاقليمية الاستراتيجية الاوسع. فكأن شيئا لم يكن، أهلُ الحكم – الذين يُفترض فيهم الانكباب على تأليف حكومة تضع حدا للانهيار السريع لكل شيء في لبنان- منشغلون في التسّاجل عبر البيانات والمصادر، وهو ما انتقده البطريرك الماروني بشارة الراعي امس مستغربا التخاطب ومن وار المتاريس، معتبرا انه اذا لم تصطلح العلاقة بين الرئيسين فلن تكون لنا خكومة.
تعطل المبادرات
فيما شهدت طرابلس عودة الهدوء النسبي، مستفيدة من مفاعيل اجتماع مجلس الامن المركزي الذي يبدو أنعش التنسيقَ بين الاجهزة الامنية والعسكرية وعزّزه على الارض، استكانت، نوعا ما، جبهة بعبدا – بيت الوسط، بعد جولة حامية من المواجهات “البيانيّة”، التي أكدت المؤكد لناحية ان التأليف معطّل، وان لا حكومة في المدى المنظور. على اي حال، انتقالُ الاشتباك من الجانبين، الى فريقيهما السياسيين، البرتقالي والازرق، أتى ليعزّز حقيقة ان التأليف بعيد المنال…
غير ان مصادر سياسية مطّلعة تقول ان الآمال معقودة على اعادة تحريك باريس محرّكاتها محليا واقليميا، لتسهيل التشكيل. فبعد ان رفع السجالُ المستعر المتاريسَ عاليةً بين القوى السياسية، قاطعةً الطريق امام الوسطاء المحليين ومنهم البطريرك الراعي، والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، باتت حظوظ الاتفاق الداخلي شبه معدومة، واعادةُ وصل ما انقطع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل من جهة، والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ثانية، باتت تحتاج “قوّة خارجية” جبّارة.
اتصال ماكرون
وفي هذا السياق برز خبر الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس عون اول امس، وأوضحت الرئاسة الفرنسية أنّ ماكرون “شَدّد، مرة جديدة، على حاجة لبنان المُلحّة إلى أن ينخرط في مسار الإصلاحات”، وشجّعَ على “التشكيل السريع لحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاستجابة للأزمات التي تعرفها البلاد”.
وبحسب البيان “فإنّه الشرط لكي يتمكّن المجتمع الدولي من تعبئة جهوده كاملة لمواكبة نهوض لبنان”.
فهل يسهم هذا الاتصال في حلحلة الموقف من خلال تراجع عون وفريقه السياسي عن الشروط المعرقلة لاعلان تشكيل الحكومة، وهذ الذي يحتجز التشكيلة المقدمة من الحريري منذ ما يقارب الشهرين.
في الاتظار يظل التأليف عالقا في المستنقع نفسه، أسيرَ حرب التيارين البرتقالي والازرق، وجديدُ فصولها، تصويبُ التيار على الحريري. فقد اعتبرت هيئته السياسية بعد اجتماعها برئاسة النائب جبران باسيل ان “مأساة طرابلس تستدعي من رئيس الحكومة المكلف، الاسراع في تشكيل حكومة بالإتفاق والشراكة الكاملة مع رئيس الجمهورية. واستغربت الهيئة السياسية منطق “تربيح الجميلة” بالحرص على حقوق المسيحيين من جانب الذين رفضوا الإعتراف بشرعية الممثل الأكبر للمسيحيين، فعرقلوا إنتخابه سنتين ونصف السنة، الى أن فرضت حاجتهم لرئاسة الحكومة أن يوافقوا على ترشيحه.
عهد التعطيل
الرد لم يتأخر. فقد رأت هيئة شؤون الاعلام في “تيار المستقبل” ان سياسة “تربيح الجميلة” التي يعيِّر فيها تيار المستقبل هي سياسة يعتمدها التيار الوطني الحر وموجودة في ادبياته وقد لمسها اللبنانيون في مناسبات عديدة لا داعي لتذكيرهم بها. ان اتهام تيار المستقبل في “اعتماد منطق تربيح الجميلة بالحرص على حقوق المسيحيين هو اتهام مردود للتيار الوطني الحر بعدما تم اختصار حقوق المسيحيين بحقوق بعض الازلام، وحجبها عن باقي المسيحيين وبينها احزاب وقيادات وشخصيات لها حضورها التاريخي، ولا تلتقي مع التيار على ذرة واحدة من التوافق”. واضافت “اما عن دعوة الرئيس المكلف التوجه فورا الى القصر الجمهوري فكان الاجدى للتيار الوطني الحر سؤال رئيسه السابق رئيس الجمهورية، لماذا لا يوقع على التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من خمسين يوما بدلا من احتجازها، وهل من مصلحة المسيحيين ان يصبح رئيس الجمهورية اللبنانية، طرفاً يمارس خلف المعايير السياسية والحكومية لجبران باسيل، فيتخلى عن التزامه بحكومة من 18 ويعود الى نغمة العشرين. اننا في زمن العهد القوي جداً في التعطيل والعرقلة والتسلق فوق حقوق الطائفة للانقلاب على اتفاق الطائف”.
تصعيد درزي: وفي ما يؤشر الى قرار اتُخذ من قبل 8 آذار لتطويق الحريري من النواحي كلّها وتكبيلِ يديه، علّه يستسلم، صعّد حليف آخر لحزب الله هو رئيس الحزب الدرزي الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، الذي اعتبران السعي إلى تقليص التمثيل الدرزي الى وزيرٍ واحدٍ في حكومة الـ18 هو تطاول على حقوق الدروز.
لخدمة جبران
لم يسكت المستقبل عن هذه المواقف. فغرد نائب رئيسه مصطفى علوش عبر تويتر: رحم الله المير مجيد فقد كان حكيما ولم يكن لاحد ان يضعه في فريق الاحتياط. من يتحدث اليوم عن حقوق الدروز يريد فقط ضرب مرجعيتهم الحقيقية لخدمة جبران الذي ياخذه متراسا للتعطيل. رئيس الحكومة المكلف لن يتخلى عن واجبه الدستوري بالتاليف الذي يضمن حقوق جميع الطوائف فكفى مناورات فتنوية.