الخبر بالصوت

اكتسبت مخاوف من ان تكون البلاد امام محاولة انقلاب مقنع ومتدرج صدقية وواقعية في ظل الوقائع المريبة التي تعاقبت في الساعات الأخيرة سواء على صعيد القصور الرسمي والأمني والسلطوي عموما الذي يطبع الفشل في التعامل مع تفجر الشارع في طرابلس بالدرجة الأولى ومناطق أخرى تلتحق بعدوى التفلت او على صعيد الاندفاعة الحادة للعهد وتياره وبعض القضاء المحسوب عليهما في محاصرة حاكم مصرف للبنان رياض سلامة. 

ما كان لملف التدقيق الجنائي وإلصاقه بالمواجهة المتصاعدة بين العهد وتياره وحاكم مصرف لبنان ان تثير هذا الكم من التساؤلات الان لولا التوقيت الغريب الذي جعل العهد ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يديران آخر حلقات المحاصرة السياسية والقضائية لسلامة كأولوية تتقدم الأولويات الحارقة العاجلة التي تتزاحم في الواقع الداخلي والخارجي اللبناني حاليا بما لا يمكن معه تجاهل الدلالات والخلفيات التي تتحكم بتوقيت هذه الاندفاعة. حتى ان بعض المراقبين رسموا علامات استفهام حول مغزى التهويل الذي يمارس في شأن الملف الحكومي وتسريب شائعات ومزاعم لا صحة لها عن اتجاه الرئيس المكلف سعد الحريري الى الاعتذار كما لو انها تطلق الرسائل المطلوبة لانجاح انقلاب ربما تتخطى أهدافه الملف الحكومي الى الابعد. ولعل هذا ما يفسر توجس معظم القوى السياسية ونأيها بنفسها عن مجريات انفجار المواجهات في الشارع انطلاقا من طرابلس بحيث يمكن القول ان المخاوف بلغت ذروتها من حجم الاحتقان الاجتماعي والشعبي الذي يشكل السبب الأول والاساسي لانفجار الاحتجاجات ومن ثم الخشية من ركوب القوى الخفية موجة توظيف هذا الانفجار، علما ان العنف المتصاعد للشغب الذي يغلب على هذا الانفجار بات يتهدد بعواقب وخيمة للغاية سترتد على الجميع. واذا كان لا بد من الإشارة الى ان خطة التعبئة الصحية والاقفال الممدد في اطار خطة مواجهة كورونا قد انهارت واقعيا بشكل مخيف في طرابلس ومناطق أخرى تشهد احتجاجات بما سيرتب حتما زيادات كبيرة في الإصابات بكورونا ستظهر تباعا، فان الخطر المماثل برز في تحول الانفجار الاحتجاجي الى مبارزات حادة وعنيفة بين جماعات من المحتجين وقوى الامن الداخلي وتحولت سرايا طرابلس ساحة مواجهات مفتوحة. 

واوضحت مصادر مطلعة ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب طلب انعقاد المجلس الاعلى للدفاع للبحث في الاوضاع الامنية، لكن رئيس الجمهورية فضل ان ينعقد مجلس الامن المركزي اولاً لدراسة الوضع الميداني مع الضباط العملانيين على الارض وعرض الامكانات والتوقعات وعلى ضوء هذا الاجتماع يتقرر انعقاد المجلس الاعلى للدفاع اذا كانت هناك اقتراحات وقرارات يجب ان تتخذ. 

وتقول هذه المصادر ان المجلس الاعلى للدفاع يجب الا ينعقد اذا لم تكن هناك ضرورة خصوصاً في ظل الكلام عن ان هذا المجلس بات يحل محل مجلس الوزراء. لذلك يجب ان يعطى مجلس الامن المركزي دوره الاساسي لاسيما وانه يضم كل قادة الاجهزة الامنية وبامكانهم الاطلاع على التقارير الواردة من المناطق ودراسة الوضع واقتراح القرارات الضرورية وما اذا كانت تحتاج لاجتماع للمجلس الاعلى للدفاع. 

العنف المريب
وكانت جولات العنف تفاقمت امس أمام سرايا طرابلس، حيث قام المحتجون برمي الحجارة وقنابل المولوتوف ثم القنابل اليدوية الحربية في اتجاهها. وقامت القوى الأمنية بالقاء قنابل مسيّلة للدموع باتجاه مداخل السرايا لإبعاد المتظاهرين. ودخلت ملالات الجيش إلى ساحة النور. وشهدت شوارع المدينة حالة غضب بين الشبّان والمحتجين بعد الاعلان عن وفاة الشاب عمر طيبا البالغ 30 عاما متأثرا باصابته خلال المواجهات العنيفة التي حصلت ليل الأربعاء وأدت الى عشرات الإصابات والجرحى بين المحتجين والقوى الامنية. وسادت المدينة أجواء شديدة التوتر ترجمت بجولة المحتجين على منازل نواب المدينة ورفعهم الشعارات الاحتجاجية التي تطالبهم بالاستقالة . ثم اشتدت المواجهات مساء مع رمي المحتجين مئات عبوات المولوتوف الحارقة وكذلك بضع قنابل يدوية حربية وردت القوى الأمنية برمي القنابل الدخانية الكثيفة . 

واستوقف المراقبين ما لفت اليه “تيار المستقبل” من “معلومات تؤكد وجود أمر مريب يعود بالذاكرة الى مراحل الفلتان الأمني والاشتباكات المسلحة التي كانت تحصل في طرابلس غب الطلب ” وأوضح انه “اذا كان الكثير من المواقف قد أكد وجود جهات حزبية وسياسية وفعاليات محلية، اشتغلت على تسلق اوجاع المواطنين وقامت بتمويل مجموعات بعضها استقدم من خارج طرابلس والشمال، فان أداء اطراف في أجهزة أمنية سواء في غض النظر عن ممارسات مخلة بالأمن والقانون أو في التخلف عن دعم القوى الامنية في الوقت المناسب، هي وجه من وجوه التقصير الذي يثير الشكوك ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الاهداف المبيتة لعمليات التخريب التي استهدفت الاملاك الخاصة والعامة في المدينة”. وشدد على ان “الحل الامني للازمة المعيشية ليس حلاً، والذين يراهنون على استدراج طرابلس الى ساحات الفوضى والفلتان يعلمون جيداً أن الاكثرية الساحقة من ابناء طرابلس وسكانه، لن يجاروا هذا المخطط الدنيء”. 

ملاحقة سلامة
وسط هذه الأجواء برز تطور قضائي لافت تمثل في ادعاء النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعلى رئيس لجنة الرقابة على المصارف، بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة في ملف الدولار المدعوم. وتسلّم قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور الملف الذي أحالته إليه القاضية عون. 

وتزامن الإدعاء مع استقبال رئيس الجمهورية ميشال عون وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، في اجتماع تناول مسار عملية التدقيق المالي الجنائي في الحسابات المالية لمصرف لبنان فيما بادر رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى دعوة الحكومة اللبنانية إلى تكليف محام أو مكتب محاماة بمتابعة قضية الأموال المنهوبة والموهوبة والمحولة إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، مشددا على أن تحريك الشارع لن يحمي “المنظومة الفاسدة ولن يثني التيار عن ملاحقتها حتى تعيد ما سطت عليه أيديها”. واعتبر باسيل، في بيان، أن الإجراء القضائي السويسري في قضية حاكم مصرف لبنان يشكل سابقة على المستوى اللبناني وأكد أن على “القضاء اللبناني، ان يواكب القضاء السويسري، لا أن يقف موقف المتفرج والمتلقي، ان لم نقل المتهرّب، لأن المحاسبة ستطال المقصرين منه والفضيحة ستلاحق المتورطين”. 

باريس واستقرار لبنان
الى ذلك وردا على مطالبة منظمة العفو الدولية لفرنسا تعليق بيع الأسلحة إلى لبنان، بعد تأكيد المنظمة استعمال قنابل مسيلة للدموع ورصاصات مطاطية وقاذفات ذات صناعة فرنسية لقمع المتظاهرين في لبنان أكدت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الفرنسية امس ان السلطات الفرنسية تولي عناية فائقة لطلبات منح تراخيص تصدير المعدّات المصنّفة التي قد تُستخدم لحفظ النظام وتدرس كل طلب على حدة، تماشيًا مع التزاماتها الدولية. وهذا هو الحال بالنسبة إلى لبنان الذي يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية فادحة والذي يُعد استقراره ضروريًا للمنطقة برمتها. وتذكر فرنسا بانتظام بحرصها على احترام حق اللبنانيين في التظاهر سلميا. واوضحت ان فرنسا، على غرار شركائها الأساسيين، توفر الدعم للقوات المسلّحة اللبنانية ولقوى الأمن الداخلي، بصرف النظر عن حفظ النظام، وذلك من أجل تمكينها من صون سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، ونأيه عن الأزمات الإقليمية. واكدت أن فرنسا تحشد جهودها من أجل إنهاء الأزمة في لبنان وتقف إلى جانب اللبنانيين كما عهدت دائمًا.

“النهار”

اترك تعليقًا