بشارة شربل
لا تعني التظاهرات المتفرّقة التي تجري هنا وهناك، ومسارعة السلطة “العظيمة” الى فضّها، أن الثورة عادت الى قوتها ووهجها. لكن، مهما كان حجم الاعتراض أو المحرّك له، فإن الخروج الى الشارع في زمن الإقفال والخوف من الجائحة يصبّ في مسيرتها الصعبة، ويعبّر عن يأس الناس من حال الانهيار ورغبتهم في تعويض عجزهم عن إحداث التغيير و”كنس” أهل السلطة عقب 17 تشرين.
لا يحقّ للحكام والمنظومة برمتها النوم على حرير. فالثورة كامنة في آلام كلّ اللبنانيين من فسادٍ متأصّل جعل بلدهم دولة فاشلة، محوّلاً أكثر من 60 بالمئة منهم الى فقراء “يشتهون العضة بالرغيف”، وليس مردُّ ذلك لا الى فيروس يضرب “خبط عشواء”، ولا الى انفجار 4 آب الإجرامي، ولا الى عقوبات تُفرض على بعض السياسيين.
واجب السلطة التي رفضت الرحيل ألا تطمَئنّ معتقدة انّ الشعب عضَّ على الجرح راضياً بما قدمه من شهداء وجرحى و”كفى الله المؤمنين…”، وأنه استنتج بأنّ النظام شديد البأس غير قابل للاختراق بدليل اجهزة القمع الفاعلة، وميليشيات الطائفة المستنفرَة، والوقاحة في تنصيب حسان دياب رئيس حكومة – دمية على حساب تطلعات الشباب وتوقهم الى دولة القانون والمواطنية. فما حصل منذ ذلك الحين من غرق إضافي في الثقب الأسود المالي، والتسبّب في كارثة مرفأ بيروت من دون تحديد المجرمين على الرغم من مرور نحو نصف عام على الحدث الأليم، والفشل في مواجهة كورونا على كل صعيد، لا بدَّ أن يعاود إيقاظ روح الاحتجاج بغض النظر عن العناوين وعدد المحتجين.
نجحت المنظومة حتى الآن في أمر واحد ويتيم، وهو منع التغيير. عدا ذلك، فإنّ ما تمارسه اليوم بكافة سلطاتها يضخِّم حجم ملفها الاتهامي، واللبنانيون باتوا يعرفون سارقيهم “حلة ونسباً”، وليس التحقيق السويسري في تحويلات حاكم مصرف لبنان “الطاهر” و”البريء” إلا رأس جبل الجليد.
هذه الثورة لا تنتهي لأنّ أسبابها قائمة. فلا أوقفتم فسادكم وسرقاتكم ولا امتنعتم عن التربّح من مراكزكم ومن المال العام ولا بادرتم الى استقالة تنقذ ما تبقى من ماء وجهكم، لا بل أمعنتم في خلافاتكم فأفشلتم المبادرة الفرنسية ومنعتم الناس عن حقهم بحكومة اختصاصيين مستقلين تدير تفليستكم بحجة الصلاحيات، او الحفاظ على “حقوق المسيحيين” فيما المحاصصة هي عنوانكم الأبدي.
لا تطمئنّوا ولا تعتقدوا أنّ عقارب الساعة ستعود الى الوراء. وليس حديثكم عن التمديد للمجلس النيابي التعيس او للرئيس الفاشل الا من باب “التشبيح”. انتم تعرفون، وكلنا نعرف، ان ما تتمنونه لن يحصل إلا في اطار اقليمي تكون فيه لإيران اليد الطولى، ليس في إعاقة التغيير والمسار الديموقراطي فحسب، بل في فرض ارادتها المطلقة بالتعيين. هذه تقديرات مبكرة وطفولية لنوعية العلاقة بين الادارة الاميركية الجديدة والجمهورية الاسلامية، وهذا تفاؤل ساذج بمستقبل مشرق لبشار الأسد يعطيه أكثر مما تسمح له به روسيا واسرائيل.
كانت المنظومة حين أسّستها الوصاية السورية أكثر خبثاً، والناطقون باسمها أكثر ذكاء بالتأكيد. صارت مع الوقت وبفضل “العهد القوي” مصنعاً للأغبياء والموتورين أو مجرد كاريكاتور.
“نداء الوطن”