منير الربيع
لم يعد طرح التمديد لرئيس الجمهورية ميشال عون مزحة ثقيلة، وإن بدا كذلك. الخيار أصبح مطروحاً جدّياً في دوائر القصر الجمهوري. المستشارون جميعاً، والنواب المطبلون، وخبراء سياسة المزايدات، حولوا مزايدتهم إلى ما يشبه الحقيقة.
من بشير إلى شمعون
ويريد العونيون استعادة تجربة “حزب الوطنيين الأحرار” الشمعوني. وعون يدعي تأثره إلى حدّ بعيد بكميل شمعون، مع فارق شاسع في الطباع والظروف والحال. وهو حسب مزاجه وأهوائه يتمثل التجارب ويتماهى معها. فبعدما قيل الكثير عن تشبهه ببشير الجميل، ها هو اليوم يعرّج على شمعون، ويريد تكرار تجربته مع التمديد، والتي انتهت بحرب جاءت بعدها تسوية.
وكان كلام التمديد قد استعمله عون كنوع من الضغط السياسي على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وجاء في سياق ذلك الكلام، تنازل عون عن التمديد مقابل اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة. وربما كان أيضاً (التمديد) ردّاً على المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية أو استقالته. وفي لبنان لا سياسة سوى النكايات والمزايدات، و”البادئ أظلم”.
وهذه السياسة تحولت أخيراً إلى منهجية وبائية في اليوميات اللبنانية. فما من خيار سياسي بلا نكاية أو يستبطن نكاية ما. لذا، تعمل دوائر القصر الجمهوري، ويعمل النواب العونيين، على تسويق فكرة التمديد. وهذه خطوة يستبقون بها السنة الأخيرة من عهد عون، والتي غالباً ما تكون سنة التحضير لما بعد الرئيس. لكن عون أمضى معظم عهده في العمل على إعداد صهره للتوريث. والمسوقون يريدون الإبقاء على عون كثابت أساسي من ثوابت قصر بعبدا.
لهذا الطرح جملة مخاطر تودي بما تبقى من مؤسسات في لبنان. وهو (الطرح) قابل لأن يتحول إلى انفجار. فبمجرد تأكد اللبنانيين من أنه ليس هزلاً أو هذياناً، ينفجر الشارع مع ما يحمله الانفجار من تداعيات أمنية ومخاطر مذهبية وطائفية.
عون الأبدي
عندما انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، عمل جمع من العونيين المختصين في استهداف “الرأي العام العوني تحديداً”. فارتكزوا في حملتهم على ردّة زجلية شعبية نقلاً عن جدّة عون، التي كانت تداعبه في صغره قائلة: “يا بو الميش ويا بو الميش/ انشالله قدّي رح بتعيش”. وتكمل الرواية أن جدة عون عاشت 106 سنوات. ولم يكن استحضار هذه الردّة إلا لغاية واحدة: الردّ على أي شخص أو طرف يراهن على عمر الرئيس الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية في عمر متقدم جداً.
وفي زجلية احتمال التمديد اليوم، يبدو أن عون لا يزال شاباً في عمره الحالي، طالما أنه سيعيش 106 سنوات.
وإلى جانب هذه الثقافة الزجلية العونية، كان لا بد من استنتاج سياسي مبكر حول آلية تفكير ميشال عون، وممارسته وهو في سدّة الرئاسة. فمنذ السنة الأولى لعهده، وبنتيجة ممارساته وفتحه أبواب الصراع على الصلاحيات، كان لا بد من السؤال التالي: “في حال انتهت ولايته الرئاسية ولم ينتخب الرئيس الجديد، هل يمكن لعون أن يخرج من القصر الجمهوري؟”. والجواب السريع والبديهي هو أن هذا مستحيل، لن يخرج عون من القصر، بذريعة منع حصول فراغ في رئاسة الجمهورية.
ألم يفعل عون ذلك في العام 1988، عندما عين رئساً لحكومة عسكرية بالوكالة بمهمة وحيدة: انتخاب رئيس للجمهورية؟ لكنه عرقل الانتخاب ومكث في القصر الجمهوري وشن حروباً مدمرة.
واليوم ها هم يقولون: “كما في رئاسة مجلس الوزراء هناك حال تصريف الأعمال، لا بد أن ينطبق ذلك على الرئاسة الأولى. والرئيس المسيحي القوي لن يغادر قصر بعبدا وتسليمه للفراغ. والرئيس الذي يصارع لاستعادة الصلاحيات وتطويق صلاحيات الحكومة، لا يمكن أن يرضى بتسليم البلاد إلى حكومة تصريف أعمال”.
عهد الجنون
هذا كله يتحول كلامًا جدياً في هذه الظروف المضطربة اضطرارباً لا سابق له في تاريخ لبنان. ووجه أساسي منه يريد عرقلة عملية تشكيل الحكومة، وفرض الشروط العونية لتشكيلها.
وتؤكد معلومات أن مسألة التمديد لعون أصبحت أكثر من جدية. ولم تعد مجرّد رد فعل. وهذا أمر جرى تداوله مع بعض الأوساط الدولية والديبلوماسية، نتيجة لمواقف المحسوبين على رئيس الجمهورية. وتبرير هذه الخطوة، إلى جانب ما سلف ذكره، هو انعدام التوقعات حول إمكان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وهذا يعني أن قاعدة التمديد للمجلس النيابي، يجب أن تسري على رئاسة الجمهورية. هذا أولاً. وثانياً، يستند العونيون في ذلك إلى أنهم أصحاب الكتلة المسيحية الأكبر في المجلس. وهذا باب جديد للابتزاز السياسي، على قاعدة لا يخرج عون من القصر الجمهوري قبل التوافق على انتخاب البديل. والبديل لا يمكن أن يكون سوى جبران باسيل.
التفوه بهذا الكلام أو مجرد التفكير فيه، ليس سوى الجنون بعينه. فالتمديد قانونياً ودستورياً يحتاج إلى توقيع رئيس الحكومة، وإلى ثلثي أعضاء مجلس النواب، لتعديل الدستور. نظرياً وعملياً هاتان المسألتان غير متوفرتين. لكن ذلك لن يكون عائقاً أمام تشبث عون بالبقاء في بعبدا حتى بعد انتهاء ولايته، ولو بشكل مخالف للدستور. ففتاوى المستشارين تكفي.
“المدن”