ألان سركيس
تتعقّد الأمور أكثر فأكثر بالنسبة إلى الملف الحكومي، ويبدو أن البلاد دخلت مرحلة الفراغ الطويل الذي ينتظر حصول توافق دولي من أجل إيجاد حل للأزمة اللبنانية.
تتسع الهوة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ولم يستطع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ردمها، ما “يبشّر” بمرحلة من التصعيد تنعكس على اقتصاد البلد المنهار أصلاً.
وتأخذ المعركة بين عون والحريري أبعاداً عدّة، فمن جهة هي معركة صلاحيات حيث يهدف كل واحد منهما إلى القول “إنني أحافظ على حقوق طائفتي ضمن التركيبة وأحفظ هيبة الموقع”، ومن جهة ثانية هي معركة على الأحجام والحصص داخل نظام يواجه السقوط الحتمي.
ومن أهم العقبات التي تواجه مهمة الحريري، عدم رغبته بإعطاء فريق العهد ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل الثلث المعطّل وجعله اللاعب الأقوى مسيحياً والمتحكّم بمصير الحكومة المقبلة.
ويرى من يتصدّى لطموحات باسيل الحكومية، أن الأخير يريد الحصول على الثلث المعطّل لكي يكون الرقم الأول في الحكومة ولا يمكن لأحد تجاوزه، ومن أجل تعويض ما خسره بعد إندلاع إنتفاضة 17 تشرين، والنقطة الأهم أن باسيل يريد الإحتفاظ بالثلث المعطّل من أجل معركة الرئاسة في خريف 2022، وأيضاً لكي يكون المتحكّم بالحكومة في حال فشل انتخاب رئيس للجمهورية مثلما حصل في أيار 2014.
إلّا أن كل هذه الحسابات تسقط بضربة الإستحقاقات الدستورية المتلاحقة، فالنقطة الأولى والأهم أن الحكومة لا تنتخب رئيس الجمهورية ولو حصد باسيل نصفها فهذا لا يؤثّر على المعركة الرئاسية. أما النقطة الثانية فواضحة وضوح الشمس وتكمن في أن التوازنات الإقليمية والدولية هي التي تفرض رئيس جمهورية لبنان وليس التوازن الداخلي، ففي عام 2007 كان فريق 14 آذار متحكّماً باللعبة ويملك الغالبية النيابية ولم يستطع إنتخاب رئيس من صفوفه وذهب إلى انتخاب رئيس تسوية هو العماد ميشال سليمان.
وتتجمع العوامل الإقليمية والدولية ضد طموحات باسيل، فالأخير موضوع على لائحة العقوبات الأميركية وبالتالي فإن حظوظه الرئاسية تراجعت حكماً، في حين أن هذه الحكومة المنوي تأليفها ستصبح مستقيلة حكماً بعد إنتخابات أيار 2022، وبالتالي ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال لذلك لن تؤثّر على المعركة الرئاسية.
ووسط كل تلك الإستحقاقات، هناك سيناريوات سيئة تطرح، وتبدأ في انهيار الدولة الكامل قبل موعد 2022، أو تأجيل الإنتخابات النيابية والتمديد للمجلس على غرار التمديدات التي حصلت بعد 2013، وهذا الأمر قد يولّد إنتفاضة شعبية كبرى لأن المطالبات الحالية هي بإجراء إنتخابات مبكرة، أما السيناريو الأسوأ فهو إجراء إنتخابات نيابية وإفشال تأليف حكومة جديدة خصوصاً أن عون سيبقى حتى خريف 2022، من ثمّ عدم السماح بانتخاب رئيس جمهورية جديد، عندها تدخل البلاد الفراغ الكامل وتصبح حكومة تصريف الأعمال سلطة الأمر الواقع.
وتُطرح في هذا الإطار أسئلة جوهرية كبيرة وكثيرة، وأهمّها: هل سيبقى الوضع صامداً حتى 2022 إذا لم تقم السلطة بإصلاحات ضرورية؟ أو إن لبنان سيدخل بعد ربيع 2022 “الجهنم الحقيقي” الذي لا يرحم وسيتحمّل الأفرقاء المعطّلون مسؤولية دمار البلد؟
“نداء الوطن”