أكد البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي أننا “نحيي في هذا الأحد إحتفالين: الأوّل ليتورجيّ، هو تذكار الكهنة والأحبار المتوفّين؛ والثاني، كنسيّ هو الإحتفال بأحد كلمة الله الّذي أنشأه قداسة البابا فرنسيس وحدّده في الأحد الثالث بعد الدنح، ورسم أصحاب الغبطة البطاركة أن يتمّ فيه افتتاح أسبوع الكتاب المقدّس. فنصلّي من أجل راحة نفوس الموتى من كهنة وأساقفة وأحبار، ومن أجل إنتشار كلمة الله بغية إيقاظ الإيمان وتثقيفه لدى المؤمنين”.
وقال اليوم الأحد: “نحيّيكم أيّها الحاضرون، وأنتم الّذين تشاركوننا روحيًّا في هذه الليتورجيا الإلهيّة عبر تيلي لوميار-نورسات و Charity TV والفيسبوك وسواها من وسائل الإتّصال. نصلّي من اجل شفاء المصابين بوباء كورونا، وابادة هذا الوباء، ونصلّي لراحة نفوس ضحاياه وعزاء عائلاتهم.
“من تراه الوكيل الأمين الحكيم” (لو 12: 42)
2. هي كلمة الله اليوم تؤكّد أنّ كلّ صاحب سلطة هو في الأساس موكّل، أكان في الكنيسة، أم في العائلة أم في الدولة. وتؤكّد أيضًا أنّ من واجب الوكيل أن “يقدّم الطعام” للذين أُوكلت إليه خدمتهم. الطعام هو الواجب الملقى عليه ليوفّره. ومطلوب منه أن يكون أمينًا تجاه موكّله والجماعة ومسؤوليّته، وحكيمًا يتصرّف بفطنة وبدون لوم، وفي الكنيسة، الأساقفة والكهنة موكَّلون من الله بسلطان إلهيّ مثلّث: التعليم والتقديس والتدبير، سلّمهم إيّاه المسيح الربّ قبيل صعوده إلى السماء: “لقد أُعطيت كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض. فكما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضًا. أُمضوا تلمذوا كلّ الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به. وها أنا معكم جميع الأيّام، إلى إنتهاء العالم” (متى 28: 18-20). هذه الوظائف الثلاث هي خاصّة بالمسيح الربّ النبيّ والكاهن والملك، وهو أشركهم فيها، ليمارسوها باسمه وبشخصه. بالتعليم يعلنون سرّ الله الواحد والثالوث، وينقلون الإيمان ويثقّفونه. بالتقديس يوزّعون نعمة الأسرار التّي تقدّس المؤمنين. بالتدبير يرعون جماعة المؤمنين في الحقيقة والمحبّة وببناء وحدة جسد المسيح الّذي هو الكنيسة”.
وتابع: “في العائلة الأزواج والوالدون موكّلون من الله بحكم التأسيس الإلهيّ، والسرّ المقدّس. الزوجان موكّلان على إسعاد الواحد الآخر، وعلى نقل الحياة البشريّة وتربيتها كوالدين وإعالتها وتأمين نموّها الشامل. عندما تتوفّر السعادة في العائلة، يتأمّن خير الشخص والمجتمع. الله الخالق هو الّذي أسّس الزواج والعائلة كجماعة حياة وحبّ قائمة على الرضى الحرّ، ونظّمهما بشرائع، بحيث يتأمّن خير الزوجين والأولاد والمجتمع (راجع تك 1: 27-28). والله نفسه زيّن الزواج بقيم وغايات، من أجل تواصل الجنس البشريّ، وتحقيق النمّو الشخصيّ، وبلوغ المصير الأبديّ لكلّ عضو من أعضاء العائلة، ومن أجل كرامة العائلة والمجتمع البشريّ واستقرارهما وسلامهما وازدهارهما (الكنيسة في عالم اليوم، 48)، وفي الدولة، السلطة السياسيّة موكّلة من الشعب، كما تنصّ مقدّمة الدستور (بند “د”)، لكي توفّر له الخير العام الّذي هو “مجمل أوضاع الحياة الإجتماعيّة التي تمكّن الأشخاص والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقًا أفضل وأسهل” (الكنيسة في عالم اليوم، 26، و 74)؛ ولكي تحمي حقوق الشخص البشريّ وتمكنّه من تأدية واجباته (الإعلان المجمعيّ “في الكرامة البشريّة”، 6)”.
وأشار الى ان “تعلّم كلمة الله في الكتب المقدّسة أنّ التقدّم والترقّي البشريّ هما خير كبير للإنسان (المرجع نفسه، 37)، وتعلّم أيضًا أنّ السلطة السياسيّة تندرج في الشرع الطبيعيّ. فالله وضع للعالم نظامًا لكي يعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الأرض، وينعموا بالخير والعدل. فكانت السلطة السياسيّة التي تطوّرت عبر مراحل إنشائها وتكوينها وصلاحيّاتها. لذا، إنّ الأشخاص الموكولة إليهم السلطة السياسيّة مدعوّون دائمًا لإستلهام مشيئة الله وتصميمه الخلاصيّ. فهو يريد منهم بحسب المزمور 72: “أن يقضوا بالخير للشعب، وبالإنصاف للضعفاء (الآية 2)”. وينذرهم بلسان أشعيا النبيّ: “الويل للذين يشترعون فرائض للإثم والظلم، ليسلبوا حقّ ضعفاء شعبي” (أشعيا 10: 1-2)”.
وفي ضوء كلمة الله، كلّنا يسأل: “كيف يمكن الإمعان في المواقف السياسيّة المتحجّرة الهدّامة للدولة كيانًا ومؤسّسات دستوريّة؟ بأيّ ضمير وطنيّ، وبأيّ مبرِّر، وبأيّ نوع من سلطان وحقّ، وبتكليف مِن مَن؟ ونسأل المعنيّين: لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والشعبُ يَصرُخ من الوجعِ، ويجوعُ من الفَقرِ ويموتُ من المرَض؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والـمُستشفياتُ تَضيقُ بالمصابين، والمستوصفاتُ والصيدليّاتُ تَفتقرُ إلى الأدويةِ، والمتاجرُ تُعْوِزُها الموادُّ الغذائيّة؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والأزْمةُ النقديّةُ والاقتصاديّةُ بَلغت أوْجَها، والإقتصاد يتلاشى والإنتاجُ الزراعي يُتلَف؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والناسُ على أبوابِ المصارفِ تَستجدي أموالَها فلا تَجِدها؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً ومؤسّساتُ الدولةِ الكبرى العسكريّةُ والماليّةُ والقضائيّةُ تُضرَبُ في هيبتِها ومعنوياتِّها ورجالاتِها جرّاءَ الحملاتِ المبرمَجة والإشاعاتِ المغرِضَة والكيديّةِ القاتلة؟ ولماذا لا تؤلِّفون حكومةً والحدودُ سائبةٌ والتهريب جارٍ على حساب لبنان والسيادةُ منقوصةٌ والاستقلالُ مُعلَّق والفسادُ مستشرٍ؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والبَطالةُ عن العملِ وحالة الفقر فاقَتا نِصفَ الشعبِ؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً وقيمةُ الحدِّ الأدنى للأجورِ تَدنَّت عمليًّا إلى المئةِ دولار؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والعاصمةُ بيروت منكوبةٌ والمرفأُ مهدَّمٌ وثرواتُ النفطِ والغازِ تحت وضع اليد؟ لماذا لا تؤلِّفون حكومةً والبلادُ دخلت مدار الانهيار النهائي؟ ألا تخافون الله والناس ومحكمة الضمير والتاريخ؟”.
وسأل: “هل من عاقل يصدّق أن الخلاف هو في تفسير مادّة من الدستور واضحة وضوح الشمس؟ أيّها المسؤولون، الدستور وُضع للتطبيق لا للسجال، وليكون مصدر إتفاق لا مصدر خلاف. أمام التحديّات المصيريّة، ترخص التضحيات الشكليّة، ويكفي أن تكون النيّة سليمة. وفي كلّ حال، المبادرة في هذا الإتجاه ترفع من شأن صاحبها في نظر الناس والعامّة، وتدلّ على روح المسؤوليّة”.
واضاف: “نحن نعتبر أنّه لو كان الحيادُ قائمًا في لبنان ما كنا لنشهدَ أيَّ أزْمةٍ دستوريّةٍ، بما فيها أزْمةُ تأليفِ الحكومةِ حاليًّا. فعلاوةً على المصالحِ الفئوية التي تَفرِزُ الأزَماتِ والحروبَ في لبنان، يبقى السببُ الرئيسيُّ هو الانحيازُ وتعدّدُ الولاءات. وأيُّ مقاربةٍ جديدةٍ لوجودِنا اللبنانيّ يجب أن تَنطلقَ من اعتمادِ الحيادِ لنحافظَ على وجودِنا الموحَّد والحرِّ والمستقل. إنّ خلاص لبنان يقتضي أن تنظر الأسرة الدوليّة إلى قضيّته بمعزل عن أيّ ارتباط بقضيّة أيّ بلد آخر قريب أو بعيد، وفيما نهنّئ الرئيسَ الأميركيّ الجديد السيّد جو بايدن بتسلّم مهامّه، ونعوّل على ما يَتميّزُ به من إيمان والتزامِ بالقيم الروحيّة والإنسانيّة، ومن َتحسّسٍ لقضايا الشعوب ومعاناتِها وحقوقِها وتَوْقِها إلى العدالةِ والحريّة، نأمل أن ينظر مع إدارته إلى قضيّة لبنان بهذه النظرة، من دون ربطه بأي بلد آخر، وأن يساهم في إبعادِه عن الصراعاتِ الإقليميّة، ودعمِ مشروعِ حيادِه كمدخلٍ لإستعادة استقراره وازدهاره”.