لم يفاجئ قرار تمديد الاقفال العام في البلاد حتى 8 شباط المقبل اللبنانيين الذين لا يكتوون فقط بالوقائع الشرسة للانتشار الوبائي حاصدا كل يوم الاف المصابين وعشرات الضحايا، وانما أيضا وأساسا بحالة مخيفة ومستشرسة أيضا من المعاندة السياسية التي تمعن في تعطيل ولادة حكومة انقاذية لا مجال للسيطرة على شتى الازمات والانهيارات التي تعتصر لبنان واللبنانيين من دونها. فاذا بدا قرار تمديد الاقفال لأسبوعين إضافيين من باب تحصيل الحاصل والضرورات التي لا مفر منها لمحاولة لجم الانتشار المخيف الآخذ في التصاعد للاصابات بكورونا وتخفيف الوضع غير المسبوق حتى في الحروب في المستشفيات، فان ذلك لم يحجب في أي شكل حقيقة يتداولها الداخل والخارج سواء بسواء وهي ان لبنان يهرول بسرعة مخيفة نحو الارتطام الكبير الذي ستتداخل فيه التداعيات الصحية الخطيرة بتداعيات الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي سينفجر في نهاية المطاف ما دام المعنيون المباشرون بتعطيل تشكيل الحكومة التي طال انتظارها لا يقيمون اعتبارا للشق السياسي الأساسي الإلزامي لإنقاذ البلاد ويسخرون غرق اللبنانيين في تداعيات الكارثة الصحية في إبقاء الفراغ الحكومي سلاحا للضغط على خصومهم ولتحقيق أهدافهم الفئوية المكشوفة. ولعل ما يزيد الوضع خطورة وقتامة ان مصادر سياسية بارزة نقلت في مجالسها الخاصة كلاما عن قصر بعبدا يفيد بان لا حل قريبا للازمة الحكومية وان بعبدا على موقفها من تشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري وليست في وارد التراجع بل على الحريري التراجع ووضع أسس جديدة لتشكيلة حكومية، كما ان بعبدا لا تجد نفسها معنية باي موقف او توضيح لشريط الفيديو الذي نال فيه كلام رئيس الجمهورية من الرئيس المكلف.
وتجدر الإشارة الى انه في سياق المواقف العربية من لبنان، أكد امس وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن “لبنان يمتلك مقومات للنجاح لكنه يحتاج للإصلاح ولن يزدهر بلا إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات حزب الله”.
التمديد والتفشي
يجري هذا وسط تفاقم مخيف لكارثة الانتشار الوبائي التي سجلت آخر اعدادها امس 4594 إصابة و67 حالة وفاة الامر الذي استدعى مجددا استنفارا لتمديد الاقفال العام والتشدد في إبقاء الاستثناءات محدودة ابتداء من 25 الجاري حتى 8 شباط المقبل. وأعلن المجلس الاعلى للدفاع بعد اجتماع طارئ برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا تمديد العمل بقرار الإغلاق الكامل لغاية صباح يوم الإثنين 8 شباط وتم الطلب الى الأجهزة العسكرية والأمنية التشدد في تطبيق القرار المحدد. واذ اوضح ان “الاجراءات مستمرة على حالها خلال الاسبوعين الممددين للاقفال”، اشار الى ان “في حال ورود أي استثناء سيعمم على الجميع” والى ان “الاقفال لـ10 أيام لم يكن كافياً والمستشفيات وطاقمها الطبي مرهقون والاصابات والوفيات الى ارتفاع”. وإذ بدا لافتا امس ان رئاسة حكومة تصريف الاعمال كانت استبقت اجتماع المجلس الأعلى بإعلان قرار تمديد الاقفال ببيان أصدرته عقب ترؤس رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب اللجنة الوزارية المختصة بملف كورونا، اعلن دياب في اجتماع المجلس الأعلى ان الإجراءات التي تتخذها الحكومة جعلت لبنان الدولة الثانية في العالم التي تطبق بقسوة الإجراءات الواجب اعتمادها لمكافحة هذا الوباء خصوصا ان الاستثناءات ليست كثيرة بل تقتصر على الضرورة منها وسوف تستمر خلال الفترة المقبلة من الاقفال.
وفي سياق هذا الاستنفار اعلن مصرف لبنان انه استلم بعد ظهر امس طلبا من وزارة المال لتحويل مبلغ 18 مليون دولار للخارج لشراء اللقاح عبر منصة كوفاكس وقام مصرف لبنان بتنفيذ التحويل فورا حيث تم تحويل الاموال المطلوبة.
كذلك استلم مصرف لبنان الاثنين الماضي من وزارة الصحة طلب تحويل مبالغ محددة لصالح المستشفيات الحكومية والخاصة وذلك بدل تسديد فواتير مرضى كورونا. وقد نفذت المديريات المعنية في مصرف لبنان هذه التحويلات بشكل فوري وسريع مشددا على انه يعطي الاولوية القصوى للتحويلات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا.
واعلن رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي بعد اجتماع اللجنة العمل للحصول على ما مجموعه 6 ملايين لقاح لتلقيح نحو 3 ملايين بين لبنانيين ومقيمين وكشف ان وزارة الصحة ستطلق منصة لتسجيل اسماء من يريدون الحصول على لقاح. وأوضح ان كمية من اللقاحات ستصل في بداية شباط لتصل الأخرى تباعاً بشكل اسبوعي .
وكان البنك الدولي وافق على إعادة تخصيص مبلغ 34 مليون دولار في إطار مشروع تعزيز النظام الصحي الحالي للمساعدة في توفير اللقاحات للبنان. ويمثّل ذلك أول عملية يُموِّلها البنك الدولي لشراء لقاحات كورونا. وسيتيح هذا التمويل اللقاحات لأكثر من مليوني شخص، ومن المتوقع أن تصل إلى لبنان في أوائل شباط.
المأزق وجبهة المعارضة
وسط هذه الأجواء لم يحمل المشهد السياسي أي جديد على صعيد المأزق الحكومي باستثناء زيارة قام بها مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي الى بكركي حيث استقبله البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في إطار استكمال مساعيه للاسراع في تشكيل حكومة.
وفيما أكدت كتلة “الوفاء للمقاومة” ان الواقع المأزوم في لبنان “يتطلب تأليف حكومة في أسرع وقت”، اعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنّ الهدف من الاتصالات التي تقوم بها “القوات اللبنانية” في الوقت الحاضر، “هو تكوين جبهة إنقاذ معارضة في أسرع وقت ممكن من أجل الدفع في اتجاه إجراء انتخابات نيابية مبكرة، تؤدي إلى وصول أكثرية نيابية مختلفة تعيد إنتاج السلطة كلها وفي طليعتها انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة إنقاذ طال انتظارها” . وقال “إن السلبية والعقبات واللامبالاة التي يضعها البعض في طريق نشوء هذه الجبهة، لا تؤدي سوى إلى إطالة عمر الأكثرية النيابية الحاكمة، وبالتالي إطالة أمد الأزمة، وإطالة درب جلجلة اللبنانيين.” وأكّد “أنّ التباكي والتشكي والانتقاد والتحسر والبكاء على الاطلال لا يفيد بشيء، وما يفيد هو تجميع قوى المعارضة لتشكيل قوة سياسية لا يستهان بها تعمل بكل جد لحصول انتخابات نيابية مبكرة، تكون مدخلا للتغيير المنشود في السلطة”.
“النهار”