ألان سركيس
عاود البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إطلاق مساعيه الرامية إلى تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بغية تأمين ولادة حكومية سريعة.
تصرّ بكركي على لعب دور المحايد والوسيط في الأزمة الحكومية الراهنة، ويعلم الجميع أنه إذا أوقف الراعي مبادرته لن تكون هناك أي مبادرة أخرى جاهزة في الملف الحكومي.
ومن هذا المنطلق، فإن الراعي يعمل على إزالة كل التباس حصل بين عون والحريري، خصوصاً بعد الفيديو المسرّب من لقاء بعبدا بين عون ورئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، مما يُسهّل عملية التأليف.
أما الأهم فهو الشق السياسي المرتبط بالتأليف، وتدرك بكركي في هذا المجال أن الأزمة لا تنحصر بين الحريري وعون، بل لها إمتدادات إقليمية ودولية، فمن جهة هناك “حزب الله” المتمسّك بشروطه والذي يمثّل المحور الإيراني في لبنان، ومن جهة أخرى هناك المحور العربي الذي يرفض أن تُؤلّف حكومة يُسيطر عليها “الحزب” ومن خلفه إيران. ووسط الحديث عن العودة إلى حكومة سياسية أو سياسية مقنّعة بوجوه تكنوقراط على شاكلة حكومة الرئيس دياب، فإن الراعي يرفض العودة إلى مثل هكذا حكومات لأنها كانت سبباً للأزمة وليس للحلّ. ووسط لعبة شدّ الحبال الإقليمية والدولية، بين مؤيد لمشاركة “حزب الله” ورافض لها، لا تزال بكركي تعتبر أن حكومة الإختصاصيين المستقلة هي الوصفة الأساسية لحل أزمة تأليف الحكومة، ففي مثل هكذا حكومة لا يعتبر أي فريق أنه خرج من اللعبة، أو سجّل فريق إنتصاراً على الآخر، وعندها يتم إختيار الوزراء على أساس الكفاءة ووفق التوزيع الطائفي من دون أن يمتلك أي حزب أو فريق حقيبة معينة، وعندها تُحلّ مشكلة تمثيل “حزب الله” من عدمه.
وترى بكركي أنّ رئيسَي الجمهورية والحكومة هما الضمانة لكل الأفرقاء سواء في الحكومة أو مجلس النواب أو حتى القوى السياسية أو المدنية غير الممثلة في البرلمان، وهذا الأمر يكفله الدستور، إذ إن رئيس الجمهورية ليس رئيس المسيحيين أو رئيس الحكومة رئيس المسلمين، لذلك فإن الحلّ يبدأ بتغيير الذهنية وليس الأشخاص فقط. وتعتبر أن الحكومة التي تعمل على ولادتها ليست حكومة سياسية ستحل المشكلات الكبرى العالقة أو أنها تريد تغيير سياسة لبنان، بل إنها تأتي في سياق مهمة إنقاذية محدّدة ومن أجل إنتشال لبنان من الحفرة التي يغرق فيها، ما يتوافق مع مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لذلك فإنه من غير الضروري وجود القوى السياسية فيها لأن هذه الحكومة لن تطرح الملفات الخلافية الكبرى مثل الإستراتيجية الدفاعية أو هوية لبنان، بل ستركّز على الشقّ الإصلاحي. ويرى الراعي أن الوقت أكثر من مناسب لمعاودة حراكه الحكومي، لأن كل المراهنين على تبدّل في سياسة الإدارة الأميركية بعد استلام الرئيس الديموقراطي جو بايدن زمام الحكم في أميركا خاب ظنهم، وباتوا على علم أن سياسة أميركا الكبرى لن تتغير، وبالتالي فإنه يتوجب على القادة اللبنانيين الجلوس مع بعضهم البعض لإيجاد حلّ لأزمة البلد وعدم إنتظار الخارج المشغول بهمومه ومشكلاته. وعلى رغم النفحات الإيجابية، إلا أن الأمل بتحقيق تقدّم حكومي لا يزال بعيد المنال، لأن الشياطين تكمن بالتفاصيل، وهناك أفرقاء في الداخل يسعون إلى تثبيت نفوذهم ما يؤخّر مبادرة الراعي ويُصعّب الحل أكثر.
“نداء الوطن”