كلير شكر
واقع معقّد قد يستمر أشهراً من دون أن يجد من يعالجه أو يعدّل في مساره: رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “كارهان” لتكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة وهناك من يقنعهما أنّ ثمة فتوى دستورية قد تنزع ورقة التكليف من الرجل أو تدفعه إلى الاعتذار… ولكن من دون جدوى. في المقابل، رئيس “تيار المستقبل” متمسك بتكليفه من دون أن ترفّ له الضغوطات أي جفن.
لا بل يحاول الحريري تعويض الركود الحكومي، الذي توقّف عند الاجتماع رقم 14 الذي جمعه برئيس الجمهورية بعد تقديم مسودة من 18 وزيراً، بزيارات خارجية بدأها بالرحلة – اللغز إلى تركيا بعد زيارة دولة الإمارات، توحي بأنهّ تمكن من فكّ العزلة السياسية التي كانت تفرضها دول المنطقة، وتحديداً الخليجية عليه.
يسعى رئيس الحكومة المكلف الى ملء الشغور في مرحلة التأليف، من خلال اتصالات عابرة للحدود مع صناديق مالية وداعمة، ورحلات الى دول فاعلة على أمل تأمين انطلاقة سريعة وقوية لحكومته بعد رؤيتها النور. هكذا يتصرف على أساس أن حكومته ستولد في مطلق الأحوال، مهما اشتدت الاعتراضات من جانب القصر ومستشاريه.
فعلياً، يقول مقربون من الرئيس الحريري، إنّ التسريبات التي طالت رئيس تيار المستقبل في الأيام الأخيرة، هي أشبه بتأكيد للمؤكد الذي يدركه الرجل جيداً، وهو كان على يقين أنّ الفريق العوني لا يريده في السراي الحكومي. ولكن هذا الموقف، لن يغيّر، برأيهم، الواقع ولن يدفع برئيس الحكومة المكلف الى الاعتذار أو التراجع.
المقربون من رئيس الحكومة يرون الأمور من زاوية مختلفة. اذ يعتبرون أنّ ما تسرب عن لسان رئيس الجهورية هو تجاوز لدور أكثرية نيابية منتخبة سمّت الحريري رئيساً للحكومة، وبالتالي إنّ مشكلة القصر هي مع هذه الأكثرية. هذا في العنوان الأساس، أما في التفصيل فلا بدّ من الإشارة، وفق المقربين، إلى تفصيل مهم جداً للردّ على ادعاءات التيار بشأن استثناء حقيبة المال من قاعدة المداورة، ليشيروا إلى أنّ ورقة الأفكار التي سلّمها رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة المكلف، تضمّنت 4 خانات: الخانة الأولى خصصت للطوائف، الثانية للحقائب، الثالثة للإنتماء السياسي، والرابعة للأسماء.
وفق المقربين، تركت الخانة الأخيرة فارغة، بينما وزعت الحقائب على القوى المشاركة، بحيث جيّرت سبعة مقاعد مسيحية لرئيس الجمهورية وترك مقعد للطاشناق وآخر للمردة. المهم من هذه الجردة، هو أنّ حقيبة المال أبقيت وفق ورقة رئاسة الجمهورية ضمن الحصة الشيعية. ما يعني أن الاتهام الذي يلصقه العونيون برئيس الحكومة المكلف، اقترفوه بأنفسهم، وهذا ما يوصف بازدواجية السلوك: الكلام عند العونيين شيء، والتصرف شيء آخر، على نقيض تماماً.
ولهذا اكتفى مكتب الحريري يوم الأحد، بالرد على نحو مقتضب على المؤتمر الصحافي الذي عقده جبران باسيل خصوصاً وأنّ المقصود منه جرّ رئيس الحكومة المكلف الى اشتباك طائفي، يرفض الوقوع في شركه.
لكن المقربين من الحريري لا يحيّدون “حزب الله “عن الصراع الحاصل بين القصر وبيت الوسط، على خلاف المرحلة السابقة التي كان يحرص خلالها الحريريون على ابعاد الحزب عن مرمى انتقاداتهم بالتعطيل. حالياً يقولون إنّ “حزب الله” لا يريد قيام الحكومة في هذه اللحظة بالذات ولذا يترك واجهة التعطيل لرئيس “التيار الوطني الحر”.
ماذا بعد تعليق المشاورات الحكومية؟
يجيب المقربون إنّ الحريري تقدّم بمسودته، وبالتالي إن الكرة هي في ملعب رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يدعو رئيس الحكومة المكلف لمناقشة هذه المسودة خصوصاً وأنّه في اللقاء الأخير أبلغه أنه سيرد عليه خبراً.. وهو لا يزال ينتظر هذا الخبر. ويؤكدون أنّ اتساع هوة الخلاف الشخصي لا يلغي امكانية التعايش تحت سقف الدستور وثمة تجارب كثيرة في التاريخ الغربي الحديث عن تعايش بين رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة من محورين سياسيين نقيضين تمكنا من العمل سوياً.
وردّاً على دعوة “تكتل لبنان القوي” لرئيس الحكومة المكلف لاستئناف مشاوراته بعيداً عن أي تأثيرات، يجيب المقربون: بين كلام يوم الأحد، وتسريب يوم الاثنين، ودعوة يوم الثلثاء… ضاعت الطاسة مع العونيين!
“نداء الوطن”