محمد شقير
قال مصدر سياسي بارز إن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أخطأ في رهانه على أن استخدام «السلاح الثقيل» بغطاء مباشر من رئيس الجمهورية ميشال عون، واستفزازه للرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، سيدفع إلى رد فعل يترتّب عليه خلق المناخات المناسبة التي تؤدي إلى اصطفاف مسيحي غير مسبوق يمكنه توظيفه في إقفال الباب في وجه المحاولات الرامية إلى إخراج عملية التأليف من التأزُّم الذي يحاصرها، ما لم يسلم الحريري بشروطه التي تتيح له إنعاش وضعه في الشارع المسيحي.
وأكد المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن باسيل اصطدم بتجاهل حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» لمواقفه التصعيدية غير المألوفة، رغم أنهما على تباين مع الحريري في مواضيع عدة، وتلازَم ذلك مع صمت البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي آثر عدم التعليق، وفضّل تحييد بكركي عن السجالات التي يُراد منها نسف المبادرة التي قام بها الراعي لإصلاح ذات البين بين عون والحريري، في محاولة لرأب الصدع الذي أصاب علاقتهما.
ولفت إلى أن الراعي الذي كان حثّ عون والحريري على عقد لقاءات «وجدانية» للإسراع في تهيئة الظروف لتشكيل الحكومة يدرس حالياً إمكانية معاودة تحرّكه وعدم استسلامه لواقع الحال الذي يكاد يطيح بمبادرته، وقال إنه يدرس معاودة تحركه باتجاه بعبدا – بيت الوسط، ما يعني أنه في منأى عن إقحام بكركي في اصطفاف طابعه مذهبي وطائفي.
ورأى المصدر نفسه أن عون كان في غنى عن الاتهام الذي وجّهه للحريري، وسأل: كيف يسمح لنفسه، وهو يستعد لترؤس اجتماع المجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ قرار بالإقفال العام لخفض ارتفاع منسوب الإصابات، وبشكل يدعو للقلق من تزايد انتشار وباء فيروس كورونا، بأن يفتعل أزمة مجانية مع الحريري قادته حكماً إلى إقفال الباب في وجه المشاورات الرامية إلى إخراج البلد من التأزّم، وكأنه مصاب بـ«كورونا سياسية».
واعتبر أن التوجّه العام لرؤساء الحكومة السابقين حال دون تطييف أزمة تشكيل الحكومة، وبالتالي قطع الطريق على قيام اصطفاف إسلامي، ما عطّل مشروع باسيل – عون اللذين راهنا على أن استفزاز الحريري سيولّد رد فعل يدفع باتجاه توليد رد فعل في الشارع المسيحي، وقال إنهم أثبتوا حرصهم على عدم المساس بالسلم الأهلي وتعريض التعايش بين الطوائف اللبنانية إلى انتكاسة تعود بالبلد إلى الأجواء التي خلّفتها الحرب الأهلية.
وتوقّف المصدر أمام ما ورد في «الفيديو» الذي وُزّع عن قصد أو غير قصد في بعبدا، وتناول فيه عون الحريري بعبارات لا تليق بموقع رئاسة الجمهورية، وقال إن الاستنتاج من النص الأصلي، وتالياً التوضيح، كان واحداً، ويتمحور حول أن لا مجال للتعاون مع الرئيس المكلّف، وبالتالي استبعد تأليف الحكومة. وسأل ما الذي منع عون من توضيح ما قاله وصولاً إلى اعتذاره ضمناً بدلاً من أن يكسرها مع الحريري، في وقت كان يُفترض فيه أخذ المبادرة لسحب اتهاماته من التداول؟ وقال: هل هناك جدوى لاستئناف التشاور بينهما بعد أن ذهب عون بعيداً في اتهاماته، وقرر عن سابق تصوّر وتصميم بأن يقفل الباب في وجه إمكانية التوصّل إلى حلول كما أقفله سابقاً في وجه إطلاق المبادرات لتصويب علاقاته بالدول العربية؟ كما سأل: ما الجدوى من انحياز عون لوجهة نظر وريثه السياسي باسيل، بدلاً من أن يبقي الرئاسة في منأى عن النزاعات ويتموضع في منتصف الطريق الذي يسمح له بالتدخّل للوصول إلى حلول؟ لأن على الرئيس أن يتصرف بمرونة من جهة وأن يأخذ ويعطي مع هذا الطرف أو ذاك بدلاً من أن يوفر الذرائع للذين يتهمونه بتفويض صهره على بياض، وصولاً إلى تعاطيه بكل شاردة وواردة، وكأنه الآمر الناهي الذي وحده من يحل ويربط ويقرر في القضايا المصيرية.
وفي هذا السياق، كيف يسمح باسيل لنفسه ومن خلال البيان الصادر عن تكتله النيابي بدعوة الحريري للتواصل مع عون لتشكيل حكومة تحترم وحدة المعايير، وهو أعلم من غيره بأن عون كان استثنى وزارة المالية من المداورة، ووافق على أن تكون من حصة الشيعة، وهذا ما تضمّنته مقاربته المتكاملة لإعادة توزيع الحقائب على الطوائف، في رده على التشكيلة التي سلمه إياها الحريري. ناهيك بأن وحدة المعايير لا تشمل رئاستي الجمهورية والبرلمان، وتقتصر على رئاسة الحكومة بذريعة أن المجيء بحكومة من اختصاصيين تستدعي أن يكون رئيسها من ضمن هؤلاء الوزراء، مع أن عون لم يُنتخب على أساس أنه اختصاصي، وإنما لأنه كان يرأس تياراً سياسياً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرئيس نبيه بري، علماً بأن رئيس الحكومة هو من يتحمّل تبعات حكومته، وينطق باسمها، وتخضع لمساءلة المجلس النيابي بخلاف رئيس الجمهورية الذي لا تبعة عليه.
لذلك فإن باسيل (كما يقول المصدر) أقحم نفسه في مغامرة أدت إلى إحراق ما تبقّى لعون من أوراق، وإذا كان يعتمد على فائض القوة التي يوفّرها له «حزب الله»، فإن الأخير يراعيه إلى أقصى الحدود لعله يتمكن من أن يستعيد ما خسره في الشارع المسيحي، بسبب وقوفه إلى جانبه واندفاعه لتوفير الغطاء السياسي له، الذي كان وراء العقوبات الأميركية التي استهدفته.
لكن الحزب في المقابل يُحسب ألف حساب للتمادي معه في طروحاته لما يترتب عليه من احتقان في الشارع السنّي، خصوصاً أن مصادر في المعارضة، وإن كانت لم تتوحّد فهي تُجمِع على أن الحزب ليس بعيداً عن الانقلاب الذي يقوده عون – باسيل، من دون أن يتبنى ما صدر عنهما من تعابير ذات طابع شخصي، بذريعة أنهما ينوبان عنه في ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن لسلطاته الدستورية، واختبار مدى استعداده للتفاوض مع إيران.
“الشرق الأوسط”