مريم مجدولين لحام
إكراماً لما يزعمه وزير الصحة حمد حسن من إنجازات على صعيد التصدي لجائحة “كورونا”، وعملاً بما أثار انتباه المشاهدين من حديث كان قد أجراه عبر وسائل الاعلام لعب فيه دور الفلهوي الذي يشير إيحاء الى أن المناطق ذات الغالبية المسيحية “معقل للوباء”، ومعتمداً منطق التوبيخ المبطن متفلتاً من مسؤولياته… كان لا بد لنا من العودة إلى أرقام توزيعه للأسقف المالية للمستشفيات، آملين لفت نظر الوزير الحريص، الى أن الفضل في تقصير “تلك المناطق” يعود إليه بالدرجة الأولى!
ما كان ينقص اللبنانيين إلا حشر الوباء في القوقعات الطائفية، والتعامل مع “القمصان البيض” أو “الجيش الأبيض” من أطباء وممرضين وإدارات مستشفيات حكومية وخاصة بطريقة حزبية وسياسية. فما الذي أماطت “الأرقام” اللثام عنه في قرارات الوزير العديدة قبل اتجاه البلاد نحو الإقفال العام؟
الوصم الطائفي لـ”كورونا”!
تدل الأرقام الى أن هناك ثلاث مناطق لبنانية قد سجلت العدد الأكبر من إصابات “كورونا” خلال 14 يوماً وهي المتن وبعبدا وبيروت، مع أكثر من 50% من الإصابات، وأن عدد إصابات “كورونا” في المتن قد تخطى الـ6000 حالة خلال أسبوعين وفي بعبدا 5000 حالة، علماً أن عدد سكان المتن يوازي تقريباً 83% من عدد سكان بعبدا. وفي هذا الشأن ينسج الوزير أوهاماً بأن هناك فرقاً بين المناطق ذات الطابع المسيحي وغيرها من المناطق ذات الغالبية المسلمة. إلا أن ملامح التمييز تلك كانت قد ظهرت مسبقاً عندما اتخذ الوزير قرار خفض السقوفات المالية لمنطقة المتن بنسبة 10% عن المرسوم السابق، وعليه، تكتظ مستشفيات المتن حالياً وتنازع وتلام مع أنها حصلت على 30% فقط من السقوف المالية المعطاة لمستشفيات بعبدا التي تدور في فلك “حزب الله”. وبلغة أكثر وضوحاً، رُصد لمستشفيات بعبدا المقربة من محسوبيات فريق الوزارة (11 مستشفى) ما مجموعه 65 ملياراً و230 مليون ليرة لبنانية، في حين رُصد لمستشفيات المتن (14 مستشفى) مبلغ 21 ملياراً و591 مليوناً و320 ألف ليرة لبنانية فقط أي بفارق نحو 44 ملياراً!!
وفي هذا الإطار، مُنح مستشفى الرسول الأعظم المحسوب على “حزب الله” وحده سقف 13 ملياراً و950 مليون ليرة لبنانية، ومستشفى الزهراء كذلك مبلغ 6 مليارات و290 مليون ليرة لبنانية ومستشفى بهمن مبلغ 3 مليارات و920 مليون ليرة لبنانية، والسان جورج الحدث مبلغ مليارين و250 مليون ليرة لبنانية… في حين أن السقوف المالية لمستشفيات بيروت أو مستشفيات المتن مجتمعة توازي السقوف المالية المعطاة للمستشفيات المقربة من “حزب الله” في بعبدا فقط، وذلك رغم اعتبار مستشفى رفيق الحريري (الذي رُصد له مبلغ 26 مليار ليرة لبنانية) من ضمن مستشفيات بيروت وليس بعبدا مع أنه من ضمن بلدية الغبيري في بعبدا خلافاً لما يعتقده البعض ولتسميته مستشفى بيروت الحكومي، وبالرغم من أنه لا يلبي بالضرورة أبناء بيروت.
وفي تفاصيل الأموال المرصودة لمستشفيات المتن، مُنح مستشفى ضهر الباشق الحكومي مبلغ 5 مليارات و500 مليون ليرة لبنانية كسقف ومستشفى بيت شباب 645 مليون ليرة لبنانية، مستشفى مار يوسف 3 مليارات و220 مليون ليرة لبنانية، العين والأذن 314 مليون ليرة، أبو جودة 750 مليون ليرة لبنانية، مستشفى سرحال 800 مليون ليرة لبنانية، مستشفى الحايك 827 مليوناً و320 ألف ليرة لبنانية، دير الصليب 800 مليون ليرة لبنانية، ومنح مستشفى هارون مبلغ 2 مليار و725 مليون ليرة لبنانية، مستشفى الشرق الأوسط مبلغ مليار و610 ملايين ليرة لبنانية، مركز بلفيو الطبي مبلغ مليار و750 مليون ليرة لبنانية، المشرق مليار و300 مليون ليرة لبنانية، مستشفى بحنس 850 مليون ليرة لبنانية ومستشفى الأرز 500 مليون ليرة لبنانية. ما يؤكد أنه بالمحصلة، خنقت مستشفيات المتن مادياً، ويتم لومها على ضعف قدرتها على الإستجابة ومواجهة الوباء!
الوصم الطائفي لـ”كورونا” لم يطل المتن فحسب، بل امتد ليطال بيروت أيضاً، بالرغم من ارتفاع اعداد المصابين فيها. فتشير الأرقام أيضاً الى أن سكان بيروت أكثر من ضعف سكان بعبدا وهي العاصمة ومستشفياتها قد حصلت على نصف السقوف المالية المخصصة لبعبدا (هذا إذا احتسبنا أن مستشفى رفيق الحريري يغطي بيروت)، فمثلاً، مستشفى المقاصد الإسلامية الذي يلبي معظم أهالي بيروت “الثانية” رُصد له مبلغ 6 مليارات و400 مليون ليرة لبنانية فقط، ومستشفى دار العجزة الإسلامية الذي لا يعالج الـ”كورونا”، ولكن يهتم بالمسنين الذين هم من أكثر الفئات هشاشة، رصد له 450 مليون ليرة لبنانية. أما المستشفيات التي تغطي بيروت “الأولى” والتي تضررت حتماً من انفجار مرفأ بيروت فحصلت على “فتات الخبز”، فأوتيل ديو رصد له مبلغ 3 مليارات و900 مليون ليرة لبنانية والجعيتاوي 4 مليارات و365 مليون ليرة لبنانية أما مستشفى الروم فحصل على 5 مليارات و100 مليون ليرة لبنانية والوردية مبلغ مليار و200 مليون ليرة لبنانية!
وبما أننا في صدد الحديث عن مستشفيات بيروت، لا بد من الإشارة الى أن لمستشفى الكرنتينا المتضرر والمقبل على التسكير قريباً مبنى آخر يستطيع استقبال 100 سرير على الأقل من مرضى “كورونا”، إلا أن افتتاحه متوقف على “الطرش” و”تركيب النوافذ” وبعض الأشياء البسيطة والذي رفض أن يرصد له الوزير حسن أي مبلغ لافتتاحه. وفي زاوية أخرى من البلاد يتحجج الوزير المختص المقرّب من “حزب الله” أن “التكلفة المالية للإداريين” هي ما تمنعه من افتتاح المستشفى الحكومي الميداني المقدم من دولة قطر والمقرر تركيبه في صور، فيما تداول بعض الأطباء ومنهم الدكتور علي عزالدين منشورات فيسبوكية يعلنون فيها استعدادهم لإدارته من دون أي راتب لمدة 3 سنوات. أما في طرابلس، “فمحتارين” أين سيضعون المستشفى الميداني الهبة، فتارة يقترحون “القبة” وطوراً يرجحون وضعه في “المعرض”!
أموال البنك الدولي
في استجابة سريعة لتفشي فيروس كورونا، وافق البنك الدولي في 12 آذار السنة الماضية 2020 على إعادة تخصيص 40 مليون دولار ضمن مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان، لتعزيز قدرة وزارة الصحة العامة على التصدي للأزمة عبر تجهيز المستشفيات الحكومية وزيادة قدرتها على اختبار وعلاج الحالات المشتبه في إصابتها. على أن تتم المباشرة بعمليات شراء سريعة للمعدات والمستلزمات الطبية التي تشتد الحاجة إليها مع إتمام توقيع عقود مع وكالتين تابعتين للأمم المتحدة.
كل ذلك المبلغ رُصد ليدعم قضية “مكافحة فيروس كورونا” وجهود الحكومة اللبنانية، على أن يُصرف المبلغ على ثلاثة مجالات رئيسية، مقسمة على الشكل التالي: الأول لمراقبة وكشف حالات الإصابة، والثاني لإدارة الحالات وحماية العاملين الصحييّن، أما الثالث فللاستجابة على مستوى متعدد القطاعات، أي لدعم أنشطة القطاعات المتعدّدة بما في ذلك عمليات غرف القيادة على المستويين المركزي والإقليمي، وتنفيذ حملات إعلامية بشأن التوعية حول المخاطر وأهمية المشاركة المجتمعية. وفي هذه الأقسام الثلاثة عمل وزير الصحة مع فريقه على استفادة مؤسسات “حزب الله” حصراً من تلك الأموال. ففي قسم مراقبة وكشف حالات الإصابة، رفض الوزير اعطاء الترصيد الوبائي للصليب الأحمر اللبناني الذي يغطي الدولة اللبنانية كلها بمختلف مناطقها، وأصر على أن تقوم الهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله” بهذا الدور حصراً، دون غيرها. كما أنه لم يستخدم 240 مكتباً رعائياً صحياً تابعاً لوزارة الصحة، بل تم تفضيل مؤسسات “حزب الله” للقيام بالدور الرعائي وحتى الساعة قرر منح “حزب الله” احتكار التطوع الصحي والرعائي، أسوة باحتكار المقاومة.
أما في قسم إدارة الحالات وحماية العاملين الصحيّين، فمن يطلع على الأموال التي دفعت من الـ40 مليوناً، يجد أنه وفي عقد واحد مثلاً تم صرف مبلغ 5 ملايين و562 الفاً و71.99 دولاراً أميركياً لشراء “حاجيات التصدي لكورونا”، ومبلغ 8 ملايين و11 ألفاً و836 دولاراً أميركياً لشراء “معدات وماكينات”، إضافة إلى مليون و638 ألفاً و696 دولاراً أميركياً لشراء “أجهزة تنفس”، وهنا نسأل أين صرفت مجموع تلك الملايين ولماذا لم يجد الوزير حاجة لشراء آلات التنفس الصناعي “صنع لبنان” من هذه الأموال، واستعاض عنها بالإستيراد من الخارج، أي باستعمال “الدولار” في الخارج بدل ضخّه في السوق. فهل لو كان صاحب المصنع تابعاً لـ”حزب الله” كان سيكون التوجه نفسه؟ وهل فعلاً صرفت الأموال لإدارة الحالات في كل المناطق بعدل أم جرى “تطييف” التصدي لـ”كورونا” مجدداً في هذا القسم؟
الملفت أيضاً أن الوزير “ألغى” شراء فحوصات PCR السريع “الرابيد تيست”، بالرغم من أن الأرقام تشير الى أن أكثر من نصف اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر! كما تشير الأرقام الى أن الوزير قد صرف على “المستشارين والإستشاريين والإستشارات” مبالغ عدة، منها مبلغ 42 ألف دولار لأتعاب “مدير مشاريع” ومبلغ 26 ألفاً و400 دولار لـ”موظف مالي” ومبلغ 21 ألفاً و600 دولار “لمساعد العمليات” ومبلغ 15 ألفاً و600 دولار لـ”مساعد إداري” ومبلغ 20 ألفاً و400 دولار للرصد والتقييم، مع الإشارة الى ان كل هؤلاء تم تعيينهم بالطريقة الإستنسابية المناطقية الحزبية السياسية ذاتها، التي بانت في كل تفاصيل ما تقدم!
ليس بين انجازات وزير الصحة ما يوازي نجاحه في تطييف الوباء وخلق الفروقات المناطقية في خطط التصدي لهذا المرض الفتاك، إدارةً وتوزيعاً مادياً. فيصعب إيجاد كلمة أخرى غير كلمة “فضيحة” لوصف كل هذه الممارسات التي لا يمكن تبريرها، ناهيك عن عجز المواطن المنكوب عن استشراف منطويات وأبعاد قرارات الوزير التي لا تقيم في القطاع الصحي إلا حكماً مكملاً لـ”فائض القوة” المفروض عليه حُكماً.
“نداء الوطن”