الخبر بالصوت

خضر حسان

حَسَمَ البنك الدولي قراره بالانسحاب من عملية تمويل مشروع سد بِسري، لتُترَكَ الأشغال المنجزة عرضة للاستثمار السياسي والعسكري. ولعلَّ هذا الاستثمار كان موضوعاً على الخارطة بشكل خفيّ، ليكون مشروع السد مكسباً مزدوجاً للحليفين، التيار العوني وحزب الله. لكن رغم توقّف العمل بالمشروع بصيغته “المائية”، بقي العمل متواصلاً على الصيغة العسكرية، مع ضمان تأمين الحصة المالية للتيار بأكبر قدر متاح.

غياب تمويل البنك الدولي، لم يوقف مسار الصفقة، وإنّما حجّمها، من انجاز السد وملحقاته إلى انجاز النفق المارّ تحت منطقة الناعمة، والبالغ قطره نحو 3 أمتار. فقد بدأ مجلس الانماء والاعمار البحث عن آلية لتأمين نحو 80 مليون دولار “لتغليف شبكة جرّ المياه”، بعد امتلائها بعصارة نفايات مطمر الناعمة. فحفر النفق حرَّكَ الصخور تحت المطمر ما أدّى إلى تسرّب العصارة بكميات هائلة أغرقت في وقت سابق حفّارة صينية كانت تعمل داخل النفق.

انسحبت الشركات العاملة في المشروع، وكفَّ البنك الدولي محفظته، وأصبح مشروع السدّ طيّ النسيان، إلاّ أن تأهيل النفق تحوَّلَ إلى مشروع أساسي بحجّة مرور المياه داخله، وهي حجّة واهية لأن المشروع الأساسي بات بلا قاعدة وبلا تمويل وبلا منفعة. فهل تكون للنفق منفعةٌ من دون السدّ ومن دون المياه؟
التذرّع بتأهيل النفقمن زاوية علمية، يرفض الخبير الهيدروجيولوجي، سمير زعاطيطي، التذرّع بتأهيل النفق لتأمين 80 مليون دولار. ويعتبر في حديث لـ”المدن”، أن “تأهيل النفق هو حجة خرافية لمشروع وهمي عماده جرّ المياه إلى بيروت وجبل لبنان. فالمياه غير موجودة ومشروع سد بسري أُلغي”. ويُدرِج زعاطيطي مسعى المستفيدين من المشروع، تحت خانة “المشاريع التي راكمت منذ التسعينيات، ديوناً لامست الـ100 مليار دولار، وأدّت إلى هدر أموال الخزينة العامة وأموال القروض والهبات”.

الخبير المختص بدراسة المياه الجوفية والأرض المحيطة بها، يشير إلى أن “أكذوبة الأرض الصالحة لانشاء السد ما عادت تنفع، كما أن التسرّب الحاصل لعصارة نفايات مطمر الناعمة يؤكد عدم صلاحية المشروع. فضلاً عن أن الخرائط والدراسات الموضوعة للتنفيذ، غير دقيقة وتشوبها الأخطاء والعقبات، ما يعني أن المشروع برمّته غير قابل للتحقيق”.

الاستحالة العلمية تحوّل الأنظار إلى مجلس الإنماء والإعمار، الذي يدير الدَفّة بصفته الجهة الرسمية التي تُمرِّر من خلالها المنظومة الحاكمة صفقاتها بالتراضي، ذلك أنّ المجلس يتبع للحكومة التي تحوي جميع أقطاب المنظومة. وعليه، يسعى المجلس إلى تأمين المبلغ المطلوب. وتشير المعلومات إلى أن المساعي تسير بهدوء وإيجابية رغم أنّ المبلغ ليس صغيراً، خصوصاً مع ما تمثّله قيمته المرتفعة في ظل الأزمة النقدية والاقتصادية التي تغرق بها البلاد.
ولتذليل العقبات، يجتمع المجلس مع الجهات المعنية بالملف، ومنها إحدى المؤسسات الرسمية التي تُعنى بالمياه، إلى جانب إحدى الوزارات التي تشكّل بحسب المسيطرين عليها “ضمانة لحقوق المسيحيين”، مع الإشارة إلى أنّ مشاركة الوزارة تتمّ عن طريق بعض الفنِّيّين من “ذويّ الاختصاص”. وأيضاً، يشترك في العملية أحد اتحادات البلديات الذي يسيطر عليه حزب الله.
المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان تجعل من مبلغ مماثل ضرورة لتأمين أبسط مقوّمات العيش، لا تأهيل نفقٍ لا طائل منه. وحتى وإن كان مشروع سد بسري تغلّفه الشفافية والحاجة، إلاّ أن الأوضاع الاستثنائية تستدعي تحويل مسار صرف الأموال باتجاه الأولويات.

دفاع حزب اللهيوم اقترب الحسم في مسألة وقف التمويل وانتصار معارضي سد بسري، خرج حزب الله من خلف الستارة العونية التي كانت تخفي موافقة الحزب على المشروع، بحجة أنّه يؤمّن المياه لمنطقة الضاحية الجنوبية. فالنائب علي عمّار وصف معارضي السد بأنّهم يريدون حرمان الضاحية الجنوبية من المياه، متجاهلاً الحقائق العلمية التي تؤكد عدم صلاحية الأرض لبناء السدود، وعدم إمكانية تأمين مياه كافية، بالاضافة إلى خطر تلوث المياه بعصارة نفايات مطمر الناعمة.

الدفاع المستميت، انتقل من تأمين التمويل لكامل المشروع، عبر البنك الدولي، إلى محاولة انعاش الجزء الذي يستفيد منه الحزب، وهو النفق، بقيمة 80 مليون دولار. فحماية النفق من عصارة النفايات تعني حماية منشأة عسكرية يريدها الحزب ممراً آمناً يجنّب آلياته المرور بالطريق الساحلي، ويضمن تغلغل الحزب في منطقة الشوف. فقُطر النفق أكبر من أن يكون مخصصاً فقط لقنوات جرّ المياه. فالأمتار الثلاثة تضمن مرور السيارات والآليات. وضلوع الحزب في تسريع تأهيل النفق، يتأكّد من خلال دخول أحد اتحادات البلديات على الخط. وهو نفسه الاتحاد الذي يموّل مشاريع بنى تحتية يستفيد منها الحزب عسكرياً، لكن يبقى العمل الانمائي هو الواجهة. وذلك وفق ما تؤكّده لـ”المدن”، مصادر على صلة وثيقة بمشروع سد بسري.

الصفقة تسير على أكمل وجه حتى اللحظة، فيما البلاد تخطو خطوات إضافية نحو الانهيار الصحي والاجتماعي تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والنقدية. وبدل البحث عن طرق لتوفير الأموال لاستخدامها في مكانها الصحيح لدعم الأسر المحتاجة، وهي الفئة الغالبة، يتم البحث في أساليب هدر المزيد من الأموال. وفي المقابل، يرفض المستفيدون من هذا الهدر وصفهم بالفاسدين وبمستغلّي إدارات ومؤسسات الدولة لمشاريع خاصة، أسوة بباقي أركان المنظومة.

المدن

اترك تعليقًا