سأل البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، “هلّ الحقائب والحصص وتسمية الوزراء أهم وأغلى عند المسؤولين عن تشكيل الحكومة من صرخة أمٍّ لا تعثر على ما تطعم به اولادها، ومن وجع أبٍ لا يجد عملاً ليعيل عائلته، ومن جرح شاب في كرامته لا يملك قسطه المدرسي والجامعي؟”.
وقال الراعي في عظته، اليوم الأحد: “عندما زارنا فخامة رئيس الجمهورية الخميس الماضي اكّدنا معًا وجوب الاسراع في تشكيل حكومة إنقاذيه غير سياسية تباشر مهمّاتها الاصلاحية، وتكون المدخل لحلّ الازمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية”.
وتابع: “نتساءل ايضًا: ألا تتلاشى العقبات الداخلية والخارجية أمام إنقاذ مصير لبنان وإحياء دولة المؤسسات؟ ولماذا الاصرار على ربط هذا الانقاذ بلعبة الامم وصراع المحاور؟
ما قيمة حكومةِ اختصاصيّين إذا تمّ القضاءُ على استقلاليّتها وقدراتِها باختيار وزراء حزبيّن وليسوا على مستوى المسؤولية؟
ما قيمةُ الحيادِ والتجرّدِ والشفافية والنزاهة إذا تسلّمَ الحقائب المعنيّة بمكافحة الفساد ومقاضاة الفاسدين وزراءُ يُمثلون قوى سياسيةً؟”.
اصاف: “هذة الاسئلة الخطيرة تحملنا على تجديد الدعوة الى فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلّف لعقد اجتماع مصالحة شخصية، يجددان فيه الثقة التي تقتضيها مسؤوليتهما العليا، ولا ينهيانه من دون اعلان حكومة، وفقًا لنص الدستور وروحه.
من المعيب حقًا، لكي لا أقول جريمة أن يبقى الاختلافُ على اسمٍ من هنا وآخرَ من هناك، وعلى حقيبةٍ من هنا وأُخرى من هناك، وعلى نسبةِ الحصصِ ولعبةِ الأثلاث واضافة الاعداد، فيما تكاد الدولة تسقط نهائيًا، ولسنا ندري لصالح من هذا الانتحار.
نحن ندرك ان ثمّة صعوبات تعترض الجهود لتشكيل الحكومة، لكن الصعوبات الكبيرة تستدعي موقفًا بطوليًا. والموقف البطوليّ هنا يَندرج في انقاذ لبنان لان تأليفها هو المدخلُ الالزاميُّ والطبيعيُّ والدستوريُّ لإعادة الحياة اللبنانية الى طبيعتها. ايّها المسؤولون والسياسيّون لكم نقول: استفيدوا من هدوء العاصفة الشعبية لتتفادوا هبوبًا من جديد. فالشعبُ يُمهل ولا يُهمل”.
واردف: “بالأمس زارنا الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، نجل المغفور له الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وذكّرني بأن تاريخ اليوم يصادف ذكرى مرور عشرين سنة على وفاة والده. وتذكّرنا معًا تعليمه في كتابه “الوصايا” الذي يبدأ بوصيته “الى عموم الشيعة في كل وطن ومجتمع ان يدمجوا انفسهم في مجتمعاتهم واوطانهم، وان لا يميّزوا انفسهم بأيّ تمييز خاص، وان لا يخترعوا لانفسهم مشروعًا خاصًا يميّزهم عن غيرهم” (الوصايا، ص17). في هذه “الوصايا” يعتبر ان “لبنان استجابة للمسيحيين وضرورة للعالم العربي والعالم الاسلامي”، ويحذّر “بألاّ يستنجد واحدنا بغريب على قريب”.
ويعتبر ايضًا ان النظام السياسي في لبنان سليم لولا ما شابه من بعض الاخطاء في صياغة اتفاق الطائف وفي تطبيقه. فيدعو، الى جهد وطني مخلص للنظر في العيوب والثغرات في نظامنا الطائفي القائم على اتفاق الطائف، وبهذا نحقق للبنان استقرارًا سياسيًا وامكانات كبرى للثقة المتبادلة بين مجموعاته، ونموّه وتقدّمه. وبهذا يبقى لبنان منارة ونموذجًا لكل المجتمعات الاخرى التي تتميّز بالتنوّع (الوصايا، ص32)”.
وقال: “ايّها الاخوة والاخوات الأحباء، نرجو ان يجدد اللبنانيون ثقتهم بلبنان “الرسالة والنموذج”، وان تحافظ عليه الجماعة السياسية، وتتفانَ في سبيل انقاذه، لكي تتم فيه كلمة الكتاب المقدّس: “مجد لبنان أُعطي لله”.