كريستال خوري
لم تخرج عن التوقعات زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد “الإنزال” المسائيّ الذي نفّذه ليل الخميس رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى الصرح البطريركي شاكياً من “جنوح” الفريق “العونيّ” التعطيليّ.
رفض الراعي تكبير حجر مسعاه بين الرئاستين الأولى والثالثة ووصفه بـ”المبادرة”، لإدراكه سلفاً أنّه قد لا يُوفّق في مشواره إلى بعبدا وقد لا تنجح محاولته في اختراق الجمود الحاصل. وهذا ما حصل فعلاً. بالأساس، وفق المتابعين، هو من عرض على الحريري العمل على إقناع رئيس الجمهورية بتسهيل المشاورات الحكوميّة والإسراع بها، علّ معجزة ما تحلّ قبل الأعياد وتُنتج حكومة تعمل على وقف الانهيار الدراماتيكيّ.
يؤكد هؤلاء أنّ رئيس الحكومة المكلّف قصد بكركي بعد تقديمه مسودّة إلى الرئاسة الأولى، وهي خطوة تلت الكلام الذي سبق للراعي أن أدلى به من أمام قصر بعبدا في المرّة ما قبل الأخيرة، داعياً رئيس الحكومة المكلّف إلى تقديم مسوّدة كاملة غير منقوصة الدسم، أو الأسماء. وهذا ما فعله. كما أنّ الحريري حاول توضيح موقفه من الاتهام الذي عملت الماكينة العونية على بثّه خلال الفترة الأخيرة، بأنّه يسعى للاستيلاء على الحصّة المسيحيّة من خلال تسمية وزرائها، فكان لا بدّ من توضيح بعض الحقائق.
لكن على الجبهة العونيّة، تبدو القراءة مختلفة كلياً. ينفي هؤلاء ما يتمّ تداوله في أوساط رئيس الحكومة بأنّه ضمّن مسودته أسماء من سلّة سبق لرئيس الجمهورية أن سلّمها الحريري. يقول العونيون: كلّ ما في الأمر أنّ رئيس الجمهورية تداول مع رئيس الحكومة المكلّف ببعض الأسماء، ولم يسلّمه أي لائحة، فاعتبر الحريري أنّ تلك الأسماء ثابتة وجرى إسقاطها على المسوّدة.
يؤكد هؤلاء أنّ الحريري اكتفى بإسقاط بعض الأسماء التي سبق أن أثارها الرئيس عون. إذ اعتقد رئيس الحكومة أنّ رئيس الجمهورية سيسير بالتشكيلة في هذه الحالة، أسوةً بما فعله مع “حزب الله”، فقد ركّب الحريري اسمين قريبين من “الحزب” لاعتقاده أنّ الأخير سيقبل بهما. وهي فرضية في غير محلها، وفق العونيين، بدليل أنّ الرئيس عون بادله المسودّة بأخرى حضّرها الرئيس لكن لا تتضمّن أسماء.
بالنسبة للعونيين، فإنّ رئيس الحكومة المكلّف يلعب لعبة تشاطر على الرأي العام والقوى السياسية في محاولة غير ناجحة لإقناع الناس بأنّه يحاول جاهداً تأليف حكومة، لكنّ العراقيل تأتيه من الآخرين. إلا أنّ الحقيقة مغايرة كلياً لهذه الصورة.
يؤكد العونيون أنّه ليس للحريري نيّة في تأليف حكومة في هذه الظروف بالذات، لاعتبارات خارجية، لكن مؤشراتها داخلية. برأيهم أنّ من ينوي تأليف حكومة تسارع إلى تنفيذ إصلاحات يفترض عليه التفاهم مع الكتل النيابية التي ستواكبه بالقوانين التي تحتاجها حكومته في ورشتها الاصلاحية. إلا أنّ الرئيس المكلّف يُهمل هذا الجانب كلياً ويتعاطى مع القوى السياسية على أنّها منزوعة الإرادة والقرار والرأي، ويفترض بها أن تدعمه في مشروعه من دون أي تشاور. إذ يعتقد، والكلام للعونيين، أنّ الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد ستسمح له بتعويض الضرر المعنوي الذي تعرض له خلال المراحل السابقة وإظهار فائض قوة تجاه شركائه الحكوميين.
يلفت هؤلاء إلى أنّ مشكلة الحريري ليست في التفاهم مع رئيس الجمهورية ولا مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، كما يصوّرها، بل في الغطاء الخارجي الذي يفقده.
يضيفون: الكثير من البعثات الدبلوماسية المعتمدة في لبنان تتحدث على نحو علني عن رفض سعودي بالمطلق لترؤس الحريري حكومة الإنقاذ أو حتّى حكومة وقف النزيف. وأكثر ما يتوقّف عنده العونيون هو الموقف الأميركي، ليشيروا إلى أنّ الحريري يقف في المنطقة الرمادية، فيخشى العودة إلى الوراء، أي الاعتذار، في لحظة متغيّرات دوليةّ صعبة، ويخشى التقدّم نحو الأمام فتصيبه سهام العقوبات الأميركية.
ولهذا يعتقدون أنّ الرجل لن يقدم على التأليف ولا الاعتذار.
“أساس ميديا”