الخبر بالصوت

آلان سركيس

يعيش لبنان تغيّرات سياسية كبرى ومصيرية، وها هي المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير تمرّ والبلاد تواجه المجهول، وعلى رغم كل الأجواء التي توحي بالتشاؤم، إلاّ أن الدكتور سمير جعجع يُصرّ على إعطاء نفحة تفاؤلية تحت عنوان “يلّي مرّ علينا بالسابق كان أصعب”.

الجوّ عاصف خارجاً، في جونية حبات البرد الإستثنائية تتساقط بغزارة لا مثيل لها وكأن الساحل أصبح جبلاً، أما في معراب فان جعجع ومعه فريق العمل يُصرّ على الإستمرار رغم كل الصورة السوداوية، هذه باختصار الأجواء المحيطة بلقاء الحكيم مع مناصري الحزب على امتداد الوطن عبر تطبيق ZOOM مساء الإثنين.

وعلى رغم أنّ الحضور الحزبي لم يكن شخصياً إلى معراب، لكن الأجواء كانت توحي بأن هناك مئات المناصرين سيحضرون، فتقنية التواصل جديدة والتجربة لم يمرّ عليها وقت طويل، وبما أنّ “القوات” تتميّز بالتنظيم، فان الحزب أبى إلا أن يُثبت أنه يلاحق التطوّر ويتأقلم مع كل الظروف، خصوصاً أنه كان أول من طرح الحكومة الإلكترونية والمكننة في دوائر الدولة.

التدابير الكورونية مشدّدة، والجميع يلتزم وضع الكمامة، واللقاء المنتظر مع مناصري الحزب في لبنان كان الساعة السابعة مساءً، يدخل الحكيم ويجلس في القاعة الكبرى، المشهد تغير عن السابق، لا توجد مقاعد بل أمامه شاشات تظهر عليها صور المناصرين والذين شاركوا بناء على دعوة المنسقين في البلدات والمدن.

لم يشأ جعجع الإطالة في الكلام السياسي ليترك الأسئلة للحزبيين، لكنّه أعاد التأكيد أن الثورة فعلت فعلها ووصلت إلى تحقيق نصف إنتصار، فقد أضعفت القوى الحاكمة الأساسية، وأنزلت “حزب الله” إلى أرض الواقع من عليائه، وحرمت السياسيين من المشاركة في الحكومة، كما أنها سمحت للقضاء بملاحقة رئيس حكومة ونواب ووزراء وضباط ومتورطين، وعلى رغم كل الشوائب إلا أنه يجب أن ننتظر إستكمال التغيير للوصول إلى الأهداف.

ويؤكد جعجع للمحازبين أن “القوات” ناضلت وقدمت آلاف الشهداء وبدأت الثورة منذ عشرات السنوات وهي الآن MOTEUR الثورة وتتحرّك لكن بطريقة مدروسة بعيداً عن الغوغائية وبأهداف واضحة، وليست من ضمن “كلن يعني كلن” لأنها كانت صوت المعارضة في الحكومة وواجهت الفساد، لذلك فان كل الأحزاب خسرت من شعبيتها، إلا “القوات”.

يعتبر جعجع أن “حزب الله” لا يزال يُبدّي مصالح المحور الإيراني على مصالح الشعب اللبناني ويعمل لتنفيذ مشروعه الديني في كل أصقاع الكرة الأرضية وهو يتواضع الآن ويبدأ بالشرق لينتقل بعدها إلى الأندلس وأوروبا وأميركا.

ويشدّد جعجع على استمرار المواجهة السياسية مع مشروع “حزب الله”، فاذا تمّ إضعاف “التيار الوطني الحرّ” من زاوية التحالف مع الحزب أو تم إضعاف التيار نيابياً فعندها ستنتقل الأكثرية من مكان إلى آخر ولن يستطيع التصرّف كما يفعل اليوم لأن سلاحه لن يخيف الناس، لذلك كان الطلب بانتخابات نيابية مبكرة تعيد فرز أكثرية جديدة، وحتى لو لم تحصد “القوات” نواب “التيار” في المناطق المسيحية وحصدها المستقلون إلاّ أنّ ذلك يعني أن “حزب الله” خسر الأكثرية.

تنوّعت مداخلات الحزبيين وتركزت الأسئلة على الشق السياسي والشق الداخلي التنظيمي، لكن إطلالة دفيد ملاحي شقيق الشهيد في فوج الإطفاء رالف كانت لافتة، والذي أراد شكر جعجع و”القوات” على وقفتهم معهم في مصابهم، وردّ جعجع التحية بألف كاشفاً عن أن رالف وفي عمر العشرين كتب وصيّة طلب فيها إذا إستشهد خلال عمله أن يوضع بين قائمة شهداء “القوات اللبنانية”، وأكّد جعجع أن رالف إستشهد كالأبطال في مكان دفع حياته لمحاولة إنقاذ اهله، لذلك فان القوات اللبنانية ستكرّمه وهذه المسيرة تقوم على عائلات فيها روح المقاومة مثل عائلة ملاحي وتدفع الدم دفاعاً عن لبنان.

واللافت أيضاً كانت مداخلة لحزبي هو محمد خدّاج من طرابلس، طلب من جعجع توجيه كلمة تُطمئن المسلمين الذين ما زالت لديهم حواجز مع “القوات”، فشدّد جعجع على أن الحواجز هي بفعل ظروف الماضي وقد تخطيناها وهذه الحواجز ناتجة عن صدمات نفسية تاريخية، وهنا تقع المسؤولية على أمثال محمد لتبيان صورة “القوات” الحقيقية في الاوساط المسلمة لأن ما تفعله من خلال سلوكها السياسي هو للمسلمين والمسيحيين على حد سواء.

ولم تغب الاسئلة الخارجة عن السياسة، إذ سألته المحازبة إليان أبي ضاهر: ما هو أفضل كتاب قرأته خلال إعتقالك؟ فكان الجواب “كيف نغير الطبقة الحاكمة”؟ وهذا الكتاب أهم كتاب اقرأه الآن وهو من إعداد “القوات اللبنانية”، ونعمل على ترجمة فصوله على أرض الواقع، لأن لا خلاص للبنان سوى بإرادة شعبية تواقة إلى التغيير وبناء الدولة المنشودة، ولفت إلى ان سير القديسين والكتب الفلسفية كانت أكثر ما يشدّه. وعند سؤاله لماذا لا تكون “القوات” عموداً فقرياً لجبهة معارضة على طريقة “الجبهة اللبنانية” و”قرنة شهوان”، قال جعجع: “جيبولي كميل شمعون وبيار الجميل تنعمل هلق أفضل جبهة”. نقاط كثيرة تناولها جعجع أبرزها التشديد على أنه لن يسمح بأن تعيش زحلة في عتمة، فيما إعتبر أن هناك يساريين وعونيين سابقين يجيشون ضدّ “القوات” على رغم إنتقالهم إلى المحور الثاني، في حين شدّد على رفضه تغيير قانون الإنتخاب، معتبراً ان أخطر ما في طرح الرئيس نبيه برّي هو سيطرة العددية لأنه تحت حجّة إلغاء الطائفية السياسية تسيطر طائفة على طائفة، وأوضح أن الدولة المدنية مطلوبة لكن ليس بالطريقة الغوغائية ومن دون دراسة، فالمشكلة في الأداء وليست في النظام. وإنتقد عدم مثول المدعى عليهم في جريمة المرفأ أمام القضاء خصوصاً لناحية وضع خطوط حمر طائفية، فلا خط أحمر حول أحد في هذا الموضوع والجميع يجب ان يُحاسب. يرفض جعجع فكرة أن المسيحيين ضعفاء وأن الشيعة باتوا نحو 40 في المئة من المجتمع، موضحاً ان الأرقام تشير إلى أنهم لا يتجاوزون 27 في المئة، كما أن ما يصيبنا يصيبهم.

لا امل بولادة حكومة قريبة حسب جعجع لأن الاكثرية الحاكمة لا تريد ذلك، فيما حراك الرئيس إيمانويل ماكرون مع هذه الطبقة لن يوصل إلى مكان، بينما يرى جعجع أن السياسة الاميركية لن تتغير مع الرئيس الجديد جو بايدن، في حين أن الموقف السعودي سيبقى كما هو.

“نداء الوطن”

اترك تعليقًا