الخبر بالصوت

قرار المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان، اختار ‏‏”أول” وزير أشغال دخلت شحنة نيترات الأمونيوم في عهده، و”آخر” ‏رئيس حكومة وقع الانفجار في ولايته. ومعهما وزيران وُضعا على لائحة ‏العقوبات الأميركية قبل أسابيع. ورغم أنّه ضمّن رسالته إلى مجلس النواب ‏أسماء 12 وزيراً و4 رؤساء حكومات، إلا أنّه لسبب ما استبعد الباقين، ما ‏أوحى بأنّ السياسة، وجهات أخرى، دخلت على الملف، حتى باتت انتقائية ‏القرار الذي اتّخذه تُهدد بإطاحة أيّ محاسبة ممكنة 

قبل يومين، نُظِّمت تظاهرة “عفوية” أمام منزل قاضي التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، فادي صوان، بهدف دعمه. ‏كانت بين المتظاهرين وجوه معروفة الانتماء السياسي، إلى جانب آخرين يُريدون العدالة فعلاً من دون أي تسييس. ‏رفع بعضهم صوراً للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ولمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله ‏وفيق صفا، غير المدّعى عليهما، إضافة إلى الوزير السابق النائب علي حسن خليل. لكن الصورة المهمة التي رُفِعت، ‏كانت لرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، مذيّلة بعبارة “كمّل عالكل”. وعبّود هو القاضي الذي يُهمَس ‏في أروقة العدلية بأنّه من يقف خلف قرار المحقق العدلي فادي صوّان الأخير إلى جانب نقيب المحامين ملحم خلف ‏والوزير السابق سليم جريصاتي، على الرغم من أنّ عبود كان في السابق معارضاً لتعيين صوّان محققاً عدلياً (موقفه ‏مدوّن في محضر اجتماع لمجلس القضاء الاعلى). لاحقاً، طلب عبود من المحقق العدلي أن ينتقل من مكتبه الموجود ‏في النيابة العامة التمييزية، إلى مكتب ملاصق لمكتب رئيس مجلس القضاء، ليفصل بينهما باب داخلي‎.‎ 

قد لا يعني هذا الكلام شيئاً، لكن النسق الذي رافق قرار صوّان استجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان ‏دياب، وثلاثة وزراء سابقين، كمدّعى عليهم، غلّفته الشُبهة. فلو قام صوّان باعتبار جميع الوزراء ورؤساء ‏الحكومات الأربعة في دائرة المدعى عليهم، لما كان في قراره شك. لكنّه، وتزامناً مع حملة المحاسبة القضائية التي ‏بدأها التيار الوطني الحر، ومن دون أن يطرأ جديد على ملف التحقيق في انفجار المرفأ، قرر أنّ حسان دياب ‏وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر مدّعى عليهم، على أن يستمع إليهم خلال أيام الإثنين والثلاثاء ‏والأربعاء‎. 

من المحتّم أنّ دياب لن يستقبل المحقق العدلي. ووزير المال السابق والنائب الحالي علي حسن خليل ووزير ‏الأشغال السابق والنائب الحالي غازي زعيتر لن يمثلا أمام القاضي، معتبرين أنه “ارتكب مخالفة قانونية ‏ودستورية، لأنه لا يحق له الادعاء عليهما”. وحده الوزير السابق يوسف فنيانوس لم يكن، حتى مساء أمس، قد ‏حسم أمره‎. 

الموقف المعادي لصوّان يرى قراره مشبوهاً في الشكل قبل المضمون؛ إذ يرى الفريق السياسي الذي يُحسب عليه ‏الوزراء السابقون أنّ هناك شُبهة كبيرة لاختيار يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، متسائلين: “هل هي رسالة ‏للأميركي بأنّ هؤلاء الذين أدرجتهم على لوائح العقوبات، عليهم شبهات في ملف تفجير المرفأ؟”. كما يرى هذا الفريق ‏أنّ اختيار حسان دياب يأتي في السياق نفسه، لكونه موسوماً بأنّه رئيس حكومة حزب الله. وتساءلت المصادر: هل ‏هناك ضغط لتحقيق إنجاز أو إعلانٍ ما إرضاءً لجهة ما؟ بات هناك اقتناع بأنّ الانتقائية التي مورست بمثابة التماهي ‏مع أجندة سياسية ما‎. 

يكاد يكون المشترك بين الوزراء السابقين المدّعى عليهم أنّ المحقق العدلي نفسه، أعدّ لهم القهوة بيديه، قبل أسابيع، ‏عندما استمع إليهم بصفتهم شهوداً. مكثوا بضع دقائق سأل فيها وأجاب، قبل أن يُطمئنهم إلى أنّه من الواضح لديه أنّهم ‏قاموا بواجباتهم. ومن ثم، وبشكل مفاجئ، بعد أكثر من شهر، يُبلّغون عبر الإعلام بأنّه سيعاود الاستماع إليهم بصفة ‏مدّعى عليهم‎. 

في اتصال مع النائب علي حسن خليل لسؤاله عمّا إذا كان سيمثل أمام المحقق العدلي بصفة مدّعى عليه، قال ‏لـ”الأخبار”: “أنا لم أُبلّغ أصلاً. هناك أصول للتبليغ وعلمت من الإعلام استدعائي. لقد قلت سابقاً وأُكرر أنني مستعد ‏لرفع الحصانة، لكن ما يحصل يطرح أسئلة كثيرة”. يقول حسن خليل إنّه لا يعلم إلى الآن أساس الادعاء أو المواد التي ‏ادّعى فيها، لافتاً إلى أنّ “المتداول يتحدّث عن ادّعاء بجنحة إهمال إداري، لكن هذه المسألة من صلاحية التفتيش”. ‏يسرد الوزير السابق للمالية باستغراب ما حصل معه، كاشفاً أنّ المحقق العدلي، وفي جلسة الاستماع إليه كشاهد، سأله ‏سؤالاً وحيداً وأجاب عنه بنفسه. يُعلّق مستذكراً: “دام التحقيق دقيقة أو دقيقة ونصف، سألني خلالها المحقق العدلي إن ‏كنت قد أحلت مراسلة الجمارك إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، فأجبت بنعم. عندها قال لي: “إنت عملت ‏واجباتك””. ويُضيف، “قرأ السؤال وقرأ الجواب بنفسه، وسألني إن كان لدي مانع بما كُتب، فقلت لا. وبعدها تحدثنا ‏بالسياسة والأوضاع العامة لست أو سبع دقائق قبل أن أُغادر”. تحدث حسن خليل عن مسؤولية معنوية على عدد من ‏الوزراء ومسؤولية على قضاة لم يتم استدعاؤهم، سائلاً: “هل نريد عدالة أم نسعى خلف اتهام سياسي؟”. وقال نائب ‏مرجعيون: “قمتُ بواجبي على أكمل وجه. وكنت أُريد مواجهته لكوني لست مقصراً، لكن هناك إشكالية دستورية ‏تسبّب بها لادعائه على نائب، فيما مجلس النواب في دورة الانعقاد، تُمنع الملاحقة الجزائية‎”. 

أما رئيس الحكومة حسان دياب، فقد أُبلغ عبر الأمانة العامة لمجلس الوزراء بأنه مستدعى للاستماع إليه كمدّعى عليه، ‏وأجاب بأنّه ليس لديه ما يُضيفه على ما سبق أن قاله للقضاء بشأن تفجير المرفأ. وأكّدت مصادر مقرّبة من دياب أنّه لن ‏يستقبل المحقق العدلي أيضاً، رامياً الكرة في ملعب الأخير مجدداً. وذكّرت المصادر بأنّ صوّان راسل دياب، قبل أيام، ‏عبر المدّعي العام التمييزي، فأجاب بأنّه على استعداد لمقابلته. “وحدّد القاضي موعداً للاستماع إليه نهار الثلاثاء، إلا ‏أنّ رئيس الحكومة طلب منه القدوم في اليوم نفسه. ورأت مصادر دياب أنّ “خطوة صوّان المفاجئة والانتقائية، تٌظهر ‏وجود جهة تطالبه بإعلان إنجازٍ ما‎”.‎
‎ 
أما النائب غازي زعيتر الذي أكّد أنّه لا يوجد أي مسؤولية عليه، فذكر أنّ القاضي عماد قبلان اتّصل به لإبلاغه ‏بوجوب المثول أمام القاضي صوان، فأجابه زعيتر بأنّ قرار الحضور قيد الدرس. وفي اتصال مع “الأخبار”، ‏أكد زعيتر أنّه لن يمثل أمام المحقق العدلي “الذي خالف الدستور”. استعاد زعيتر وقائع الجلسة الماضية أمام ‏القاضي صوّان قائلاً: “دامت الجلسة السابقة عشر دقائق. كتب صفحة ونصف أو صفحتين. سألني إن كنت على ‏علم بالنيترات، فرددت بالنفي وقلت له: أنا على استعداد لإجراء مقابلة مع المدير العام عبد الحفيظ القيسي”. واعتبر ‏زعيتر أنّ الادعاء عليه في هذا الملف “الذي لا علاقة لي به، بمثابة الادعاء السياسي، لكونه يترافق مع المعلومات ‏التي تتردد عن أنّني قريباً سأدرَج على لوائح العقوبات الأميركية‎”. 

أما الوزير السابق يوسف فنيانوس، فقد رفض التعليق. وعلمت “الأخبار” من مصادر مقرّبة منه بأنّه “لا يعرف ‏التهمة إلى الآن”، رغم أنّ جلسة الاستجواب الماضية بصفته شاهداً راوحت بين 10 دقائق و 15 دقيقة. وأشارت ‏المصادر إلى أنّ فنيانوس وقّع المراسلات التي وردته بشأن نيترات الأمونيوم، لإرسالها إلى هيئة القضايا. ورأت ‏المصادر أنّ فنيانوس لم يحسم أمره بعد إن كان سيحضر الاستجواب أمام صوّان أو أنّه سيتمنّع، مرجّحة ‏حضوره جلسة الاستماع إليه في حال لم تُسجَّل أي مستجدات‎. 

يتردد في الأروقة الضيقة لقصر العدل أنّ القاضي صوّان يعيش أزمة حقيقية تتعلّق بطبيعة الملف الموجود بين ‏يديه. فهو مقتنع بأن الملف لن يتجاوز الإهمال الوظيفي الجنائي في أبعد تقدير. وبالتالي، فإنّ الرأي العام لن يرضى ‏عن أي قرار ظنّي يُصدره. كما أنّ الأطراف الدوليين يعوّلون على القرار للإمعان أكثر في فرض عقوبات على ‏الأطراف السياسيين. لذا قرر أن يرفع السقف، فيُقدم أوراق اعتماد من جهة، ويُرضي الجهة السياسية التي أعلنت ‏بدء الحرب على الفساد‎.‎

“الأخبار”

اترك تعليقًا