رلى موفّق
ثمّة اعتقاد راسخ لدى كثير من المتابعين أن البلاد مقبلة على خضّات سياسية من الصعب التنبؤ بما ستحمله من انعكاسات وترددات على الوضع العام الهش أصلاً، والمفتوح على اضطرابات اجتماعية نتيجة الانهيار المالي – الاقتصادي وسوء إدارة المنظومة الحاكمة لتداعياته، والتي تُفاقم من المأزق الراهن.
وما يزيد من هذا الاعتقاد المشوب بقلق توترات على الأرض، شعور بعض القوى أنها في دائرة الاستهداف القضائي من باب الفساد والإثراء غير المشروع لجماعات محسوبة عليها في الإدارة والمؤسسات على خلفيات سياسية، بما يحوّل القضاء أداة تصفية حسابات بمنطق كيدي، حين يلجأ إلى فتح الملفات بشكل انتقائي. وقد بدا جلياً خلال الأيام الماضية أن جملة دعاوى يتم التحضير لها لدفعها إلى العلن تحت يافطة مكافحة الفساد، قرأ فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري سريعاً ما تكتنزه من أهداف تطويق حلفه السياسي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والحليف الماروني سليمان فرنجية، وتصعيد في جولات الحرب بين بعبدا وصهر الجمهورية وبين عين التينة.
يقول متابعون إن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ما عاد لديه شيئاً يخسره بعدما وضعت الخزانة الأميركية عقوبات على صهره جبران باسيل الذي كان أورثه تياره السياسي، وكان يعمل بكل قواه لإيصاله إلى سدة الرئاسة خلفاً له في الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية. توالت الضربات على الرجل، وكان في كل مرة يجهد في سبيل إعادة ترميم صورته وموقعه، إلى أن جاءت العقوبات الأميركية التي قضت، من حيث المبدأ، على طموحه السياسي في رئاسة الجمهورية، وما كان يرسمه لنفسه من صورة تتخطى تلك التي رسمها المسيحيون في وجدانهم ولا يزالون عن بشير الجميل.
منذ ضربة العقوبات الأميركية، اتخذ العهد الذي لا يمكن معها الفصل بين عون وباسيل، منحى شرساً في المعركة التي لا بد من اعتبارها أنها الأخيرة، فإما ينتصر فيها كاملاً أو يُهزم فيها كاملاً. هذا ما ينطبق على مسألة تأليف حكومة سعد الحريري الذي يعلم رئيسها المكلف أن الشروط التي يضعها رئيس الجمهورية من ثلث معطل وتركيبة وحقائب وأسماء تعني أن لا حكومة. المعركة على الحكومة تنطلق من أنها قد تكون الحكومة الأخيرة في عهد عون، وقد تكون هي الحكومة التي ستدير البلاد في حال حصول فراغ رئاسي. المعركة هي على موازين القوى التي من شأنها أن تتحكم في المشهد اللبناني مستقبلاً.
وترتكز سياسة باسيل على إغراق المركب بجميع ركابه إن كان هو سيغرق، لا بل يراهن على أن التلويح بإغراق بالمركب قد ينقذه ويحسّن من فرص فرض المعادلة التي يريد. من هذا المنظار يتم النظر إلى الملفات القضائية التي يتم فتحها لهذا الفريق السياسي أو ذاك الذي يقف على المقلب الآخر للعهد وصهره، فيما يأخذ «حزب الله» موقع المتفرّج على اللعبة الدائرة وعلى أداء الفرقاء وتحركاتهم واشتباكاتهم تاركاً إياها أن تأخذ مداها ما دامت لا تزال تحت السقف المضبوط.
ولكن هل سيبقى الأمر على ما هو عليه بعد التطور القضائي أمس؟ فادعاء المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب و3 وزراء سابقين بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، كان يمكن التعامل معه بوصفه البداية على طريق تحقيق العدالة في جريمة 4 آب، لولا أن ما كشفه مساءً وزير المال السابق المدعى عليه النائب علي حسن خليل، من أن الكتاب الذي أرسله القاضي صوان إلى المجلس النيابي (في 24 تشرين الثاني الماضي) والذي استخلص فيه وجود شبهات جدية بجنح الإهمال تتعلق ببعض المسؤولين الحكوميين، قد تضمن أسماء 4 رؤساء حكومات هم نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب إضافة إلى 11 وزيراً تعاقبوا على وزارات المال والأشغال والعدل. ما كشفه خليل يطرح جملة تساؤلات جدية حول كيف يمكن لمن يريد تحميل المسؤولين الذي تولوا المسؤولية في تلك الحقبة منذ وصول شحنة نترات الأمونيوم إلى المرفأ وحتى تاريخ اليوم المشؤوم أن يدعي على أسماء ويُسقط من الادعاء أسماء آخرين، ليأتي الاتهام محصوراً بعلي حسن خليل كوزير للمال وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس كوزيرين للأشغال، ويتم خفض لائحة الادعاء من 15 اسماً إلى 4 أسماء.
في رأي متابعين أن ردة الفعل الأولى أشّرت على أن القرار ستكون له ارتداداته السياسية لأنه ستجرى قراءته من منظور سياسي لا قضائي، وقد بدأت هذه الارتدادات التي جرى ادراجها في خانة استهداف رئاسة الحكومة من جهة، واستهداف فريق سياسي يشكل بري رافعته. استهدافان سيتمظهران بأشكال عدة في قابل الأيام. والقلق بأن الأبعاد الطائفية تتهيأ لتتصدر المشهد، بما يضع البلاد أمام حصول قلاقل أمنية تضاف إلى المخاوف من انفلات الأمور مع الاهتزاز المرتقب للأمن الغذائي والأمن الاجتماعي. احتمال تطور التوترات السياسية مع ملف المرفأ سيطرح السؤال الجدي والمحوري حول الكيفية التي سيتصرف فيها «حزب الله»، فالملف الذي فتح في قضية المرفأ سيعقد المشهد الداخلي، ولن يكون منفصلاً عن الملفات القضائية التي تفتح بعنوان الفساد والمتهم بالوقوف وراءه حليفه العوني الذي مده بعد العقوبات بجرعة من الدعم العلني وبوعد تجديد التفاهم السياسي بينهما، ولا يمكن الاقتناع بأنه كان غائباً عن التنسيق معه.
ولا شك أيضاً أن قضية الادعاء على مسؤولين حكوميين في قضية المرفأ سيعيد بقوة الأسئلة المطروحة حول «حزب الله» الذي ادعى للمرة الأولى قضائياً على كل من المنسق السابق لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد وموقع القوات اللبنانية وبهاء الحريري بتهمة اتهامهم له بمسؤوليته عن انفجار المرفأ.
“اللواء”