الخبر بالصوت

عماد مرمل

ليست المرة الاولى التي يندلع فيها اشتباك سياسي بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري. لطالما كانت علاقتهما غير مستقرة، تلفحها تارة هبة ساخنة وطوراً باردة، ليس فقط منذ انتخاب الجنرال رئيساً خلافاً لقناعة بري، بل قبل ذلك بكثير.

يبذل الرجلان باستمرار جهداً لضبط إيقاع تلك العلاقة المضطربة ومنع انفجار صواعقها، فينجحان حيناً ويخفقان احياناً. هما يعرفان انّ تعايشهما القسري، على الرغم من خلافاتهما الكثيرة، هو «قدر» لا مفرّ منه، الّا انّ «القضاء» كان له رأي آخر هذه المرة.

مع تدحرج الملفات بوتيرة غير مألوفة في الفترة الاخيرة، وصلت إلى بري معلومات بأنّ هناك نيّة لدى العهد و»التيار الحر» باستهدافه والرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، من خلال التصويب المباشر على مقرّبين منهم بتهم الفساد تحت شعار «عليّ وعلى أعدائي يا رب»، وانّ هناك خلية او غرفة سوداء تتوزع الادوار وتُبرمج تحريك الملفات وفق إحداثيات سياسية.

وما عزز هذا الانطباع في عين التينة والمقرات الحليفة، هو انّ الاستدعاءات والدعاوى القضائية المتدحرجة شملت حصراً جهات هي على خصومة او فتور مع العهد والتيار، كمجموعة الضباط السابقين، ومن ضمنهم قائد الجيش السابق جان قهوجي، وبعض موظفي وزارة المهجرين التي تولاها لمدة طويلة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يحظى بتغطية مباشرة من الرئيس سعد الحريري. وقبل هؤلاء جرت محاولة لملاحقة مقرّبين من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في ملف النفط، ما دفع فرنجية الى التدخّل الشخصي المباشر لحمايتهم.

أمام هذه الوقائع، قرّر بري ان يشن هجوماً استباقياً ووقائياً على عون، عبر مقدمة النشرة الإخبارية لمحطة «ان بي ان»، على قاعدة «بتغداهم قبل ما يتعشوني»، في رسالة واضحة منه مفادها: «الرطل بدو رطل ونص ولحمي مر لا يُؤكل».

والى جانب مآخذه على توظيف القضاء في حسابات جانبية وفئوية، فإنّ بري منزعج ايضاً من نمط المقاربة لملف تأليف الحكومة والبطء الشديد في تشكيلها، محمّلاً رئيس الجمهورية جزءاً من المسؤولية عن هذا التأخير. ويعتبر رئيس المجلس، انّه قدّم من جهته كل التسهيلات الممكنة للتعجيل في الولادة، بعدما وافق على حكومة مهمّة من اختصاصيين غير حزبيين، لا تعكس نتائج الانتخابات النيابية، كذلك قبل بأن يكون للرئيس المكلّف سعد الحريري حق وضع فيتو على الاسم الشيعي الذي لا يعجبه، ضمن اسماء تُرفع اليه، بينما كان معروفاً بأنّ بري هو وحده الذي يختار الوزير في اللحظة الأخيرة التي تسبق صدور مراسيم تشكيل الحكومة.

اما عون، فيضع موقفه في خانة حماية وحدة المعايير والتوازنات الداخلية، انطلاقاً من الحق الذي يمنحه له الدستور كشريك في تشكيل الحكومة، رافضاً ان يرضخ تحت الضغط الى تشكيلة امر واقع على حساب القواعد الواجب اعتمادها.

وبالنسبة الى الإتهام الموجّه الى عون و»التيار الوطني الحر»، باستخدام مواقع قضائية يمونان عليها لتصفية حسابات سياسية، فإنّ قصر بعبدا وميرنا الشالوحي يجزمان بأنّ الدينامية القضائية تأخذ مجراها الطبيعي والتلقائي بمعزل عن أي اجندات مضمّرة او استهدافات مبيتة، وانّ الوقائع والحقائق وحدها هي التي تحرك التحقيق في هذا الملف او ذاك.

“الجمهورية”

اترك تعليقًا